أرشيف المقالات

لكي لا تختزل العبادة في شعائر تعبدية مجردة

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2لكي لا تختزل العبادة في شعائر تعبدية مجردة   لا شك أن عبادة الله سبحانه وتعالى، هي الهدف الأساسي، من خلق الإنسان، بمقتضى ما أراده الله من عملية الخلق ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
ولذلك فإن الإنسان قد خلقه الله تعالى لمهمة كبيرة، ألا وهي عبادة الله تعالى في هذه الحياة الدنيا.   أولاً، وقبل كل شيء، إذ إن الاستقامة في النهج العملي، تحكمها ضوابط التعبد على قاعدة ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: 112].
ولأن إرادة الجعل الإلهي للإنسان خليفة في الأرض، بمقتضى خطاب الله تعالى للملائكة، ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30] قد اقتضت أن يكون الإنسان مستخلفاً في إعمار الأرض، فإنه قد أصبح بهذا التكليف الرباني، صاحب مشروع للإعمار في الحياة الدنيا، بالإضافة إلى مقتضيات العبادة، وذلك لكي يعمر الحياة بالعبادة، وحسن الاستخلاف في الأرض، في ذات الوقت.   ومن هذا المنطلق، يقتضي أن يتحمل الإنسان المسلم، تلك المسؤولية الجسيمة بجدارة، وأن يستخدم عقله على نحو رشيد، في تفجير طاقاته الإبداعية، الروحية منها، والبدنية، على نحو صالح، في صنع الحياة السعيدة، وبناء الحضارة الإنسانية الواعدة، متناغماً مع قانون وراثة الأرض بالصلاح، على قاعدة ﴿ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ﴾ [الأعراف: 56] [الأعراف: 85]، ليكون بذلك قد انسجم في سلوكه التعبدي، والعملي، في الحياة، مع المراد منه في قانون الاستخلاف الإلهي، وفق مبدأ ﴿ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ﴾ [الأنبياء: 105].   وما دامت ميادين العبادة القائمة على رضا الله تعالى، تتسع، بالإضافة إلى بعدها الروحي، لتشمل كل المجالات العملية في حياة الإنسان، في الزراعة، والهندسة، والطب، والصناعة، والاقتصاد، وغيرها من المجالات، فإن من مسؤولية كل مسلم في مجاله عندئذ، أن يتعبد الله تعالى بما وكل إليه من واجبات.
وهكذا يظل القلب متصلاً بخالقه على الدوام، حيثما كان الإنسان، وفي أي زمان.
فيتعبد ربه بأخلاقه، وسلوكه، بشكل دائم، حتى يلقى الله ربه، ومن دون الحاجة إلى وسائل رقابية ترصد أداءه، خارج وازع الضمير المتعبد.   لذلك ينبغي أن لا يكتفي مسلمُ اليوم، بمجرد تلاوة القرآن الكريم، دون العمل به، ولا أن يكتفي بأداء الصلاة، على نحو روتيني، دون إقامتها، وحفظها بمعيار ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45]، ولا أن يؤديها بهيئة جافة ينقصها الخشوع، وتفتقر إلى الطمأنينة، فيحرم نفسه بذلك، من الفلاح الذي يريده ربه له ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2]، في عملية اختزال مشوهة للعبادة بشعائر دينية مستلبة، تضرب بقية التكليفات عرض الحائط، في الوقت الذي يتطلب الأمر منه الحفاظ عليها بمقاييس التقوى الحقيقية، بهدف تعمير الكون، وتحقيق التنمية، والتقدم للبلاد، وضبط السلوكيات الاجتماعية للناس، وتوفير الخير للعباد.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣