أرشيف المقالات

أثر سلبي وأثر نافع

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2أثر سلبي وأثر نافع   هل يستوي من عاش لأثر نافع، ومن عاش وترك أثرًا سلبيا يحمل أوزارًا؟ هل تخيَّلت نفسك يومًا تعيش حياةً بلا أثر، بلا معنى أو هدف؟ حياة تسير بسرعة البرق، وتسرق من عمرك الكثير، وأنت بلا حراك فيها، تنتقل بعمرك من عام إلى عام آخر؛ من مرحلة الطفولة إلى الشباب إلى الشيخوخة، تنتقل إلى كل هذه المراحل.   المصيرية في حياتك، ولا تستطيع ترك أي أثرٍ طيب لك! بل الأغرب أنك تترك آثارًا سلبية دون وعي أو إدراك منك. هناك من يكون قاسي الكلمة؛ فيترك أثرًا سلبيًّا في نفوس المحيطين به، وهناك من تعلَّم عادات سيئة لم تجلب عليه إلَّا أوزارًا.   انظروا إلى من ترك عدادًا من الآثار السلبية والأوزار له في الدنيا لتَتبعه إلى الآخرة، فكل من سيتعلم مما تركه سيوضع له في ميزان سيئاته، فهو عداد سيئات جارٍ له في ميزانه، كلما سار من حوله تعلموا مما تركه، فجعل ميزانه يثقل ويثقل بالكثير من السيئات.   فلم يعبأ هؤلاء يومًا بقيمة ترك الأثر، حتى لو كان أثرًا يسيرًا لكان كتذكرة مرور لدعوات الغير لهم.   ومن هنا سأصيغ لكم كلمات يسيرة ورقيقة في ترك الأثر. تخيَّل نفسك أنك ستسافر في رحلة ولا تعلم متى وقتها، فاشتريت حقيبةً وتركتها بجوارك استعدادًا للرحيل، وحدثت نفسك بأنك ستملؤها بالكثير؛ فأي رحلة تحتاج إلى زاد، ولكنك نسيتَ أمر حقيبتك، وأخذتك دوامة الانشغال بالدنيا، وها قد حان موعد الرحيل، فتذكَّرت حقيبتك الفارغة بلا زادٍ، أو كان زادك فيها قليلًا ولا يكفي لك، فتكون الصدمة أشد ما تكون عليك، وتحدِّث نفسك نادمًا: ما هذا الذي فعلته؟   يا ألله، أيُعقل أن أقف بين يدي ربي بلا زادٍ، وبميزانٍ ملأتُه بما لا أستطيع تحمُّل عقباه، بعد رحلة كان من السهل أن أملأ فيها حقائب مملوءة بأفضل الأعمال، وأيسرها، وليست حقيبة واحدة؟!   أيُعقل أن تكون نفسي غافلة لدرجة أن أضيِّع عليها فرصة ترك أثر طيبٍ في قلوب مَنْ سأتركهم يومًا ما، فيتذكروني بدعوات كانت ستُنير قبري، أو تجعلني أُرزَق الثبات عند عبور الصراط أو تُباعد عن جسدي النار؟!   وهنا تشعُر بوخزات الحسرة والندم على ما فرطتَ من ترك الأثر، إن ترك الأثر في حياة بعض الناس كالماء والهواء بالنسبة له، لا يستطيع العيش دونه، كلمة طيبة هنا، وفعل معروف هناك، فهو محبٌّ لفعل كل ما هو جميل؟   يتعلم أشياءَ لتعود بالمنفعة على غيره وليس لنفسه فقط، وهناك من أراد ترك الأثر عن طريق الدعوة إلى الله، وإصلاح ما تمَّ إفساده في قلوبٍ اتَّبعت الشهوات والشبهات؛ ولكنها تريد العودة إلى الله ولا تعرف كيف؟ فتكون يد صاحب الأثر هي الأقرب له، ويكون مثل السراج المنير في عتمة الليل.   وهناك من يريد تعلُّم العلم؛ ليكون نافعًا للناس به، فقد أمرنا رسول صلى الله عليه وسلم أن ينفع المسلم أخاه المسلم؛ فقال: ((من استطاع منكم أن ينفع أخاه، فليَفعل))؛ رواه مسلم.

وهنا إن نفع المسلم غيره بعلم تعلَّمَه؛ فإنه سيعود عليه بالخير، وترك الأثر في نفوس غيره فيتذكَّرونه متى احتاجوا لهذا العلم، ابحث بداخلك عن شيء من الممكن أن تتميَّز فيه، ويكون ذا أثر طيب لك فيما بعد.   لكل منا شيء يُميِّزه، أنت تتميَّز بالعطاء وتُنفق الكثير فيه، فأبشر بحسن ترك الأثر، وهذا يتميَّز بأنه حافظ للقرآن، فيريد تحفيظه لمن أراد؛ فأبشر بحسن ترك الأثر، وهذه تميَّزت بالطيبة والعفة والنقاء وانجذاب القلوب لها متى تحدَّثت، فاستخدمت ما تميَّزت فيه، وكانت من أنجح الداعيات إلى الله، فكم من قلوب غافلة تغيَّرت أحوالها على يدها، فأبشري غاليتي بحُسْن ترك الأثر.   تخيَّلوا أخوتي في الله كمَّ الدعوات التي سيتذكرونك بها، وكم سيثقل ميزان حسناتك بجميل ما تركته في حياتك - طالت أو قصرت بنا الحياة - فلا بد لنا من الرحيل؛ فلنرحل بأفعال تُذكر، ودعوات تُرسل، وميزان مثقل. فكن في الدنيا كعابر سبيل جاء ليترك أثرًا، ثم رحل بطيب ما ترك؛ فكلنا راحلون ويبقى الأثر.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢