أرشيف المقالات

هلا شكرت

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2هلاَّ شكرت   إنه الشكر، حياةُ القلب وحيويتُه، وسلامة الصدر وطهارته، وكمال العقل ونُضجه، هو منهج المتعبدين، وديدنُ الصالحين وأعلى منازل السالكين، هو الرضا وفوق الرضا، شكره على ما قدر وقضى.   إنه اعتراف بالنعمة وإقرارٌ لله بالفضل والمنة، والإذعان للواهب المعطاء، والثناء عليه بجميل الثناء، هو سبب زيادة النعيم في الدنيا والأمن في الآخرة؛ ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]، ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 147].   عبادة سهلة، لكن مع هذا أكثر الناس منها محرومون وعن أدائها مبعدون؛ ﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾ [الأعراف: 17]، ﴿ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 243].   قد أصبحت آمنًا في سِربك، معافًى في بدنك، عندك قوتُ يومك، فما يَصرفك عن شكر ربِّك؟! كم من نعم زادها الشكرُ، وأبادها الكفرُ! فأحسِن جوار نعم ربِّك بشكرها، ولا تُنفِّرها بكفرها وإنكارها، فما شرَد منها قلَّ أن يعود!   اشكُر ربك يوفِّقْك لطاعته، ويرزقْك حُسن عبادته، اعترِف بنعمه باطنًا، وتحدَّث عنها ظاهرًا، واستعنْ بها في رضاه وطاعته، قابِل النعم بالشكر والعِرفان، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
اصبر على طاعته، وتصبَّر عن معصيته، واعترف بتقصيرك في حقه، وأن النِّعم مَحض جُوده وكرمه. اشكره بلسانك وقلبك وكلِّ أركانك، فكم جلَب لك من نعمة، وكم دفَع عنك من نِقمة! وكم ستر لك من عيبٍ، وكم أفاضَ عليك من نعيم عذبٍ! وكم أزاح عن صدرك مِن خَطْبٍ، فقابل بلاءاتِه بصدر رحبٍ، واشكُره بأدب وحُبٍّ! ألم يرزُقْك صحةً في بدن وأمنًا في وطن؟! كم نجاك من مآزق، وكم صرَف عنك من عوائقَ!   كم من خيرٍ لعباده نازل، وكم من جحود لنِعَمه إليه صاعد! فاشكُره لنعمائه، واعترف بعجزك عن إيفاء حقِّ شكره وعطائه، اشكُره على الرخاء وعلى البلاء، وعلى المنع وعلى العطاء، فبلاؤه لحكمةٍ ومنعُه رحمة!   ألا تَعِسَ قومٌ لا يرون النعم في غير المأكل والمشرب، متناسين إنعامَه بالهداية لدينه، والاستقامة على شرعه، والتوفيق لمحاسن أخلاقه وأدبه، اشكُره على ما تفضَّل وأنعَم، وأجزَل المواهب والنعم وتكرَّم، اشكُره على ما أظهَر لك من الجميل وستَر عليك من القبيح!   اشكُر نبيَّك أن بلَّغ رسالته، وأدَّى أمانته، وتحمَّل في سبيل إيصالها لك كلَّ أنواع البلاء وكل أصناف الشقاء. اشكر والديك بطاعتهما وبرِّهما، والإحسان إليهما، وعدم إغضابهما. اشكر العلماء أن حملوا مشاعلَ الهداية بعد الأنبياء. اشكر الناس، فما شكر ربَّه من لم يشكُرْ خلقَه.   قدِّر معروفهم واعرِف حقوقهم، وأدخِل السرور على قلوبهم، عبِّر عن امتنانك لهم، شاركهم فرحَهم وحزنهم، واسألْ عن أحوالهم.   إن شكر الناس ليس ضَعفًا، بل هو القوة بعينها. اشكر زوجتك ببسمة راضية ويد حانية، وزهرة جُورية ندية.   وحين تبذل جهدك لإسعادهم، وتجد الجحودَ في أعينهم والقسوةَ في كلماتهم، فابتسِم وامضِ في طريقك راضيًا، مستودعًا جهودك وأجرَك عند ربك، ولا تنتظر من أحد غيره شكرَك، لا تتعلق بمدحهم ونوالهم، ولا يهزك جَحدهم ونُكرانهم، فرِضا الناس هدفٌ لا يُدرَك، ورضا ربِّك غاية لا تُترَك، والحق واضحٌ مهما حاوَل المغرضون تدليسَه وطَمْسَه، نعم هذا ديننا.   نفوسٌ ربَّاها الإسلام وهيَّأها؛ لتقود كل الأنام، فكيف بعد هذا ننتظر تعلُّم الآداب والأخلاق من شرق أو غرب، وفي ديننا ما يُغني عن هذا ويقني!



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١