أرشيف المقالات

يوم يكشف عن ساق (سلسلة آيات العقيدة المتوهم إشكالها "13")

مدة قراءة المادة : 32 دقائق .
2سلسلة آيات العقيدة المتوهَّم إشكالها (13) ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾ [القلم: 42]   وفيه ثلاثة مطالب: المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية. المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال. المطلب الثالث: الترجيح. ♦ ♦ ♦ ♦
المطلب الأول: بيان وجه الإشكال في الآية: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [القلم: 42]. يتمثَّل وجْهُ توهُّم الإشكال في هذه الآية في قوله تعالى: ﴿ عَنْ سَاقٍ ﴾، فهل تُعَدُّ هذه الآية من نصوص الصفات، وبِناءً على ذلك تُثبت صفة الساق لله؟ استنباطًا من هذه الآية، أم أن هذه الآية لا تُعَدُّ من نصوص الصفات، وعلى ذلك لا يكون فيها دلالة على إثبات صفة الساق لله، وهل الخلاف في هذه الآية يعتبر من التأويل المذموم لنصوص الصفات أم لا؟ وهل تصِحُّ دعوى المخالفين لأهل السنة في نسبة تأويل الصفات لمن لم يثبت صفة الساق لله من أهل السنة استنباطًا من هذه الآية؟   هذا ما أحاول بيانه في المسائل التالية بإذن الله، خصوصًا أن تعدُّد الأقوال في هذه الآية محكيٌّ منذ زمن الصحابة رضي الله عنهم؛ قال شيخ الإسلام: "قد طالعْتُ التفاسير المنقولة عن الصحابة وما رووه من الحديث، ووقفْتُ على أكثر من مائة تفسير، فلم أجِدْ إلى ساعتي هذه عن أحد من الصحابة أنه تأوَّل شيئًا من آيات الصفات أو أحاديث الصفات بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف؛ بل عنهم من تقرير ذلك وتثبيته، إلَّا مثل قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾، ومثل هذا ليس بتأويل؛ إنما التأويل صَرْفُ الآية عن مدلولها ومفهومها ومعناها المعروف"[1].   مع الإشارة إلى أنه ليس المقام هنا الكلام على ثبوت صفة الساق من عدمها؛ وإنما الكلام في دلالة آية القلم على صفة الساق من عدمها.   المطلب الثاني: أقوال أهل العلم في هذا الإشكال: لم يقع التنازع بين الصحابة والتابعين في شيء من نصوص الصفات إلَّا في هذه الآية [2]، وأمثالها [3]. والخلاف في هذه الآية محتمل؛ لأنه من المعلوم "أن قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾ ليس نصًّا في أن الساق صفة لله تعالى؛ لأنه جاء مُنكَّرًا غير مُعَرَّف؛ فيكون قابلًا كونه صفةً، وكونه غير صفة، وتعيينُه لواحد من ذلك يتوقَّفُ على الدليل" [4].   وقد اختلف أهل العلم في دلالة هذه الآية على صفة الساق على قولين: القول الأول: أن هذه الآية تُعتبَر من نصوص الصفات، وبِناءً على ذلك فإنه تثبُت لله استنباطًا من هذه الآية صفةُ الساق على الوجه اللائق به سبحانه، ولا يماثل صفات المخلوقين، وممن قال بهذا القول: أبو سعيد الخُدْري [5]، وابن مسعود [6]، والبخاري [7]، وأبو يعلى [8]، وابن القيم [9]، والشوكاني [10]، والسعدي، وابن باز [11]، وابن عثيمين [12]، والألباني [13]، وغيرهم [14]، وذكره ابن تيمية احتمالًا [15].   قال السعدي: "إذا كان يوم القيامة، وانكشف فيه من القلاقل والزلازل والأهوال ما لا يدخل تحت الوهم، وأتى الباري لفصل القضاء بين عباده ومجازاتهم، فكشف عن ساقه الكريمة التي لا يُشبهها شيء، ورأى الخلائق من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه، فحينئذٍ يدعون إلى السجود لله، فيسجد المؤمنون الذين كانوا يسجدون لله طوعًا واختيارًا، ويذهب الفُجَّار المنافقون ليسجدوا، فلا يقدرون على السجود"[16].   ومما استدلوا به: 1- ما ورد من التفسير المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم [17] في بيان معنى هذه الآية؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا جمع الله العباد في صعيد واحد، نادى منادٍ ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، فيلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، ويبقى الناس على حالهم، فيأتيهم فيقول: ما بال الناس ذهبوا وأنتم ها هنا، فيقولون: ننتظر إلهنا، فيقول: هل تعرفونه؟ فيقولون: إذا تعرف إلينا عرفناه، فيكشف لهم عن ساقه، فيقعون سجودًا، وذلك قول الله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [القلم: 42]، ويبقى كل منافق فلا يستطيع أن يسجد، ثم يقودهم إلى الجنة" [18].   2- مطابقة الآية لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الطويل في وصف أحداث يوم القيامة عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه، قال: سمِعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((يكشف ربنا عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رئاء وسُمعة، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقًا واحدًا))[19]؛ مما يدل على أن معنى الآية محمول على معنى الحديث [20].   وقد يُعترض على لفظة "ساقه" في هذا الحديث بأنها وردت بلفظ "ساق" بدون إضافة، قال ابن حجر بعد ذكره رواية "ساقه": "أخرجها الإسماعيلي كذلك، ثم قال في قوله: "عن ساقه": نُكْرَةً [21].   ثم أخرجه من طريق حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم بلفظ "يكشف عن ساق"، قال الإسماعيلي: هذه أصحُّ لموافقتها لفظ القرآن في الجملة، لا يظن أن الله ذو أعضاء وجوارح لما في ذلك من مشابهة المخلوقين تعالى الله عن ذلك، ليس كمثله شيء" [22].   والجواب على ذلك:   1- أن هذا اللفظ إضافة لرواية البخاري له، فقد رواه مسلم أيضًا في بعض نُسَخه؛ قال البيهقي بعد ذكره لرواية البخاري: "رواه البخاري في "الصحيح"، عن ابن بكير، ورواه عن آدم بن أبي إياس، عن الليث مختصرًا، وقال في الحديث: ((يكشف ربنا عن ساقه)). ورواه مسلم عن عيسى بن حماد، عن الليث كما رواه ابن بكير" [23].   2- بما قال الألباني: "وإن كنت أرى من حيث الرواية أن لفظ "ساق" أصحُّ من لفظ "ساقه"، فإنه لا فرق بينهما عندي من حيث الدراية؛ لأن سياق الحديث يدلُّ على أن المعنى هو ساق الله تبارك وتعالى، وأصرح الروايات في ذلك رواية هشام عند الحاكم بلفظ: "هل بينكم وبين الله من آية تعرفونها؟ فيقولون: نعم الساق، فيكشف عن ساق.
...".   قلت: فهذا صريح أو كالصريح بأن المعنى إنما هو ساق ذي الجلالة تبارك وتعالى، فالظاهر أن سعيد بن أبي هلال كان يرويه تارة بالمعنى حين كان يقول: "عن ساقه"، ولا بأس عليه من ذلك ما دام أنه أصاب الحق.   وأن مما يؤكِّد صحة الحديث في الجملة ذلك الشاهد عن ابن مسعود الذي ذكره البيهقي مرفوعًا، وإن لم أكن وقفت عليه الآن مرفوعًا، وقد أخرجه ابن خزيمة في "التوحيد" (ص 115)، من طريق أبي الزعراء قال: "ذكروا الدجال عند عبدالله، قال: تفترقون أيُّها الناس عند خروجه ثلاث فرق ...
فذكر الحديث بطوله: وقال: ثم يتمثَّل الله للخلق، فيقول: هل تعرفون ربَّكم؟ فيقولون: سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه فعند ذلك يكشف عن ساق، فلا يبقى مؤمن ولا مؤمنة إلا خرَّ لله ساجدًا".   قلت: ورجاله ثقات، رجال الشيخين غير أبي الزعراء، واسمه عبدالله بن هانئ الأزدي، وقد وثَّقه ابن سعد، وابن حِبَّان، والعجلي، ولم يَرْوِ عنه غيرُ ابن أخته سلمة ابن كهيل.   ووجدت للحديث شاهدًا آخر مرفوعًا وهو نصٌّ في الخلاف السابق في "الساق"، وإسناده قوي، فأحببت أن أسوقه إلى القُرَّاء لعزَّته وصراحته، وهو: ((إذا جمع الله العباد بصعيد واحد نادى مُنادٍ: يلحق كل قوم بما كانوا يعبدون، ويبقى الناس على حالهم، فيأتيهم فيقول: ما بال الناس ذهبوا وأنتم ها هنا؟
فيقولون: ننتظر إلهنا، فيقول: هل تعرفونه؟ فيقولون: إذا تعرف إلينا عرفناه، فيكشف لهم عن ساقه، فيقعون سُجَّدًا، وذلك قول الله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ﴾ [القلم: 42]، ويبقى كل منافق، فلا يستطيع أن يسجد، ثم يقودهم إلى الجنة))" [24].   القول الثاني: أن هذه الآية لا تُعتبَر من نصوص الصفات، وبناء على ذلك فإنه لا تثبت صفة الساق لله من هذه الآية. ومما يحسن التنبيه عليه هنا أنه عند نسبة القول لأحد بنفي صفة الساق من هذه الآية، فإنه لا بد من التصريح بنفي صفة الساق من هذه الآية، ولا يكفي تفسيره الآية بالشدة أو النور، ونحو ذلك، وأكثر الذين نُسِب لهم هذا القول لم أقف على كلام صريح لهم في نفي صفة الساق من هذه الآية، وإنما الذي وقفت عليه - على تقدير ثبوته - هو تفسيرهم لهذه الآية بالكرب والشدة، أو النور العظيم، وهذا التفسير لا يلزم منه نفي دلالة الآية على صفة الساق؛ بل يمكن حمل الآية على المعنيين جميعًا.   ويُنسَب هذا القول إلى ابن عباس [25]، ومجاهد [26]، وسعيد بن جبير [27]، وقتادة [28]، وعكرمة [29]، والحسن البصري [30]، والإسماعيلي [31]، وابن تيمية، والقول الثاني المتأخِّر لابن القيم [32].   قال ابن تيمية رحمه الله: "لا ريب أن ظاهر القرآن لا يدلُّ على أن هذه من الصفات، فإنه قال "يوم يكشف عن ساق"، ولم يضفها الله تعالى إلى نفسه، ولم يقل عن ساقه، فمع عدم التعريف بالإضافة لا يظهر أنها من الصفات إلا بدليل آخر، ومثل هذا ليس بتأويل؛ إنما التأويل صرف الآية عن مدلولها ومفهومها ومعناها المعروف" [33].   ومما استدلوا به: 1- ما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾ [القلم: 42]، قال: ((عن نور عظيم فيخرُّون له سُجَّدًا))[34].   2- "أن ظاهر القرآن لا يدل على أن هذه من الصفات؛ فإنه قال: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾ [القلم: 42] ولم يضفها الله تعالى إلى نفسه، ولم يقل عن ساقه، فمع عدم التعريف بالإضافة لا يظهر أنها من الصفات إلا بدليل آخر، ومثل هذا ليس بتأويل؛ إنما التأويل صرف الآية عن مدلولها ومفهومها ومعناها المعروف" [35].   المطلب الثالث: الترجيح: بعد بيان الأقوال في المطلب السابق يظهر - والله أعلم - أن الأقرب للصواب هو القول بأن هذه الآية تعتبر من نصوص الصفات، وأنه يثبت منها صفة الساق لله سبحانه وتعالى.   وذلك لما يلي: 1- ثبوت التفسير النبوي للآية كما سبق في أدلة القول الأول.   2- مطابقة حديث أبي سعيد الخدري في الصحيحين للآية؛ ممَّا يُؤيِّد أن معنى الآية محمول على معنى الحديث كما سبق في أدلة القول الأول.   3- أن تفسير الكشف عن الساق في الآية بإزالة الشدة لا يصحُّ؛ وذلك أن للكشف معنيين: "يُقال: كَشَفَ البلاء؛ أي: أزاله ورفعه، ويُقال: كَشَفَ عنه؛ أي: أظهره وبيَّنه؛ فمن الأول قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [النحل: 54]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [المؤمنون: 75]، وقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ﴾ [الأعراف: 135].   ومن الثاني قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾ [القلم: 42]، لم يقل: "يوم يكشف الساق"، وهذا يُبيِّن خطأ من قال المراد بهذه كشف الشدة، وأن الشدة تُسمَّى ساقًا، وأنه لو أريد ذلك لقيل: يوم يُكشَف عن الشدة، أو يَكشِف الشدة" [36].   فتفسير الكشف عن الساق بـإزالة (الشِّدَّة لا يصحُّ؛ لأن المستعمل في الشِّدَّة أن يُقال: كشف الله الشِّدَّة؛ أي: أزالها؛ كما قال: ﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ﴾ [الزخرف: 50]، وقال: ﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ ﴾ [الأعراف: 135]، وقال: ﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [المؤمنون: 75]، وإذا كان المعروف من ذلك في اللغة أن يُقال: كشف الشِّدَّة؛ أي: أزالها؛ فلفظ الآية: ﴿ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾ [القلم: 42]، وهذا يُراد به الإظهار والإبانة؛ كما قال: ﴿ كَشَفْنَا عَنْهُمُ ﴾ [الأعراف: 135]" [37].   ولغة العرب لا تساعد على تفسير الكشف عن الساق بإزالة الشدة، "فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يُقال كَشَفْتُ الشِّدَّةَ عن القوم، لا كَشَفْتُ عنها؛ كما قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ ﴾ [الزخرف: 50]، وقال: ﴿ وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ ﴾ [المؤمنون: 75]، فالعذاب والشدة هو المكشوف لا المكشوف عنه" [38].   4- أن تفسير الكشف عن الساق بإزالة الشدة غير صحيح؛ وذلك أنه لو كان المراد كذلك لكان كشف الشدة يشمل المؤمنين والكفار، و"يوم القيامة لا يكشف الشدة عن الكفار" [39].   5- أن تفسير الكشف عن الساق بإزالة الشدة غير صحيح؛ وذلك لأن ذلك الموقف هو وقت حدوث الشدة، وليس زوال الشدة [40].   6- أن تركيب الكلام وسياقه وتدبُّر المعنى يدلُّ على أن ظاهر الآية فيه دلالة على صفة الساق لله [41]، ووجه هذا أن "ظاهر القرآن يدل على ذلك من جهة أنه أخبر أنه يكشف عن ساق، ويدعون إلى السجود، والسجود لا يصلح إلا لله، فعلم أنه هو الكاشف عن ساقه" [42].   7- أنه لم يصحَّ تفسير ابن عباس للآية بالشدة، "والرواية في ذلك عن ابن عباس ساقطة الإسناد" [43]. وحتى لو ثبتت هذه الرواية عن ابن عباس، فلا يصح الاستدلال بها على هذه المسألة؛ وذلك أن ابن عباس كان يقرأ هذه الآية بلفظ: [يوم تكشف عن ساق]، فهو يقصد يوم القيامة ولا يقصد الله عز وجل، فقد أخرج الفراء "عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه قرأ: {يوم تكشف عن ساق] يريد: القيامة والساعة لشدتها" [44]، قال أبو حاتم السجستاني: "من قرأ بالتاء؛ أي: تكشف الآخرة عن ساق، يستبين منها ما هو غائب عنه" [45].   وممن ذكر قراءة ابن عباس هذه النحاس [46]، والقرطبي [47]، وقال السيوطي: "وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن منده من طريق: عمرو بن دينار، قال: كان ابن عباس يقرأ: [يوم تَكْشِف عن ساق] - بفتح التاء - قال أبو حاتم السجستاني: أي تكشف الآخرة عن ساقها" [48].   8- أنه وإن كانت الآية لا يقصد منها إثبات صفة الساق أصالة [49]، فإن هذا لا يمنع صحة إثبات صفة الساق من الآية استنباطًا.


[1] مجموع الفتاوى؛ لابن تيمية 6/ 394. [2] يُنظَر: بيان تلبيس الجهمية 5/ 472، ومختصر الفتاوى المصرية؛ للبعلي ص 202، والصواعق المرسلة؛ لابن القيم 1/ 252. [3] يُنظَر: مجموع الفتاوى؛ لابن تيمية 6/ 394. [4] شرح كتاب التوحيد من البخاري؛ للغنيمان 2/ 122. [5] يُنظَر: مجموع الفتاوى 6/ 394، ولعل هذا القول منسوب إليه؛ لأنه راوي الحديث الذي في التصريح بلفظ ((فيكشف عن ساقه)). [6] أخرجه عبدالرزاق في تفسيره، رقم (3293) 3/ 335، ولفظه: عن ابن مسعود، في قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾ [القلم: 42]، قال: "عن ساقه؛ يعني: ساقه تبارك وتعالى". وقال ابن منده في الرد على الجهمية 1/ 16: "أخبرنا علي بن العباس بن الأشعث الغزي بغزة، ثنا محمد بن حماد الطهراني، ثنا عبدالرزاق، أنبأ الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي الزعراء، عن ابن مسعود في قوله جل وعز: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾ [القلم: 42]، قال: عن ساقيه، قال أبو عبدالله: هكذا في قراءة ابن مسعود، و﴿ يَكْشِف ﴾ بفتح الياء وكسر الشين". وقال السيوطي في الدر المنثور 14/ 643: "وَأخرَج عبدالرزاق، وعَبد بن حُمَيد، وابن المنذر، وابن منده، عن ابن مسعود في قوله: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾ [القلم: 42]، قال: عن ساقيه تبارك وتعالى، قال ابن منده: لعله في قراءة ابن مسعود ﴿ يَكشِف ﴾ بفتح الياء وكسر الشين.. وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وابن منده، والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق إبراهيم النخعي في قوله: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾ [القلم: 42]. قال: وقال ابن مسعود: يكشف عن ساقه، فيسجد كل مؤمن ويقسو ظهر الكافر فيصير عظمًا واحدًا. والدارقطني في الرؤية رقم (167)، ص 269. وقال الحاكم في المستدرك 2/ 587: "إسناد صحيح". وذكر أثر ابن مسعود أبو يعلى في إبطال التأويلات رقم (160،161)، 1/ 160. [7] حيث بوَّب بلفظ آية سورة القلم، ثم ذكر تحت الباب حديث أبي سعيد، وفيه: ((فيكشف عن ساقه))، يُنظر: صحيح البخاري، كتاب: التفسير، باب: يوم يكشف عن ساق، رقم (4919) 6/ 159. [8] يُنظَر: إبطال التأويلات 1/ 159. [9] يُنظَر: اجتماع الجيوش الإسلامية؛ لابن القيم، ص 34. [10] يُنظَر: تفسير الشوكاني 5/ 340. [11] يُنظَر: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة؛ لابن باز 4/ 130. [12] يُنظَر: دروس وفتاوى الحرم المدني 1/ 22. [13] يُنظَر: السلسلة الصحيحة، رقم (584). [14] اللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية 2/ 380. [15] يُنظَر: بيان تلبيس الجهمية 5/ 473. [16] تفسير السعدي، ص 881. [17] يُنظَر: شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري؛ للغنيمان 2/ 121. [18] أخرجه الدارمي، رقم (2845)، 3/ 1848، كتاب: الرقاق، باب: في سجود المؤمنين يوم القيامة، وهذا لفظه، وأخرجه ابن منده، رقم (8)، 1/ 17، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة، رقم (584). [19] أخرجه البخاري، كتاب: التفسير، باب: يوم يكشف عن ساق، رقم (4919) 6/ 159، وأخرجه أيضًا في كتاب التوحيد، باب: وجوه يومئذ ناظرة، رقم (7439) 9/ 130. [20] يُنظَر: الصواعق المرسلة 1/ 253، اجتماع الجيوش الإسلامية، ص 34. [21] أي أن فيها نكارة. [22] فتح الباري 11/ 18. [23] الأسماء والصفات؛ للبيهقي 2/ 182. [24] السلسلة الصحيحة، رقم (584). ويُنظَر: التعليق على فتح الباري؛ لعبدالله الدويش، ص 18. [25] لم أقف على كلام صريح لابن عباس رضي الله عنهما في نفي صفة الساق من هذه الآية؛ وإنما الذي وقفت عليه - على تقدير ثبوته - هو تفسيره لهذه الآية بالكرب والشدة، وهذا التفسير لا يلزم منه نفي دلالة الآية على صفة الساق؛ بل يمكن حمل الآية على المعنيين جميعًا، كما سبق في النقل عن السعدي في القول الأول. وقد جاء أثر ابن عباس هذا من عدة طرق؛ منها: ما أخرجه الفراء في معاني القرآن 3/ 177، والحاكم في المستدرك، رقم (3902) 2/ 587، والطبري في التفسير 23/ 187، والبيهقي في الأسماء والصفات، رقم (746)، 2/ 183. وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد"، وحسن إسناده ابن حجر في الفتح 17/ 435. وقال شيخ الإسلام عن رواية ابن عباس كما في الاستغاثة في الرد على البكري، ص 293: "ساقطة الإسناد". وقد جمع بعض الباحثين جميع طرق مرويَّات ابن عباس في هذا الأثر، وتوصَّل إلى أنه لم يثبت منها شيء. يُنظَر: المنهل الرقراق في تخريج ما روي عن الصحابة والتابعين في تفسير "يوم يكشف عن ساق" لسليم بن عيد الهلالي، ص 17. وحتى لو ثبتت هذه الرواية عن ابن عباس فلا يصحُّ الاستدلال بها على هذه المسألة، وذلك أن بن عباس كان يقرأ هذه الآية بلفظ {يوم تكشف عن ساق} فهو يقصد يوم القيامة، ولا يقصد الله عز وجل، وسيأتي مزيد بيان في المبحث التالي إن شاء الله. [26] يُنظَر: تفسير الطبري 23/ 188. [27] يُنظَر: المرجع السابق 23/ 188. [28] يُنظَر: المرجع السابق 23/ 188. [29] يُنظَر: تفسير الطبري 23/ 195، والبيهقي في الأسماء والصفات، رقم (751)، 2/ 186. [30] يُنظَر: إبطال التأويلات 1/ 159. [31] يُنظَر: فتح الباري؛ لابن حجر 11/ 18، ولم أقف على كلام الإسماعيلي عند غير ابن حجر. [32] يُنظَر: الصواعق المرسلة 1/ 252. واعتبرته هو القول المتأخر بدليل أن قوله الأول مذكور في كتابه: اجتماع الجيوش الإسلامية، وهذا القول مذكور في كتابه الصواعق المرسلة، وكتابه الصواعق المرسلة متأخر عن كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية بدليل أنه أحال في كتابه الصواعق على كتابه اجتماع الجيوش في أكثر من موضع منها: 4/ 1254، 4/ 1305. [33] مجموع الفتاوى؛ لابن تيمية 6/ 394، ويُنظَر: بيان تلبيس الجهمية 5/ 473. [34] أخرجه أبو يعلى في مسنده، رقم (7283) 13/ 269، وابن جرير في التفسير 23/ 195، والبيهقي في الأسماء والصفات، رقم (752)، 2/ 187. وقال البيهقي: "تفرَّد به روح بن جناح - وهو شامي - يأتي بأحاديث منكرة لا يتابع عليها"، وأورده ابن كثير في تفسيره 8/ 199، وقال: "فيه رجل مبهم"، وضعَّفه ابن حجر في الفتح 11/ 18، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة رقم (1339)، 3/ 512. [35] مجموع الفتاوى؛ لابن تيمية 6/ 394، الصواعق المرسلة 1/ 252. [36] الاستغاثة في الرد على البكري؛ لابن تيمية، ص 293. [37] بيان تلبيس الجهمية 5/ 473، ويُنظَر: الصواعق المرسلة 1/ 253. [38] الصواعق المرسلة 1/ 253. ويُنظَر: مختصر الصواعق؛ للموصلي 1/ 64. [39] الاستغاثة في الرد على البكري؛ لابن تيمية ص 293. [40] يُنظَر: بيان تلبيس الجهمية 5/ 474، الصواعق المرسلة 1/ 253. [41] يُنظَر: بيان تلبيس الجهمية 5/ 474. [42] بيان تلبيس الجهمية 5/ 473. [43] الاستغاثة في الرد على البكري؛ لابن تيمية، ص 293. [44] معاني القرآن للفراء 3/ 177. قال النحاس في إعراب القرآن 5/ 15: "هذا إسناد مستقيم"، وقال شعيب الأرناؤوط: "قلت: وهذا سند صحيح"؛ كما في حاشية العواصم والقواصم؛ لابن الوزير (8/ 341). [45] الرد على الجهمية؛ لابن منده 1/ 17. [46] يُنظَر: إعراب القرآن 5/ 15. [47] يُنظَر: تفسير القرطبي 21/ 175. [48] الدر المنثور 14/ 646. [49] يُنظَر: بيان تلبيس الجهمية 5/ 464، الصواعق المرسلة؛ لابن القيم 1/ 245.




شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣