أرشيف المقالات

تفاسير القرآن

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
2تفاسير القرآن   الحمد لله الذي نزَّل الفُرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، الذي له ملك السموات والأرض، ولم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريكٌ في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديرًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربُّه شاهدًا ومبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذْنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:   فإن الكثير من العلماء قد اهتمُّوا بتفسير القرآن الكريم؛ لذلك أحببتُ أن أُذكِّر نفسي وأحبائي طلابَ العلم الكِرامَ بأنواع التفاسير، فأقول وبالله تعالى التوفيق: بسم الله الرحمن الرحيم أولًا: التفسير بالمأثور (التفسير بالرِّواية): تعريف التفسير بالمأثور: التفسير بالمأثور: هو ما جاء في القرآن أو السنة أو كلام الصحابة بيانًا لمراد الله تعالى من كتابه العزيز.   فالتفسير بالمأثور، إما أن يكون تفسير القرآن بالقرآن، أو تفسير القرآن بالسُّنة؛ لأنها جاءتْ مُبيِّنةً لكتاب الله، أو تفسير القرآن بما رُوي عن الصحابة؛ لأنهم أعلم الناس بكتاب الله تعالى.   أمثلة لتفسير القرآن بالقرآن: (1) قوله سبحانه: ﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ [البقرة: 187]، فإن قوله: ﴿ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ بيانٌ وشرحٌ للمُراد من قوله: ﴿ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ ﴾ التي قبلها.   (2) قوله سبحانه: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23]، فإنها بيانٌ للفظ "كلمات" من قوله تعالى: ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 37].   (3) قوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ ﴾ [المائدة: 3] الآية فإنها بيان لقوله: ﴿ يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ من قوله سبحانه: ﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ [المائدة: 1].   (4) قوله تعالى: ﴿ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ﴾ [المائدة: 12] فإنها بيان للعهدين في قوله سبحانه: ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ﴾ [البقرة: 40] الأول للأول والثاني للثاني.   (5) قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ ﴾ [الطارق: 2، 3]، فإن قوله: ﴿ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ﴾ بيان لكلمة "الطارق" التي قبلها.   وغير ذلك كثيرٌ يُعلَم بالتدبُّر لكتاب الله تعالى؛ (مناهل العرفان في علوم القرآن؛ للزرقاني، جـ:12).   أمثلة لتفسير القرآن بالسنة: (1) تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الظُّلْم بالشِّرك؛ روى الشيخان عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: لما نزلت هذه الآية: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [الأنعام: 82] شقَّ ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أيُّنا لم يظلِم نفسَه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس كما تظنُّون؛ إنما هو كما قال لقمان لابنه: ﴿ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]))؛ (البخاري، حديث: 6937 /مسلم، حديث: 124).   (2) تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الحساب اليسير بالعرض؛ روى البخاري عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ نُوقِشَ الحِسابُ عُذِّبَ))، قالت: قلتُ: أليس يقول الله تعالى: ﴿ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ﴾ [الانشقاق: 8]، قال: ((ذلك العرض))؛ (البخاري، حديث: 6536). • قوله صلى الله عليه وسلم: ((ذلك العرض))، هذا بيانٌ للحساب اليسير؛ أي: عرض أعمال المؤمن عليه لتذكيره بها فقط.   (3) تفسير النبي صلى الله عليه وسلم "القوة" بـ"الرمي" في قوله سبحانه: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60]، روى مسلم عن عقبة بن عامر، قال: سمِعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر، يقول: ((﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ﴾ [الأنفال: 60]، ألَا إنَّ القوة الرَّمي، ألَا إنَّ القوةَ الرَّمْي، ألَا إنَّ القوةَ الرمي))؛ (مسلم حديث:1917).   (4) روى الشيخان عن أبي ذرٍّ، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: ﴿ وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ﴾ [يس: 38]، قال: ((مستقرُّها تحت العرش))؛ (البخاري، حديث: 4803 /مسلم، حديث:159).   (5) تفسير النبي صلى الله عليه وسلم للكوثر بأنه نهرٌ وعدَه الله تعالى به يوم القيامة؛ (مناهل العرفان في علوم القرآن؛ للزرقاني، جـ2، صـ13:12).   روى مسلم عن أنس بن مالك، قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا، إذ أغفى إغفاءةً، ثمَّ رفع رأسه مُتبسمًا، فقلنا: ما أضْحَكَكَ يا رسول الله؟ قال: ((أُنْزلَتْ عليَّ آنِفًا سورةٌ))، فقرأ: ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ﴾ [الكوثر: 1 - 3] ثم قال: ((أتدرون ما الكوثر؟))، فقلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((فإنَّه نهرٌ وعَدَنيه ربِّي عزَّ وجل، عليه خيرٌ كثيرٌ، هو حَوْضٌ ترِدُ عليه أُمَّتي يومَ القيامة، آنيتُه عدد النجوم، فيختلج العَبْدُ منهم، فأقول: ربِّ، إنَّه من أُمَّتي، فيقول: ما تدري ما أحدَثَ بَعْدَكَ))؛ (مسلم حديث: 400).   ثالثًا: تفسير القرآن بما جاء عن الصحابة: قال الحاكم: «ليعلم طالب هذا العلم أن تفسير الصحابي الذي شَهِدَ الوحي والتنزيل عند الشيخين؛ (أي: البخاري ومسلم) حديثٌ مُسندٌ»، (مستدرك الحاكم جـ2، صـ283، رقم:3021).   وجهة نظر الحاكم ومن وافقه أن الصحابة رضوان الله عليهم قد شاهدوا الوحي والتنزيل، وعرَفوا وعاينوا من أسباب النزول ما يكشف لهم النقاب عن معاني الكتاب، ولهم من سلامة فِطرتهم وصفاء نفوسهم، وعُلوِّهم في الفصاحة والبيان ما يُمكنهم من الفَهم الصحيح لكلام الله، وما يجعلهم يُوقنون بمراده من تنزيله وهداه؛ (مناهل العرفان في علوم القرآن؛ للزرقاني، جـ2، صـ13).   ذهب جمهور العلماء إلى أن تفسير الصحابي له حكم المرفوع إذا كان ممَّا يرجع إلى أسباب النزول، وكل ما ليس للرأي فيه مجال، أمَّا ما يكون للرأي فيه مجال، فهو موقوف عليه ما دام لم يُسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (مباحث في علوم القرآن؛ لمناع القطان صـ347).   أشهر كتب التفسير بالمأثور: 1 - تفسير ابن أبي حاتم. 2 - تفسير ابن عطية. 3 - تفسير الطبري. 4 - تفسير ابن أبي شيبة. 5 - تفسير البغوي "معالم التنزيل". 6 - تفسير ابن كثير. 7 - تفسير السيوطي "الدر المنثور في التفسير بالمأثور". 8 - تفسير الشوكاني "فتح القدير".   ثانيًا: التفسير بالرأي (التفسير بالدراية): معنى التفسير بالرأي: التفسير بالرأي: هو تفسير القرآن بالاجتهاد بعد معرفة المفسِّر لكلام العرب، ومعرفته للألفاظ العربية ووجوه دلالاتها، ووقوفه على أسباب النزول، ومعرفته بالناسخ والمنسوخ من آيات القرآن، وغير ذلك من الأدوات التي يحتاج إليها المفسِّر؛ (التفسير والمفسرون؛ لمحمد حسين الذهبي، جـ1، صـ183).   ضوابط قبول بالتفسير بالرأي: (1) النقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع التحرُّز عن الضعيف والموضوع.   (2) الأخذ بقول الصحابي؛ لأنه في حُكْم المرفوع.   (3) الأخذ بمطلق اللُّغة مع الاحتراز عن صرف الآيات إلَّا ما لا يدلُّ عليه الكثير من كلام العرب.   (4) الأخذ بما يقتضيه كلام العرب، ويدلُّ عليه الشَّرْعُ، وهذا هو الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس في قوله: ((اللهمَّ فقِّهه في الدِّين، وعلِّمْه التأويل)).   فمن فسَّر القرآنَ برأيه - أي باجتهاده - ملتزمًا الوقوفَ عند هذه المآخذ، معتمدًا عليها فيما يرى من معاني كتاب الله، كان تفسيره سائغًا جائزًا خليقًا بأن يُسمَّى التفسير الجائز أو التفسير المحمود، ومن حاد عن هذه الأصول، وفسَّر القرآن غير معتمد عليها، كان تفسيرُه ساقِطًا خليقًا بأن يُسمَّى التفسير غير الجائز أو التفسير المذموم.   فالتفسير بالرأي الجائز يجب أن يُلاحَظَ فيه الاعتماد على ما نُقِل عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ممَّا يُنير السبيل للمفسِّر برأيه، وأن يكون صاحبُه عارفًا بقوانين اللغة، خبيرًا بأساليبها، وأن يكون بصيرًا بقانون الشريعة، حتى ينزل كلام الله على المعروف من تشريعه.   أما الأمور التي يجب البُعْد عنها في التفسير بالرأي فمن أهمِّها التهجُّم على تبيين مُراد الله من كلامه على جهالة بقوانين اللُّغة أو الشريعة، ومنها حمل كلام الله على المذاهب الفاسدة، ومنها الخوض فيما استأثَر الله بعلمه، ومنها القَطْع بأن مراد الله كذا من غير دليل، ومنها السير مع الهوى والاستحسان؛ (مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني، جـ2، صـ50:49).   أنواع التفسير بالرأي: التفسير بالرأي نوعان: نوعٌ محمودٌ، ونوعٌ مذمومٌ. أولًا: التفسير المحمود: هو ما كان موافقًا لقَصْد الله تعالى، بعيدًا عن كل ضلالة وجهالة، متمشِّيًا مع قواعد اللغة العربية، متفهِّمًا لأساليبها في عرض الآيات القرآنية، خاليًا من الهوى والسُّمعة، فمن فسَّر على هذه الشروط كان تفسيرُه جائزًا مفيدًا ما دام قَصْدُه ووجهته خدمةَ كلام الله تعالى، وبيان معانيه بكل صدقٍ وأمانة.   ثانيًا: التفسير المذموم: هو تفسير الشخص للقرآن الكريم بدون علم عنده أو يُفسِّره حسب هواه ومقتضى مذهبه، مع جهله بمعرفة اللغة العربية أو التشريعات الإلهية، أو يحمل كلام الله تعالى على معنى لا يليق به، أو يخوض في الأشياء التي استأثر الله تعالى بعلمها، ويجزم بأن المراد من كلام الله كذا وكذا على غير حق؛ (مباحث في علوم القرآن؛ لمناع القطان، صـ377).   ثالثًا: تفسير بالإشارة «التفسير الإشاري»: معنى التفسير بالإشارة: هو تأويل القرآن على خلاف ظاهره؛ لإشارة خفية تظهر لبعض أهل العلم، وتظهر لبعض العارفين بالله تعالى، المجاهدين للنفس.   ومعنى هذا أن التفسير بالإشارة هو أن يرى المفسِّرُ معنًى آخَرَ للآية لظاهر تحتمله الآية الكريمة، ولكن هذا المعنى لا يظهر لكل إنسان؛ وإنما يظهر لمن فتح الله تعالى قلبه بالإيمان، وأنار الله بصيرته؛ (مناهل العرفان في علوم القرآن؛ للزرقاني جـ2، صـ78).   ضوابط قبول التفسير بالإشارة: قال الإمام ابن القيم (رحمه الله): لا بأس بالتفسير بالإشارة بأربعة شروط، وهي: (1) ألَّا يُناقض معنى الآية. (2) أن يكون معنًى صحيحًا في نفسه. (3) أن يكون في اللفظ إشعارٌ به. (4) أن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباطٌ وتلازمٌ. فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان استنباطًا حسنًا؛ (التبيان في أقسام القرآن؛ لابن القيم، صـ:79).   ممَّا يُحسِّن التنبُّه له أنه ليس كل ما نُسِب إلى التفسير الإشاري فإنه باطِلٌ محض؛ بل الإشارات والاعتبارات مثل القياس في الفقه، منه ما هو صحيح، ومنه ما هو خطأ، ومنه ما هو باطل، وقد أشار إلى ذلك عدد من العلماء....
"فإن الشيخ أبا عبدالرحمن ذكر في حقائق التفسير من الإشارات التي بعضُها كلامٌ حَسَنٌ مستفاد، وبعضُها مكذوبٌ على قائله مفترى؛ كالمنقول عن جعفر وغيره، وبعضُها من المنقول الباطل المردود"؛ (راجع مقالة: الاستفادة من التفسير الإشاري في تدبُّر القرآن).   ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذُخرًا لي عنده يوم القيامة، ﴿ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [الشعراء: 88، 89]، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم، وآخِرُ دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير