أرشيف المقالات

شروط الأخوة في الله

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2شروط الأخوة في الله
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بخير وإحسان إلى يوم الدين.   إخواني، وصف الله تعالى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم أشِدَّاء على الكفَّار رُحماءُ بينهم؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، وروى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعةٌ يُظِلُّهم اللهُ في ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظله...
ورجلانِ تحابَّا في الله، اجتمعا عليه وتفرَّقا عليه)
)
، وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تبارك وتعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابُّون بجلالي؟ اليوم أُظِلُّهم في ظلِّي يوم لا ظِلَّ إلا ظلي))، وروي عنه أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أَوَلَا أدلُّكم على شيء إذا فعلتموه تحابَبْتُم؟ أفْشُوا السلام بينكم))، وعنه صلى الله عليه وسلم قال: ((أن رجلًا زار أخًا له في قرية أخرى، فأرْصَدَ الله له على مَدْرَجتِه مَلَكًا، فلمَّا أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخًا لي في هذه القرية؟ قال: هل لك عليه من نعمة تَرُبُّها؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله عز وجل، قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبَّكَ كما أحبَبْتَه فيه)).   وعن معاذ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: ((وَجَبَتْ محبَّتي للمُتحابِّين فيَّ والمُتجالسين فيَّ)) من الأحاديث القدسية في مسند أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان.   ويكفينا قول النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث من كُنَّ فيه وجَدَ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرء لا يحبُّه إلَّا لله، وأن يكره أن يعود في الكُفْر كما يكره أن يُقذَف في النار)).   هذه أحاديث الصادق الصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، صلى الله عليه وسلم، يُبشِّر أمَّته بالقرب من الله تعالى، والدخول في رحمته، والخلود في جنَّته والسعادة في الدنيا والآخرة، كل هذا بثمن سهل يسير؛ هو التحابُّ في الله تعالى، وصدق صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ((الجنة أقربُ إلى أحدكم من شِراكِ نَعْلِه، والنار مِثْلُ ذلك)).   رأيت هذه الأحاديث الصحيحة فاستبشرت خيرًا، واستخرت الله تعالى واتخذتكم إخوانًا لي في الله، وقد أحببتُكم جميعًا في الله؛ راجيًا أن تحبوني كذلك، فهل تتخذونني أخًا كما اتخذتكم، وتحبونني في الله كما أحببتكم؟ عسى أن يدخلنا الله برحمته مع الذين يظلهم بظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ويجعلنا من أولئك الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ونكون من هؤلاء الأصفياء المكرمين الذين قصدهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ يقول: ((لا تزال طائفة من أُمَّتي ظاهرين على الحق، لا يضُرُّهم مَنْ خذلهم، حتى يأتي أمر الله)).   حق علينا وقد عاهدنا الله على الأخوَّة فيه، أن نعرف شروط هذه الأخوَّة وعلاماتها حتى نكون إخوانًا في الله صادقين: فمن أهم شروط الأخوة في الله النصح والتواصي في الله، ويكفينا قول الله تعالى في الكتاب الكريم: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 1 -3]، أقسم سبحانه أن الناس جميعًا في خسران وهلاك في دنياهم، وفي آخرتهم هالكون إلَّا الأقلِّين عددًا، الأكثرين فضلًا؛ وهم الذين: أ- آمنوا بالله إيمانًا صادقًا، واعتقدوا ما يليق به من صفات، ونزَّهوه عما لا يليق به، وصدَّقُوا رسوله صلى الله عليه وسلم. ب- وعملوا الصالحات. حـ- وتواصَوا بالحقِّ، وتواصَوا بالصبر.   ومنها الإصلاح بين الناس، فجعل الله تعالى الإصلاح بين الأخوَينِ من التقوى، وحسبنا قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10].
ومن أهم شروطها كذلك عدم التكلُّف، والتواضُع، فما قطع الناس ولا أحدث فيهم الجفاء إلا نظرهم لمن فوقهم وعدم نظرهم إلى من تحتهم، واتِّخاذ الشيطان عدوًّا، وتقوى الله ما استطعنا، والحب في الله والبُغْض في الله، والإعطاء لله والمنع لله، ومنها القصد في الغنى والفقر، والعدل في الرضا والغضب، والتعاوُن على البرِّ والتقوى، وعدم التعاوُن على الإثم والعدوان.   غير أن التحابَّ لله لا يتم إلا بأمور، ولهذا التحابِّ لله علامات يُعرَف بها، منها: أن يحبَّ المرء لأخيه ما يحبُّ لنفسه، ويكره له ما يكرهه لنفسه؛ يحبُّ له الخير والهداية والغنى والتفقُّه في الدين، ويدفع عنه الشرَّ والأذى ما استطاع، ويشكر له إذا أحسن، ويتجاوز عنه إذا أساء، وليعامله بما يحب أن يُعامَل به، وأن يحب كلٌّ منكم أخاه في الله حبًّا لا يشوبه - إن شاء الله - غرضٌ ولا عِلَّةٌ، ولا يؤثر فيه فقرٌ ولا غنى، وأن يبغض لله وأن يصل لله، والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، مع حب الخير للمسلمين عامة وللإخوَّة خاصة.   والخلاصة أن الأعمال كلها لله وحده لا شريك له، وهذا من علامات الإيمان، وأظنكم قد عرفتم معنى هذا التحابِّ في الله الذي تعاقدنا عليه؛ ألا وهو الاجتماع على ذكر الله، والافتراق على ذكر الله، وليس ذكر الله تعالى خاصًّا بالتسبيح والتهليل كما يظنُّ كثيرٌ من الناس؛ بل إن ذكره تعالى يشمل كل طاعة له من الفرائض والنوافل، وكل ما يوصل إليه؛ كالصلاة وقراءة القرآن ومجالس العلم.   إخواني، كان المسلمون سادة العالم؛ لأنهم نصروا الله فنصرهم، فأصبحوا أذِلَّاء من بعد عِزَّةٍ، وضعفاء من بعد قوَّةٍ، وخائفين من بعد طُمَأْنينة وأمن؛ لأنهم نسوا الله فنسيهم، وتركوا دينه فتركهم الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، ولا أمل في صلاحهم ورجوع مجدهم إلا باستمساكهم بدينهم ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ﴾ [النور: 55].
ولا يصل العبد إلى الله إلا بأمور منها: 1- التفقُّه في الدين؛ لأن الدين هو طريق الله، ومن جهل الطريق، فمحال عليه أن يصل إلى المقصود! وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفقِّهْه في الدين)).   2- والتوبة النصوح؛ لأنها طهارة من السيئات.   3- والتخلُّق بالأخلاق المحمدية؛ لا سيما الكرم والعفو والصفح والتواضُع والرِّفْق والصبر والحلم، وكان خلقه القرآن يرضى برضاه، ويسخط بسخطه.   فقولوا جميعًا: عاهدنا الله على العمل بكتابه وسُنَّة رسوله، وعلى التفقُّه في الدين واتِّباع خاتم النبيين، وصلى الله على محمد في الأولين والآخرين.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١