أرشيف المقالات

هل الأمريكيون مصريو الأصل؟

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
8 بقلم إبراهيم إبراهيم يوسف مصر تكتشف أمريكا - رسالة أهل مصر - أقدم حل لمشكلة العاطلين - أقدم بعثة في التاريخ - أول جامعة متنقلة - رحلة يتممها أحفاد الأحفاد تقدم لنا العلوم بين آن وآن حقائق كنا نجهلها كل الجهل عن أثر قدماء المصريين في بناء المدنيات.
ولشد ما كنا نعجب حينما تنبثق من قبور أجدادنا الأقدمين أشعة من النور تبهر العقول قبل الأبصار، فترينا أن المدنيات التي قامت في العالم مدينة في كثير أو قليل لمنتجات عقول سكان مصر الأقدمين.
واليوم نقف وبقية العالم في ذهول وحيرة إزاء تلك الاكتشافات العديدة التي قام بها علماء العاديات وغيرهم في البلاد الأمريكية، والتي تثبت أن أول من أستوطن أمريكا هم المصريون.
كذلك ثبت لبعض علماء الأجناس أن المصريين كانوا نواة لبعض فصائل من البشر.
ولما كان بعض هذه الحقائق يستند إلى وثائق أثرية وآثار طبيعية يرجع عهد البعض منها إلى ما قبل التاريخ، فعلينا أن نلم إجمالا بالتطورات التي حدت بقدماء المصريين أن يسلكوا ذلك السبيل. يحزم كثير من علماء التاريخ القديم بأنه كان لمصر مدنية تفوق في تقدمها وازدهارها وشيوعها كل ما عداها من المدنيات.
ومن الطبيعي أن هذه المدنية لم تكن إلا نتاجا لسابق جهود تمت خلال عشرات المئات من السنين واصل فيها شعب النيل الفكر والعمل مدفوعا بقوة روحانية يستمدها من مثله الأعلى الذي نصبه لنفسه، والماثل في تهذيب الطبيعة لتجميل الحياة. ولا عجب أن تكون العظمة طابع تفكيره، وهو الذي إلى على نفسه أن يهذب الطبيعة ويجمل الحياة، إذ لا شيء أعظم من الطبيعة أو اشمل للحياة من الحياة.
ولو أن هذا الشعب لم يتصدر لأعظم حلم عرفه التاريخ (وستمر بك تفاصيله)، ولم يبذل جهود الجبابرة لتحقيقه، ثم لم يظفر ببغيته منه، لما كان أهلا لرسالته. وكان المصريون بما لهم من عقول رياضية قد تحققوا أن هنالك بلادا شاسعة غنية بخيراتها، زاخرة بثروتها الطبيعية، لا زالت بكرا.
فسعوا إليها اليهود ليؤدوا رسالتهم فيها؛ وكانت تلك البلاد هي التي أطلق عليها فيما بعد اسم (أمريكا).
وكان العلماء في مصر قدروا إذ ذاك موضع أمريكا تقديراً لا خطأ فيه، بدليل أن المصريين في ترحالهم إلى تلك البلاد لم يضلوا الطريق في الوصول إليها، ولم تبتلعهم صحاري ومجاهل آسيا.
كذلك لم يغوهم بلد كالهند لوثيق معرفتهم إن الثروة الطبيعية في أمريكا أوفر منها في الهند وأعظم وكانت المدنية المصرية وصلت إلى حد عرفت فيه مشكلة البطالة، وتكاثر في البلاد عدد العاطلين من العمال والمفكرين.
ولم يك ذلك إلا نتاجا لسوء نظام الطبقات السائد إذ ذاك.
وخشيت الطبقة الحاكمة أن يتصدى العاطلون لنظام الحكم والنظام الاجتماعي، فأوعزت إلى العلماء بالدعاية لفكرة استغلال أغنى بقاع العالم: أمريكا.
وكان الضيق قد حل بالعاطلين من أبناء مصر فتقبلوا الفكرة ونظموا جموعهم وأستقر قرارهم على الرحيل إلى بلاد الأمل والرجاء، وانتظم في سلك هذه الرحلة العمال والفلاحون والعلماء والفنانون - كل بعدته وأداته.
ولم تكن هذه الحملة قاصرة على جحافل من رجال أشداء، بل كل الشيوخ والنساء والبنات والبنون ضمن عناصرها.
وهذه الحملة أو البعثة الجامعة إلى الدنيا الجديدة كانت أشبه ما تكون بأمة كاملة تحمل في نفسها كل عوامل الحياة ووسائلها.
وليس من المحتمل اليوم أن يجود التاريخ ببعثة تماثلها من حيث التكوين أو العظمة أو الغرض.
ولا بد لتنظيم هذه الرحلة والسهر على إنجاحها من عقول راجحة قد يصعب علينا اليوم تصور جبروتها وعتوها.
وكان على الجحافل التي تنزح يومياً عن أرض النيل - وكلهم من العاطلين - أن تعمل منذ الساعة الأولى من الرحلة على الإنتاج، كل فيما أختص به.
ولم يكن أساس حياتهم الجديدة حب الذات، كما كان الحال في مصر، بل كان التفاني في التضحية لخدمة المجموع رائد الكل، فحل تعاون الجماعات محل الاستئثار، وغلبت الأخوة بين الجميع على فوارق الطبقات، وتمتع هؤلاء الرحل بحرية لم يعرفوا لها نظيرا على ضفاف النيل.
وكان صدق حبهم وخالص نيتهم في تحقيق حلمهم العظيم يغريهم بالتمادي في التضحية.
ولا يمكننا اليوم ونحن في القرن العشرين وطرق المواصلات ميسورة وعديدة وأغلب البلاد مأهولة وعامرة، تقدير المشاق التي عاناها أجدادنا في اجتياز تلك البقاع.
ويرجع تذليل كل صعاب انتابتهم إلى الذهن المتقد وقوة الساعد والإيمان بصدق الرسالة.
ولا شك أن العزيمة واطمئنان النفس كانت تتملك تلك الجماعات من الناس منذ بدء الرحلة التي قاموا بها، فاخترقوا صحراء سينا إلى فلسطين فسوريا فتركيا فالعراق فبلاد الكرد فإيران فالتركستان فشمال الهند، ومنها إلى سهول وصحاري سيبريا الشاسعة حتى ظهر لهم البحر.
ولقد قاومت هذه الجماعات الجوع والعطش والقيظ والبرد والحيوانات المفترسة والطيور الجارحة والمتوحشين من الهمج وتغلبت عليها جميعاً بل لقد اجتازت مناطق لم يكن للبشرية فيها من أثر.
ولما ان وصلوا إلى أبعد نقطة من شرق آسيا أخذوا يصنعون الفلك الذي أجتاز بهم البوغاز المعروف باسم (طريق بيرنج) حتى وصلوا إلى شبه جزيرة ألسكا. ويقول الأستاذ الدكتور هردليكا مدرس علم الأجناس في معهد سميث سونيان بأمريكا: (إن الطارقين الأولين للدنيا الجديدة اتخذوا جزيرة كودياك قاعدة لهمم وجعلوها مركز اتصال بين من تخلفوا منهم في آسيا ومن تقدموا منهم في أمريكا؛ وهؤلاء اجتازوا ألسكا ونزحوا إلى كولمبيا البريطانية فولايات واشنجطن وأوريجون وكاليفورنيا الواقعة على المحيط الهادئ.
ولم يجد المصريون رواد أمريكا آدمياً واحداً أو أثر لآدمي، ولكنهم وجدوا حيوانات مردة متوحشة يعلوها الشعر الكثيف المتهدل.
ومن هذه الحيوانات المامونت والفيلة العاتية وغيرها مما كان يجتاز الأحراج والبراري في تلك الأرض البكر)
. ويسلم الباحثون بأن (رواد أمريكا الأول كانوا على جنب عظيم من الشجاعة والأقدام والمخاطرة) (وأنهم انقسموا إلى فريقين: فالفريق الأول ذهب إلى الشرق، والفريق الآخر اتخذ طريقه إلى جانب مجرى الأنهار الكبرى حتى وصل هؤلاء المصريون إلى المحيط الأطلنطي.
وهكذا قطعوا ثلاثة آلاف من الأميال على أقل تقدير)
.
ويميل العلامة الأستاذ بنيت عضو المعهد الأمريكي للمباحث الخاصة بالهنود الحمر إلى (أن المصريين لم يقفوا عند الشاطئ بل ركبوا البحر حتى بلغوا الجزر المترامية في المحيط والمعروفة اليوم باسم جزائر الهند الغربية).
ويتفق علماء الآثار الأمريكيون في القول بأن (الفريق الآخر الذي سار جنوباً أخترق بلاد المكسيك وأواسط أمريكا وإحراج استموس في بناما.
ثم تدرجوا إلى مجاهل أمريكا الجنوبية)
.
ومن أمد قريب رحل جماعة من علماء الأمريكان إلى بوليفيا لعلهم يقفون على أثر للجماعات الرحل التي تقدمت التاريخ، (هؤلاء الرحل الذين قدموا من وادي النيل قبل أن يقدم أمريكا بأجيال عدة قبائل الآنكاس) على حد تعبيرهم.
وسرعان ما وقفت هذه البعثة في عملها، فقد جاء في تقرير الأستاذ بنيت: (إننا وجدنا حول بحيرات تيتيكاكا في بوليفيا آثار مدنيات يرجع تاريخها إلى ما قبل عصر الأنكاس).
وجاء في هذا التقرير (وعلى مقربة من البحيرات وجدنا خرائب متفرقة.
ولما أن انكشفت عنها الأتربة ظهرت خمسة أبنية كانت على ما يظن معاهد دينية)
ولا زالت هذه البعثة مستمرة في أبحاثها.
والاعتقاد السائد بين أفرادها أنها سوف توفق إلى اكتشاف مبانٍ ومدافن أخرى يرجع عهدها إلى ما قبل التاريخ. كذلك وفق الأستاذ هردليكا إلى اكتشاف في كوبا يؤيد وجود اتصال ثقافي ومدني بين الشعوب القديمة والشعوب الشمالية في جزيرة كودياك وقبائل ماياس في أمريكا.
ومن المسلم به (أن جميع السكان الشماليين ومن بينهم الأسكيمو هم من سلالات العنصر الذي نزح إلى البلاد الأمريكية عند بدء تعميرها).
ولما أن وجد الدكتور هردليكا جمجمة في إحدى حفريات جزيرة كودياك مال إلى رأيه كثير من العلماء وهو (أن تلك الجمجمة هي صلة الوصل بين جميع الأجناس البشرية التي عمرت أمريكا).
وهي جمجمة لرئيس قبيلة كما يزعم الدكتور هردليكا، ويضيف إلى زعمه هذا أن أتباع هذا الزعيم اقتطعوا من لحمه حياً والتهموه التهاماً لفرط إعجابهم بكفاءته وفضائله.
وهذه العادة كانت متبعة إذ كان يأكل الأتباع سيدهم وهو حي.
وكذلك يفعلون مع زعيم أعدائهم اعتقاداً منهم أن مميزاته ومقدرته سوف تتقلص فيهم بعد أكل لحمه.
وقد وجدت في جمجمة هذا الزعيم عين صناعية صنعت من سن الفيل وجعلت الحدقة حجراً كريماً.
وكانت قبائل الاستكن والماياس تصنع مثل ذلك أبان ازدهار حضارتهما.
وكان الدكتور بنيت أمضى عدة أسابيع في أبحاثه بمدينة بيناردل ريو من أعمال جزيرة كوبا فوجد فيما عثر عليه مائتي ملعقة من المحار وكثير من المطارق الحجرية والأواني المنزلية المصنوعة من الخشب وغيرها من الأدوات التي تتمثل فيها البساطة والفطرة.
كذلك وجد في هذه المدينة جمجمة يرجع عهدها إلى ما قبل التاريخ.
ويرى فيها الدكتور بنيت حلقة الاتصال بين الهنود الحمر الأول وسكان جزائر الأناتيل، وقد ثبت له كما ثبت لغيره من قبل أن موطن الأباء الأول للهنود الحمر من سكان أمريكا هو وادي النيل. ومما لا شك فيه أن رحلة العاطلين المصريين هذه إلى أمريكا وكوبا وجزائر الهند الغربية دامت بضع مئات من السنين.
وأن عدداً من الأطفال ولدوا أثناء السفر وشبوا وعاشوا وماتوا على بعد عشرات المئات من الأميال من الموضع الذي أبصروا فيه لأول مرة نور العالم من دون أن يصلوا إلى أرض الأمل والرجاء، فورث الأبناء الرسالة وأخذوا على عاتقهم تحقيقها. وليس باستطاعة أحفاد الأحفاد بناء مدينة في أمريكا تشبه كل الشبه المدنية التي أقامها المصريون على ضفاف النيل مع أنهم لم يحظوا بالعيش في مصر يوماً لغز قط، فقد كان هؤلاء الرحل من بدء ترحالهم إلى الدنيا الجديدة يعدون العدة لتوفير أسباب إتمام المرحلة التالية.
فان وجدوا الأرض خصبة والماء ميسوراً زرعوا الغلال والفاكهة والخضر والزهور وحملوا معهم ما أرادوه ميرة لهم في سفرهم.
وكما أن بعضهم كان ينسج الصوف والكتان وغيرهما ملابس وأردية وخياماً، كان البعض الآخر من أصحاب الحرف يلقن الصبية صناعته.
وكانت تعقد قبل مسير كل يوم في الصباح من أيام الإقامة حلقات يدرس فيها العلماء علمهم ويقدم فيها الفنانون تجاربهم.
وكان لكل علم وفن دراسات وحلقات وفصول أولية وإعدادية عالية.
فكانت كل أنواع الثقافات المعروفة في ضفاف وادي النيل تقدم دون تمييز إلى كل الأفراد.
وهكذا عرفوا كيف يضعون بين حياة الفطرة وحياة أحفادهم سداً منيعاً.
ولما كان لكل فرد في القافلة حق تلقن العلم ودرس الفن الذي يميل إليه أصبح الجميع أحرار الفكر أحرار العمل، خاصة وقد تخلصوا من سلطة رجال الدين.
وكان على طلبة الأمس أن يعلموا صبية وبنات اليوم.
وهكذا احتفظ بمستوى الثقافة. وقد وجه السؤال التالي إلى بعض الهيئات: إذا كان حقاً أن المصريين عرفوا موضع أمريكا الجغرافي وعلموا بتفوق ثروتها الطبيعية، فلم لم يركبوا البحر إليها مباشرة من شواطئ البحر الأحمر؟ وما أيسر الجواب على ذلك.
إن المسافر في البحر خاصة في تلك السفن القديمة العهد؛ كان مضطراً إلى هجر صناعته وعدم مزاولته لها ولكثير من دعائم الثقافة وأسس المدنية.
وكيف يزال في السفينة فلاحة الأرض وزراعتها، ونحن نعلم أن المدنية المصرية كان أساسها في الزراعة؟ وإذا كان هذا حال الفلاح فكيف يكون حال أولاده وأحفاده.
كذلك تدريس العلوم والفنون أثناء سفر السفينة بعيد الاحتمال، فلا يرجى للناشئ أن يقف على مدنية جديدة عليه أن يبينها من أساسها في أرض جديدة.
والأمر الثاني كيف يجوز لهؤلاء العاطلين وهم جماعات عدة أن يحصلوا على المواد الغذائية لمدد طويلة قد تربو على العام؟ ولو أن المصريين الأقدمين ركبوا البحر إلى أمريكا لما وصلوا إلى الدنيا الجديدة ولما وجدنا هنالك أهراماً وتماثيل ومباني تماثل ما نراه على ضفاف النيل للعهود القديمة.
أما وقد أنشأوا مدنية جديدة في أرض بكر، وأدوا رسالتهم على الوجه الأكمل فأولى بنا أن نقتبس من روح نظام مجتمعهم الذي مكنهم من تحقيق أكبر حلم عرف في التاريخ. إبراهيم إبراهيم يوسف.

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير