أرشيف المقالات

ما هو توحيد الألوهية؟

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2ما هو توحيد الألوهية؟
توحيد الألوهية هو إفراد الله بالعبادة. الشرح: قوله: «توحيد الألوهية»: الألوهية صفة من صفات الله جل جلاله، مأخوذة من الألوهة، ومعناها المعبود مع المحبة، والتعظيم[1].

قوله: «هو إفراد الله بالعبادة»: هذا تعريف توحيد الألوهية في الشرع، ومعناه أنه يجب على العبد أن يفرد الله بالعبادة، فلا يشرك معه أحداً غيره.
والعبادة لغة: التذلل، والخضوع، يقال: طريق معبد أي مذلل، ومهيأ للمسير عليه[2].
وشرعاً: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله، ويرضاه من الأقوال، والأعمال الباطنة والظاهرة.
فالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء، والذكر، والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة، وكذلك حب الله، ورسوله، وخشية الله، والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحُكمه، والشكر لنعمه والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف لعذابه، وأمثال ذلك، هي من العبادة لله[3].
ومن صرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله أشرك بالله العظيم، كمن ذبح لغير الله، أو صلى لغير الله، أو طاف لغير الله، ونحوه.
والدليل على ذلك: قول الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ [المؤمنون: 117].
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: «يقول تعالى متوعداً من أشرك به غيره، وعبد معه سواه، ومخبراً أن من أشرك بالله ﴿ لَا بُرْهَانَ لَهُ ﴾ أي: لا دليل له على قوله، فقال: ﴿ وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ ﴾، وهذه جملة معترضة، وجواب الشرط في قوله: ﴿ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ أي: الله يحاسبه على ذلك.
ثم أخبر: ﴿ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾ أي: لديه يوم القيامة، لا فلاح لهم ولا نجاة»
[4].
ومن الأدلة على توحيد الألوهية: قول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21]. وقول الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ﴾ [النساء: 36]. وقول الله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا مُعَاذُ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ؟»، قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي مَا حَقُّهُمْ عَلَيْهِ؟»، قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ»[5].
وعنِ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قال: لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ إِلَى نَحْوِ أَهْلِ اليَمَنِ قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ تَعَالَى»[6]. وهذا التوحيد هو الذي أرسل الله به جميع الرسل والأنبياء.
قال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ﴾ [النحل: 36]. والطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود، أو متبوع، أو مطاع؛ فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله[7].
وقال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]. وعنْ أبي هُريرةَرضي الله عنه عَنْ رسولِ اللهصلى الله عليه وسلم أَنَّه قَال: «الْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ[8]، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى[9] وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ[10]»[11].

ومن ثمرات توحيد الألوهية: إفراد الله بالعبادة، فمن حقق توحيد الألوهية لم يشركْ بالله أحداً. فلا يصلي لغير الله، ولا يذبح لغير الله، ولا يرجو غير الله، ولا يتوكل على غير الله، ولا يطلب الرزق إلا من الله، ولا يدعو غير الله.


[1] انظر: مقاييس اللغة، ولسان العرب، مادة «أله». [2] انظر: لسان العرب، مادة «عبد». [3] انظر: مجموع الفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية (10/ 149-150). [4] انظر: تفسير ابن كثير (5/ 502). [5] متفق عليه: رواه البخاري (7373)، ومسلم (30). [6] متفق عليه: رواه البخاري (7372)، واللفظ له، ومسلم (19). [7] انظر: أعلام الموقعين، لابن القيم (1/ 40). [8] أولاد العلات: هم الإخوة لأب من أمهات شتى، وأما الإخوة من الأبوين فيقال لهم: أولاد الأعيان.
[انظر: شرح صحيح مسلم، للنووي (15/ 119)]. [9] أمهاتهم شتى: أي شرائعهم مختلفة.
[انظر: النهاية في غريب الحديث (2/ 443)]. [10] دينهم واحد: المراد به أصول التوحيد، وأصل طاعة الله تعالى، وإن اختلفت صفتها، وأصول التوحيد والطاعة جميعا.
[انظر: شرح صحيح مسلم، للنووي (15/ 120)]. [11] متفق عليه: رواه البخاري (3259)، مسلم (2365).



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣