أرشيف المقالات

لست كأحد منكم إني أطعم وأسقى

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2لست كأحد منكم إني أطعم وأسقى   عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، قالوا: يا رسول الله، إنك تواصل، قال: ((إني لستُ مثلكم، إني أُطعم وأُسقى))؛ رواه أبو هريرة وعائشة وأنس بن مالك رضي الله عنهم.   ولمسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "فأيُّكم أراد أن يواصلَ، فليواصل إلى السحر".   • قال البخاري: باب الوصال، ومن قال: ليس في الليل صيام؛ لقوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ﴾ [البقرة: 187]، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه رحمةً لهم وإبقاءً عليهم، وما يكره من التعمق، ثم ذكر حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((لا تواصلوا))، قالوا: إنك تواصل، قال: ((لستُ كأحدٍ منكم إني أُطعم وأُسقى))، وحديث ابن عمر، وحديث أبي سعيد رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا تواصلوا، فأيُّكم إذا أراد أن يواصل، فليواصل حتى السحر))، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: ((إني لستُ كهيئتكم، إني أبيت لي مُطعمٌ يُطعمني وساق يَسقين)).   وحديث عائشة رضي الله عنها قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمةً لهم، فقالوا: إنك تواصل، قال: ((إني لستُ كهيئتكم، إني يُطعمني ربي ويسقين)).   • قال الحافظ: (قوله: باب الوصال، هو الترك في ليالي الصيام لما يُفطر بالنهار بالقصد، فيخرج من أمسك اتفاقًا، ويدخل من أمسك جميع الليل أو بعضه، ولم يجزم المصنف بحُكمه لشُهرة الاختلاف فيه)[1].   • قوله: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال)، وفي حديث أنس: "لا تواصلوا"، وفي رواية ابن خزيمة: "إياكم والوصال".   • قوله: (إنك تواصل قال: إني لستُ مثلكم)، وفي حديث أبي هريرة: (وأيكم مثلي).   • قال الحافظ: (وهذا الاستفهام يفيد التوبيخ المشعر بالاستبعاد، وقوله: مثلي؛ أي: على صفتي ومنزلتي من ربي.   • قوله: "إني أُطعم وأُسقى)، في حديث أنس: "إني أظل يُطعمني ربي ويسقين".   وفي رواية فقال صلى الله عليه وسلم: "لو مد بي الشهر لواصلتُ وصالًا يدع المتعمقون تعمُّقَهم".   • قال الحافظ: (واستدل بمجموع هذه الأحاديث على أن الوصال من خصائصه صلى الله عليه وسلم، وعلى أن غيره ممنوع منه، إلا ما وقع فيه الترخيص من الإذن فيه إلى السحر، ثم اختلف في المنع المذكور، فقيل: على سبيل التحريم، وقيل: على سبيل الكراهة، وقيل: يحرم على من شق عليه، ويباح لمن لم يشق عليه - إلى أن قال - وذهب أحمد وإسحاق، وابن المنذر وابن خزيمة، وجماعة من المالكية - إلى جواز الوصال إلى السحر؛ لحديث أبي سعيد المذكور، وهذا الوصال لا يترتب عليه شيءٌ مما يترتب على غيره، إلا أنه في الحقيقة بمنزلة عشائه، إلا أنه يؤخره؛ لأن الصائم له في اليوم والليلة أكلة، فإذا أكلها السحر، كان قد نقلها من أول الليل إلى آخره، وكان أخف لجسمه في قيام الليل، ولا يخفى أن محل ذلك ما لم يشق على الصائم، وإلا فلا يكون قربة، وقال: وفي حديث الباب من الفوائد استواء المكلفين في الأحكام، وأن كل حُكم ثبت في حق النبي صلى الله عليه وسلم، ثبت في حق أُمته إلا ما استُثني بدليل، وفيه جواز معارضة المفتي فيما أفتى به إذا كان بخلاف حاله، ولم يعلم المستفتي بسر المخالفة، وفيه الاستكشاف عن حكمة النهي، وفيه ثبوت خصائصه صلى الله عليه وسلم، وأن عموم قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21] مخصوص، وفيه أن الصحابة كانوا يرجعون إلى فعله المعلوم صفته، ويبادرون إلى الائتساء به إلا فيما نهاهم عنه، وفيه بيان قدرة الله تعالى على إيجاد المسببات العاديات من غير سبب ظاهر)[2]؛ انتهى، والله أعلم.   • وقال البخاري أيضًا: باب التنكيل لمن أكثر الوصال، رواه أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم[3].   ثم ذكر حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله، قال: ((وأيُّكم مثلي، إني أبيت يُطعمني ربي ويسقين))، فلمَّا أبوا أن ينتهوا عن الوصال، واصل بهم يومًا، ثم يومًا، ثم رأوا الهلال، فقال: لو تأخر لزدتُكم كالتنكيل لهم حين أبوا أن ينتهوا.   ثم ذكره من طريق أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم والوصال مرتين))، قيل: إنك تواصل، قال: ((إني أبيت يُطعمني ربي ويسقين، فاكلفوا من العمل ما تُطيقون)).   • قال الحافظ: (قوله: باب التنكيل لمن أكثر الوصال، التقييد بأكثر قد يُفهم منه أن مَن قلَّل منه لا نكال عليه؛ لأن التقليل منه مظنة لعدم المشقة، لكن لا يلزم من عدم التنكيل ثبوت الجواز.   قوله: لو تأخر الهلال؛ أي: الشهر لزدتُكم. • قال الحافظ: (استدل به على جواز قول لو، وحمل النهي الوارد في ذلك على ما لا يتعلق بالأمور الشرعية.   والمراد بقوله: "لو تأخر لزدتكم"؛ أي: في الوصال إلى أن تعجِزوا عنه، فتسألوا التخفيف عنكم بتركه، وهذا كما أشار عليهم أن يرجعوا من حصار الطائف، فلم يُعجبهم، فأمرهم بمباكرة القتال من الغد، فأصابتهم جراح وشدة، وأحبوا الرجوع، فأصبح راجعًا بهم، فأعجبهم ذلك)[4]. قوله: كالتنكيل لهم، وفي رواية كالمنكل لهم، والتنكيل المعاقبة.   • قال الحافظ: (واختلف في قوله: يُطعمني ويسقيني، فقيل هو على حقيقته، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بطعام وشراب من عند الله كرامةً له في ليالي صيامه، وتعقَّبه ابن بطال ومَن تبِعه بأنه لو كان كذلك، لم يكن مواصلًا، إلى أن قال: وقال الزين بن المنير هو محمول على أن أكلَه وشربه في تلك الحالة كحال النائم الذي يحصل له الشِّبع والري بالأكل والشرب، ويستمر له ذلك حتى يستيقظ، ولا يَبطل بذلك صومُه، ولا ينقطع وصاله، ولا ينقص أجره، وحاصله أنه يحمل ذلك على حالة استغراقه صلى الله عليه وسلم في أحواله الشريفة؛ حتى لا يؤثر فيه حينئذ شيء من الأحوال البشرية، وقال الجمهور: قوله: يُطعمني ويسقيني مجاز عن لازم الطعام والشراب، وهو القوة، فكأنه قال: يُعطيني قوة الآكل والشارب، ويفيض على ما يسد مسد الطعام والشراب، ويَقوى على أنواع الطاعة من غير ضَعف في القوة، ولا كلالٍ في الإحساس، أو المعنى أن الله يخلق فيه من الشِّبع والري ما يُغنيه عن الطعام والشراب، فلا يحس بجوعٍ ولا عطش، والفرق بينه وبين الأول أنه على الأول يُعطي القوة مع الشِّبع والري، ورجَّح الأول بأن الثاني ينافي حال الصائم، ويُفوِّت المقصود من الصيام والوصال؛ لأن الجوع هو رُوح هذه العبادة بخصوصها، قال القرطبي: ويبعده أيضًا النظر إلى حاله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يجوع أكثر مما يشبع، ويربط على بطنه الحجارة من الجوع.   • قال الحافظ: (ويحتمل أن يكون المراد بقوله: يُطعمني ويسقيني؛ أي: يشغلني بالتفكر في عظمته، والتحلي بمشاهدته، والتغذي بمعارفه، وقرة العين بمحبته، والاستغراق في مناجاته، والإقبال عليه عن الطعام والشراب، وإلى هذا جنح ابن القاسم، وقال قد يكون هذا الغذاء أعظم من غذاء الأجساد، ومَن له أدنى ذوق وتجربة يعلَم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الغذاء الجسماني، ولا سيما الفرح المسرور بمطلوبة الذي قرت عينه بمحبوبة؛ انتهى. والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم)[5].


[1] فتح الباري: (4/ 202). [2] فتح الباري، (4/ 203، 204). [3] صحيح البخاري، (3/48). [4] فتح الباري، (4/ 206). [5] فتح الباري، (4/ 207).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١