أرشيف المقالات

ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
2 ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [1]
آية عظيمة جلت لنا وفصَّلت تفصيلًا واضحًا ودقيقًا ما يجب أن يكون عليه حال المؤمن الحق، وبيَّنَتْ بكل وضوح وتدقيق المقياس الفاصل والضابط بين مدى صدق المؤمن في إيمانه، وبين أن يكون إيمانه مجرد قول فقط لا يُصدِّقُه عَمَلُه وحَالُه، إذًا هو تفصيل وتوضيح بيَّنته هذه الآية الكريمة، وجب التنبُّه إليه وسماعه تدبُّرًا وتفكُّرًا وتأمُّلًا، فالمؤمن عندما يذكر الله، أو بذِكر الله، يكون التوقُّف والتأمُّل والتفكُّر في ذلك بكل كِيانه وجوارحه، فذكر الله أمام أو في ذهن المؤمن الحق، ليس أمرًا عاديًّا يمرُّ عليه مرور الكرام؛ بل هو أمر عظيم يتطلَّب التوقُّف والنظر؛ بل يكون سببًا في انبثاق حالة من التوقُّف والتذكُّر والخشوع، تُفضي إلى تركيز فعَّال وجدِّي تُجاه ذلك الذكر، يتولَّدُ عنه انجذاب واهتمام، وتوقُّف تُجاهه يتوقَّف معه أيُّ انجذابٍ أو اهتمام تجاه أي شيء غير ذلك.
وما يستتبع ذلك من تمحيصٍ فعَّال للعقيدة، وسعي لتعزيز سبل الإيمان اليقيني الذي يتحرَّر من شوائب الريب والشك والتردُّد والتذبذب، وضبط واستخلاص منهج العمل الصالح الخالص الذي يجعل الإنسان دائمًا على الصراط الذي أراده له الحق سبحانه، فيكون التفكُّر والتأمُّل والنظر إلى آيات الله سبحانه جديًّا فعَّالًا حقيقيًّا على درجة وأهمية وقيمة تلك الوقفة التي وقفها الإنسان المؤمن أمام ذكر الله سبحانه، فذلك ما يجب أن يكون عليه حال المؤمن، وأن يتخلَّف المؤمن عن ذلك، فهو أمرٌ يدفع إلى التساؤل عن الأسباب.
فأن يكون حال المؤمن ليس الخشوع أمام ذكر الله، وما نزَل من الحق، رغم أن الإيمان الحق يجعل ذلك عنصرًا رئيسيًّا وجوهريًّا، فالإيمان الصادق الحقيقي حتمًا يتمخَّض عنه عَمَلٌ يُصدِّقُه ويدُلُّ عليه، فهل سبب ذلك الانشغال وعدم التفرُّغ للتوقُّف عند ذلك، أم هو التأجيل المتواصل لذلك، وكأنه أمر ثانوي.   ثَمة أمورٌ لها الأولوية بالاهتمام والتذكر، وكأن الإنسان بذلك عبَّر عن أمله أو ثقته في أنه سيأتي يوم سيقف على ذلك حقَّ التوقُّف، أم هو الانغماس والانشغال والانسياق وراء أعمال وأفعال تُجسِّد خروج وفسوق الإنسان ومعصيته، وابتعاده عن منهج الصلاح والخير.
تساؤلات واستفهامات وجب على المؤمن طرحُها والتفكُّر فيها. إذًا المؤمن ربَّانيٌّ بطبعه تائب قانت، ذاكرٌ لربِّه، مُتفكِّرٌ متدبِّرٌ في آياته، عملُه ومعاملتُه الحق، ومنهج الخير والصلاح والرشاد، وأن يكون المؤمن على غير ذلك، فالأمر يتطلب منه نظرًا وتوقُّفًا وتأمُّلًا وتحقيقًا في حاله قبل فَوات الأوان والأجَل المضبوط.


[1] سورة الحديد: 16.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١