أرشيف المقالات

يخلق ما يشاء

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
2يخلق ما يشاء
كثيرًا ما يتساءل البعضُ: كيف وُجِدَتِ الحياةُ على الأرض؟ خاصَّةً أن الأرضَ كانت جزءًا من المنظومة الشمسية، وبدرجة حرارةٍ مُلْتهبة لا تسمح بوجود أي نوعٍ من الحياة عليها.   في يقين المؤمن بالله يأتي الجواب، كما جاء في القرآن الكريم: ﴿ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [المائدة: 17]؛ لكن لُغْز الخَلْق مع ذلك يظلُّ بكيفيَّتِه الحقيقية عَصِيًّا على تصوُّر الإنسان ذي العقل المحدود التصوُّر، ومع ذلك فإنه لا ضَيْرَ من أن يظلَّ الأُفُق مفتوحًا أمامه للبحث والاستكشاف بقَصْدِ التيقُّن من الكيفية عن علم، لا سيَّما أن وسائلَ إنسان اليوم غيرُ وسائله بالأمس، وبذلك قد يقتربُ الإنسانُ يومًا ما مِن تخوم إدراك حقيقة الكيفيَّة التي حيَّرتْه، على قاعدة: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ [فصلت: 53].   ومع ذلك، فالكائن الحيُّ لا يمكن تخليقُه من دون خالق، يَهبُه سِرَّ الحياة، وهو الله سبحانه وتعالى، فحتى لو عرَفْنا مثلًا أن جسم الذُّباب يتكوَّن من الكربون والهيدروجين والأوكسجين ...
إلخ، ولو جمعنا هذه العناصر في المختبر، وبنفس النِّسَبِ التي في جسم الذُّباب، ووفَّرْنا لها نفس الظروف اللازمة للتخليق، لما تَمَكَّنَّا من خَلْقِ الذُّباب، ومنحناه الحياة.   ويبقى الإنسان مُطالَبًا بالبحث والتحرِّي والكشف عن كيفيَّات ما أَشكَلَ عليه، تمشِّيًا مع معايير الأخْذ بالأسباب على قاعدة: ﴿ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ﴾ [الرحمن: 33]؛ حيث لا بُدَّ في مثل هذه الحالة من السُّلْطان، ويأتي هذا المنهج مُتناغِمًا مع قوله تعالى: ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ ﴾ [فصلت: 53].   ومع ذلك، فإن على الإنسان العاقل العالم أن يبقى عارفًا ومتيقِّنًا من أن قُدْراتِ العقل محدودةٌ، مهما كانت خارقةً، ولذلك فليس كل ما لا يحسُّه العقل يَحْسَبه غيرَ موجود؛ إذ لا شَكَّ أن فيما ما وراء غير المنظور عوالِمَ غيبيَّةً لا حصرَ لها، فيها من الحقائق والموجودات ممَّا يُدهِشُ الألباب، وتَعجِز عن إدراكه العقولُ، ويقينًا فإن في مثل هذا السرِّ البليغ لآيةً لمنْ كان له قلبٌ أو ألْقَى السَّمْعَ وهو شهيد.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢