أرشيف المقالات

كيف تستثمر وقتك؟

مدة قراءة المادة : 30 دقائق .
2كيف تستثمر وقتك؟   ...
وبعدُ: هذا رجلٌ مِن عقلاء الناس، له عينان تبصران، وأذنان تسمعان، ولسان ينطق، وعقل يُفكِّر، لكنه يتصرف تصرفًا عجيبًا؛ إنه يمسك بيده قطعًا من الذهب الثمين، لا يقلُّ ثمن إحداها عن عشرة آلاف جنيه، ولكنه يبيع الواحدةَ بجُنَيه واحدٍ، وأحيانًا يلقيها على الأرض بلا ثمن وينطلق ويتركها!   فقيل له: إن هذه الجواهر تساوي آلافًا كثيرة! فنظر إليه غير مهتم، وظلَّ يُبعثر ويُبعثر، وبعد سنوات إذا هذا الرجل بعينه أفقر ما يكون، يطلب رُبُعَ الجنيه فلا يجدُه، وهو يتحسَّر على ما أنفقه!   أتدري من هذا الرجل؟ ستفاجأ إذا عرَفته، إنه أنت، نعم أنت يا مَن تُبَعْثِرُ عمرَك، وتضيع وقتك، وتفرِّط في دقائقه وثوانيه، فإذا جاء الموت تمنَّيتَ ساعةً فلم تجِدْها، كم أيامٍ قضيتَها بلا فائدةٍ! وكم سهرةٍ سهرتها بلا نفع! وكم مِن جلسة جلستَها لم تحصلْ منها حسنةً واحدةً!   أيامٌ أغلى من الذهب لو عقَلتها، ولحظات أثمن مِن الجوهر لو فهِمتها، وأنفاسٌ أنفس مِن اللؤلؤ لو قدرتها، مرَّت وانقضَتْ لا يمكن إرجاعها، فكل صحيفةٍ تُطوى لا تُفتح، وكل يوم ينقضي لا يعود.   يقول الحسن البصري: ما مِن يوم ينشقُّ فجره إلا ويُنادي: يا بن آدم، أنا يوم جديد، وعلى عملِك شهيدٌ، فاغتنمني، فإني لا أعود!   نعم، الوقت أغلى مِن الذهب، فلو قيل لرجل عمره ستون سنةً: أعطِنا ما بقي مِن عمرك وخذ ملء الدنيا ذهبًا وتموت الآن، لرفض، وقال: ماذا أصنع بالمال إذا انتهى العمر وانقضى الأجل؟   دقيقةٌ من عمرك: ولأن كثيرًا من الناس لا يعرفون قيمة هذه الدقيقة أردتُ أن أُبيِّنَ لهم قيمتها: دقيقةٌ واحدةٌ تستغلُّها في الطاعة يوميًّا، كم تساوي؟! تستطيع أن تُسبِّح في الدقيقة الواحدة عشر تسبيحات، والتسبيحةُ بعشرِ حسنات تساوي مائة حسنة، فالدقيقة تُساوي مائة حسنة. الدقيقة في الشهر = 100 × 30 = 3000 حسنة. الدقيقة في السنة = 100 × 365 = 36.500 حسنة. الدقيقة في العمر لو كان 50 سنة = 36500 × 50 = 1.825.000 دقاتُ قلب المرء قائلةٌ له: إن الحياةَ دقائقٌ وثواني فارفَعْ لنفسِك بعد موتِك ذكرَها فالذكرُ للإنسانِ عمرٌ ثاني   سبب اختيار هذا الموضوع: الذي دفعني لاختيار هذا الموضوع أن الشباب يتهيَّؤون الآن لقضاء العطلة الصيفية: فمنهم مَن يُفكر في مصيف لقضاء الوقت. ومنهم مَن يُفكر في رحلة لصرف الوقت. ومنهم مَن يُفكر في وسيلة لإضاعة الوقت. ومنهم مَن يُفكر في طريقة لقتل الوقت. ولذلك جعلت عنوان هذه الخطبة: (كيف تستثمر وقتك؟).   نتكلم فيها بحول الله وقوته حول خمسةِ عناصرَ: أولًا: الإنسان هو الوقت. ثانيًا: حرصُ السلف الصالح على اغتنام أوقاتهم. ثالثًا: برنامج يومي لطالب العلم. رابعًا: برنامج يومي للمسلم العادي. خامسًا: أين تقضي العطلة الصيفية؟   أولًا: الإنسان هو الوقت: الناس في هذه الدنيا مسافرون، وأول منازلهم المهدُ، وآخرُها اللحدُ، والعمرُ مسافة السفر، وسنواته مراحله، وأيامه منازله، وأنفاسه خطواته، وطاعته بضاعته، وأوقاته رأس ماله، وشهواته قُطَّاع طريقه، وربحه الفوز بلقاء الله في دار السلام، والنعيم المقيم.   وخسرانه البُعْد عن الله في دار الشقاء والعذاب الأليم. فكل يوم وليلة مرحلةٌ مِن مراحل العمل، فلا يزال يَطْويها، مرحلةٌ بعد مرحلة حتى يصل إلى عتبة القبر. نَسِيرُ إلى الآجال في كلِّ لحظةٍ وأيامُنا تُطوى وهُنَّ مَراحلُ ولم أرَ مثلَ الموتِ حقًّا كأنَّه إذا ما تخطَّته الأمانيُّ باطلُ وما أقبحَ التفريطَ في زمنِ الصبا فكيف به والشيبُ للرأس شاغلُ ترحَّل مِن الدنيا بزادٍ مِن التُّقى فعمرُك أيامٌ وهنَّ قلائلُ   وفي صحيح مسلم عن حذيفة بن أسيد، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يدخُلُ المَلَكُ على النُّطفة بعدما تستقرُّ في الرَّحِم بأربعين أو خمسة وأربعين ليلةً، فيقول: يا ربِّ، أشقيٌّ أم سعيدٌ؟ فيكتبانِ، فيقول: أي رب، أذكرٌ أو أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه، ثم تطوى الصحف، فلا يزاد فيها ولا ينقص))[1].   فهل يُكتب العمر بالأعوام؟ كلا، ولا بالشهور، ولا الأيام، ولا بالدقائق ولا الساعات، إنما يُكتب بالأنفاس؛ فيكتب مثلًا: سيعيش 30 مليون نَفَسٍ، فكلما تنفست نفسًا نقص مِن عمرك جزءٌ، بقي لك عشرون نفسًا، 15 نفسًا، عشرة أنفاس، خمسة أنفاس، ثلاثة أنفاس، نَفَسٌ واحدٌ، لم يبقَ لك نفسٌ، فتموت! إنا لنفرحُ بالأيامِ نقطعُها وكل يومٍ مضى يدني مِن الأجلِ فاعمَلْ لنفسِك قبل الموت مجتهدًا فإنما الربحُ والخسرانُ في العملِ وكثيرٌ مِن الناس لا يقدِّر قيمة وقتِه، فيغبن فيه، ويضيعه بلا فائدةٍ فيخسر في الدنيا، ويندم في الآخرة.   ولذلك روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ))[2].   الإنسان هو الوقت، فمَن استغلَّ وقته في الطاعات كان مِن الصالحين، ومَن قضى وقته في السيئات كان من الخاسرين، ومَن ترك وقته بلا فائدةٍ كان مِن النادمين.   الأيام ثلاثةٌ: • أمس مضى لا تستطيع إرجاعه. • وغدٌ لم يأتِ لعلك لا تدركه. • ويومك فهو رأسُ مالِك فاجتهد فيه. أترجو أن تكون وأنت شيخٌ كما قد كنتَ أيامَ الشبابِ لقد خدعَتْك نفسُك، ليس ثوبٌ قديمٌ كالجديدِ من الثيابِ   ثانيًا: حرص السلف على اغتنام أوقاتهم: لقد حرَص السلفُ أشدَّ الحرص على أوقاتهم أن تمرَّ بلا فائدة، أو تُنفَق في بطالة؛ لأن العبد يفاجأ بأثر الوقت يوم القيامة؛ فيقال للسعداء في الجنة: ﴿ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ﴾ [الحاقة: 24]، وينادى على الأشقياء في النار: ﴿ ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ﴾ [غافر: 75]. لقد بلغ مِن حرص بعض السلف على الوقت ألا يجدوا وقتًا لتناول الطعام.   عُبيد بن يعيش: هذا عُبيد بن يعيش - شيخ البخاري ومسلم - يقول عن نفسه: (أقمتُ ثلاثين سنةً ما أكلتُ بيدي بالليل، كانتْ أختي تلقمُني، وأنا أكتبُ الحديث)؛ انظر إلى حرصه على وقته!   الخطيبُ البغدادي: كان مِن المحافظين على أوقاتهم؛ حتى إنه كان يمشي وفي يده جزءٌ يطالعه، وذلك من حفظه لوقته!   الإمام سليم الرازي المتوفى سنة 447 هـ - وهو من أئمة الشافعية في زمانه - حفي عليه القلم، فإلى أن قطَّه[3] جعل يحرك شفتَيْه بذكر الله تعالى، حتى لا تمرَّ هذه الثواني بلا طاعة!   فلله دَرُّه، ما أحفظه لوقته! وما أرضاه لربه! عرَفوا الله فعرَفهم، وأطاعوا الله فوفقهم، وأنابوا إليه فأرشدهم. اعمل وأنت من الدنيا على حذرٍ واعلَمْ بأنك بعد الموتِ مبعوثُ اعلَمْ بأنك ما قدَّمتَ مِن عملٍ مُحصًى عليك وما خلَّفتَ مَوروثُ   إمام الحرمين الإمام الجويني: يقول عن نفسه: "أنا لا أنام ولا آكل عادةً، وإنما أنام إذا غلبني النوم ليلًا كان أو نهارًا، ولا آكل إلا إذا اشتهيت الطعام"، وكانتْ لذته ونزهته في مذاكرة العلم[4].   أبو الوفاء ابن عقيل الحنبلي: من مؤلفاته كتاب (الفنون) بلغ ثمانمائة مجلدٍ. يقول عن نفسه: لا يحل لي أن أضيع ساعةً مِن عمري، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة، وبصري عن مطالعة، أعمَلتُ فكري في حال راحتي وأنا منطرحٌ، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أُسَطِّره[5].   مجدُ الدين ابن تيمية: جد شيخ الإسلام ابن تيمية، كان حريصًا على وقته، حتى إنه كان إذا دخل الخلاء، قال لابنه: اقرأ في هذا الكتاب وارفع صوتَك حتى أسمع[6]، وذلك مِن حرصه على العلم، وحفظه لوقته.   يقول الحسن البصري: لقد أدركتُ أقوامًا كانوا أشد حرصًا على أوقاتهم مِن حرصكم على دراهمكم ودنانيركم.   محمد بن الحسن الشيباني: كان لا ينام بالليل، وكان يضع عنده دفاتر يقرأ فيها، فإذا ملَّ مِن نوعٍ نظَر في نوعٍ آخر مِن الكتب، وكان يزيل النوم عنه بالماء[7].   محمود بن عبدالرحمن الأصبهاني: كان يَمتنع كثيرًا عن الأكل؛ لئلَّا يحتاج إلى الشرب، فيحتاج إلى دُخول الخلاء، فيضيع عليه الزمان[8]! كل ذلك لأنهم كانوا يعلمون شرَف الوقت، وقيمة الزمان، وأن اليوم الذي يمضي لا يمكن أن يعود. أقبِلْ على صلواتك الخمسِ كم مُصبحٍ وعساه لا يُمسِي! واستقبِلِ اليومَ الجديد بتوبةٍ تمحو ذنوبَ صبيحة الأمس فليفعلَنَّ بوجهِك الغضِّ البِلَى فعلَ الظلامِ بصورةِ الشمسِ   ثالثًا: تنظيم العلماء لأوقاتهم: إن العلماء هم ورثة الأنبياء، وهم سادةُ الأولياء، أراد الله بهم خيرًا ففقههم في الدين، وهداهم إلى طريقه المستقيم، فجعَلهم لعباده مرشدين، ولأحكامه مُبيِّنين؛ فكم مِن جاهل علموه! وكم مِن تائه أرشدوه! وكم مِن عاصٍ أخذوا بيده إلى الله ودلّوه! وكم مِن غافل ذكَّروه! فبِهم يُقتدى، وبآثارهم يُقتفى. فتعالَ لتعرَّف كيف كان العلماء يُنظِّمون أوقاتهم لتقتدي بهم، وتترسم خطاهم.   البرنامج اليومي لحماد بن سَلَمة رحمه الله: يقول موسى بن إسماعيل: لو قلتُ لكم: إني ما رأيتُ حماد بن سلمة ضاحكًا لصدقتُ؛ كان مشغولًا؛ إما يُحدِّث، أو يقرأ، أو يُسبح، أو يُصلي، وقد قسم النهار على ذلك.   قال يونس المؤدب: مات حماد بن سلمة وهو يُصلي[9]؛ ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 27 - 30].   البرنامج اليومي لمنصور بن زاذان رحمه الله: يقول هشيم بن بشير: لو قيل لمنصور رحمه الله: إن ملك الموت على الباب، ما كان عنده زيادةٌ في العمل. وذلك أنه كان يخرج من بيته فيصلي الغداة - أي: الفجر - في جماعة، ثم يجلس فيُسبِّح حتى تطلع الشمس، ثم يقوم فيصلي إلى الظهر، ثم يصلي إلى العصر، ثم يجلس يُسبِّح إلى المغرب، ثم يُصلي العشاء، ثم ينصرف إلى بيته، فيُكتب عنه الحديث في ذلك الوقت؛ أي: بعد العشاء[10].   أخي: هل تستطيع أن تطبق هذا البرنامج يومًا واحدًا كل شهر؟ فتشبَّهوا إِنْ لم تكونوا مثلَهُم *** إنَّ التشبُّهَ بالكرامِ فلاحُ   البرنامج اليومي لصفوان بن مُحرز رحمه الله: هذا العالم العابد صفوان بن مُحرز بن زيد المازني، المُتوفَّى سنة 74 هـ كيف كان ينظم وقته؟ قال الحسن: كان صفوان يظلُّ صائمًا طوال نهاره، ويُفطِر على رغيف، ويشرب عليه الماء حتى يرتوي، ثم يقوم فيصلي حتى يصبح، فإذا صلى الفجر أخذ المصحف فوضعه في حجره يقرأ حتى يترحل النهار، ثم يقوم فيصلي حتى ينتصف النهار، فإذا انتصف النهار نام إلى الظهر، فإذا صلى الظهر أحيا ما بين الظهر والعصر بالصلاة حتى يُصلي العصر، فإذا صلى العصر أخذ المصحف فوضعه في حجره، فلا يزال يقرأ حتى تصفر، ثم إذا غابت الشمس أفطر؛ اهـ[11].   ولذلك كان لكلامه أثرٌ في القلوب، يقول مهدي بن ميمون عن غيلان بن جرير: كانوا يجتمعون فيتحدثون بالأحاديث التي تُرقق القلوب، فلا يجدون رقةً، فيقولون: يا صفوان، تحدَّث، قال: فيقول: الحمد لله...؛ فيرقُّ القوم، وتسيل دموعهم كأنها أفواه القِرَب[12]؛ اهـ. قومٌ إذا جنَّ الظلامُ عَلَيهمُ باتوا هنالك سُجَّدًا وقِيامَا خُمص البُطونِ مِن التعفُّف ضُمَّرًا لا يَعرِفون سوى الحلالِ طعامَا   البرنامج اليومي للعابد الزاهد عامر بن عبد قيس رحمه الله: هذا هو التابعي الجليل عامر بن عبدقيس الذي كان يجتهد في العبادة، فقيل له: إن الجنة لتدرك بدون ما تصنع، وإن النار لتُتَّقى بدون ما تصنع، فيقول: والله لأجتهدنَّ، ثم والله لأجتهدنَّ، فإن نجوتُ فبرحمةِ الله تعالى، وإن دخلتُ النار فبعد جهدي[13].   يقول المعلى بن زياد: كان عامرٌ رحمه الله قد فرض على نفسه في كل يوم ألفَ ركعةٍ، وكان إذا صلى العصر جلس وقد انتفختْ ساقاه مِن طول القيام، فيقول: يا نفسُ، بهذا أمرت، ولهذا خُلقتِ، يوشك أن يَذهَب العناء، ثم يقول لنفسه: قومي يا مأوى كل سوءٍ، فوَعِزَّةِ ربك لأزحفنَّ بك زُحوف البعير، ثم يقوم فينادي: اللهم إن النار قد منعتني مِن النوم فاغفِرْ لي[14].   هذا هو عامر بن عبدالله تلميذ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول: أحببت الله حبًّا سهل عليَّ كل مصيبة، ورضاني كل قضية.   برنامجه اليومي: قال الحسن: كان عامر بن عبدقيس إذا صلى الصبح تنحَّى في ناحية المسجد، فقال: مَن أُقرِئُه؟ - أي: القرآن - فيأتيه قومٌ فيقرئهم، حتى إذا طلعت الشمسُ وأمكنته الصلاة، قام يُصلي إلى أن ينتصف النهار، ثم يرجع إلى منزله فيقيل - ينام القَيْلولة - ثم يرجع إلى المسجد إذا زالت الشمس فيُصلي حتى يصلي الظهر، ثم يقوم فيصلي إلى العصر، فإذا صلى العصر تنحى في ناحية المسجد، ثم يقول: مَن أُقرِئه؟ فيأتيه قومٌ فيقرئهم القرآن، حتى إذا غربت الشمس صلى المغرب، ثم يصلي حتى يصلي العشاء، ثم يرجع إلى منزله، فيتناول أحد رغيفَيْه، فيأكل ثم ينام نومةً خفيفة، ثم يقوم يصلي حتى السَّحَر، ثم يتسحر بالرغيف الآخر، ثم يشربُ عليه شربةً مِن الماء، ثم يخرج إلى المسجد[15].   البرنامج اليومي للحافظ عبدالغني المقدسي رحمه الله: يقول تلميذه الضياء المقدسي: كان لا يُضيِّع شيئًا من زمانه، كان يُصلي الفجر، ثم يُلقن القرآن، وربما لقن الحديث، ثم يقوم فيتوضأ ويصلي إلى قبيل الظهر، ثم ينام نومةً إلى الظهر، ثم يصلي الظهر ويشتغل بالتسميع أو النسخ إلى المغرب، فإذا غربت الشمس يُفطِرُ إن كان صائمًا ثم يصلي العشاء، ثم ينام إلى نصف الليل أو بعده، ثم يقوم فيتوضأ ويُصلي إلى قريب الفجر، وربما توضأ سبع مرات أو أكثر، ويقول: تَطِيب لي الصلاة ما دامتْ أعضائي رطبةً، ثم ينام نومةً يسيرة قبل الفجر، وهذا دأبُه.   فهؤلاء الكرام عقلوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الحاكم - وصححه الألباني - عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اغتَنِمْ خمسًا قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتَك قبل سقمك، وفراغَك قبل شُغلك، وشبابك قبل هَرَمِك، وغِناك قبل فقرك))[16]. إذا كنتَ تعلَمُ علمًا يقينًا بأن جميعَ حياتِك ساعَةْ فَلِمْ لا تكون شَحيحًا بها وتجعلُها في صلاحٍ وطاعةْ   برنامج يومي لطالب العلم: 1- يصلي الفجر في جماعةٍ، ثم يظلُّ في المسجد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم يصلي (8) ركعات ضحى.   2- يبدأ في حفظ المقرر اليومي من القرآن والحديث والمتون إلى الساعة العاشرة صباحًا.   3- ثم يتناول طعام الإفطار، ثم يتوضأ ويصلي ركعتين، ثم ينام إلى قبيل الظهر.   4- يتوضأ ويذهب إلى المسجد قبل الأذان، ثم يصلي أربعًا قبل الظهر وأربعًا بعده، ثم يبدأ في مذاكرة الموادِّ التي تعتمد على الفهم؛ كالفقه، والتوحيد، والتفسير، ونحوها.   5- ثم يصلي العصر ويتغدى، ويبدأ في دراسة المواد التاريخية؛ كالسيرة، ومواقف الصحابة، والتاريخ الإسلامي إلى المغرب.   6- يستمع إلى درس علم بين المغرب والعشاء، فإن لم يوجد فليستمع إلى شريطٍ لأحد الدعاة.   7- يصلي العشاء، ثم يعود إلى بيته، فيصلي السُّنة، ثم يصلي (4) ركعات بأربعة أرباع، ثم ينام مبكرًا.   8- يستيقظ قبل الفجر بساعتينِ يصلي إحدى عشرةَ ركعةً ويتهجَّد، ويخشع ويبكي، ويدعو ربه ويتضرع إليه لمدة ساعة، ثم يذاكر ساعة، فإذا دخل وقت السَّحر قُبيل الفجر بعشر دقائق جلس يستغفر؛ ليكون ممن قال الله فيهم: ﴿ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ [الذاريات: 18].   برنامج يومي للمسلم العادي: نحن نعلم أنَّ كثيرًا من المسلمين لا يَتَفَرَّغون لطلب العلم؛ لأنهم مشغولون بطلب المعاش، فلهؤلاء نقترح هذا البرنامج: 1- يستيقظ قبل الفجر بنصف ساعة فيُصلي ركعتين أو أكثر ولو بقصار السور، ثم يوتر ويستغفر ربه حتى يطلع الفجر. 2- يصلي الفجر في جماعة، ويجلس في المسجد يذكرُ الله ويقرأ القرآن حتى تطلع الشمس ويصلي ركعتين. 3- ينطلق إلى معاشه، مع المحافَظة على الفرائض في جماعةٍ والسُّنن القبلية والبعدية. 4- مداومة ذكر الله أثناء العمل ليزداد أجره، وتزكو نفسه، وتعلو درجته. 5- يصلي (4) ركعات قبل النوم، وينام طاهرًا ذاكرًا حتى يغلبه النُّعاس.   أين تقضي العطلة الصيفية؟ مِن الناس مَن يتهيَّأ لقضاء العطلة على الشواطئ وفي المصايف، فينفقون أموالهم فيما لا يَنفع، ويضيعون أوقاتهم فيما لا يربح، وقد يرتكبون مِن معاصي النظر وسيئات الاختلاط ما لا يُحصى.   مَصِيفٌ جديدٌ: ولذا نقترح على إخواننا أن يقضوا هذا الصيف في مَصِيفٍ جديدٍ، إنه مصيفٌ إيماني تجمع فيه بين متعة السفر وحلاوة الإيمان، ولذة القرب مِن الرحمن؛ إنه عمرةٌ إلى بيت الله الحرام..
وبدلًا مِن أن تظل على شاطئ البحر تركب على أمواج البحر ثلاثة أيام، تتمتع بالنظر إلى العالم الجديد؛ سكونٌ، هدوءٌ، أسماك غريبة، مخلوقات عجيبة.
تصعد فوق السفينة ساعة الغروب لترى الشمس وهي تُودِّع الكون بأشعتها الحمراء، وتتذكر عندها نهاية العمر، وانقضاء الأجل؛ فتزهد في الدنيا وترغب في الآخرة.
ثم تصعد فوق السفينة بعد صلاة العشاء، وتنتقل ببصرك بين أنواع النجوم الزاهرة، والكواكب النَّيِّرة، وتقول: ﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [آل عمران: 191].   فإذا ما نادى المنادي: اقترَبْنا مِن الميقات فاغتَسِل، واخلع المَخِيط، والبَسْ ملابس الإحرام، وصلِّ ركعتي سُنَّة الوضوء، ثم قل: (لبيك اللهم عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك).   وتذكَّر عندها قولَ الله عز وجل لنبيِّه وخليله إبراهيم عليه السلام: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27].   وتذكر أنك إذا أخلصت في عمرتك، وصدقت في نسكك؛ رجعتَ مِن عمرتك نقيًّا مِن الذنوب والخطايا؛ فقد روى البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة))[17].   واعلَمْ أنك إذا أخلصتَ الدعاء في عمرتِك استجاب الله لك؛ فقد روى ابن ماجه - وحسنه الألباني في (صحيح الترغيب) - عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الغازي في سبيل الله تعالى والحاج والمعتمر، وَفْدُ الله تعالى، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم))[18].   فإذا ما رأيت بيوتات مكة فلَبِّ: (لبيك اللهم...)، فإذا ما وصلت إلى الكعبة فطُفْ بها سبعًا داعيًا ذاكرًا شاكرًا، وانظرْ إلى الكعبة، واملأ عينَيْك منها، وتذكَّر أن الذي رفع قواعدها هو أبوك إبراهيم خليل الرحمن، هذه الكعبة التي جعلها الله قِبلةَ المسلمين، وملتقى الصالحين، وأمان الخائفين[19]، ومَحطَّ رحال الصالحين. 1- طُف حول الكعبة سبعة أشواطٍ.   2- ثم صلِّ خلف المقام ركعتين.   3- ثم انزل زمزمَ لتشرب وتتضلَّع وتدعو، فقد روى الحاكم - وصححه الألباني - عن ابن عباس رضي الله عنه، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ماء زمزم لِما شُرِب له))[20].   4- ثم اصعد الصفا وقلْ: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 158].   ثم استقبل الكعبة وقل: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قديرٌ، أنجَزَ وعدَه، ونَصَرَ عبدَه، وهَزَم الأحزابَ وحدَهُ)، ثم تدعو بما تحب.   5- ثم تمشي بين الصفا والمروة، وتجري بين العَلَمين الأخضرين. 6- فإذا وصلت المروة فعلت كما فعلت على الصفا. 7- تسعى بينهما سبعة أشواط. 8- ثم تحلق أو تقصر، والحلق أفضل، وهكذا تَمَّت عمرتك، تقبَّل الله منك.  


[1] صحيح: أخرجه مسلم (2644)، وأحمد في (المسند) (4/ 7)، والحميدي (826). [2] أخرجه البخاري (6412)، والترمذي (2304)، وابن ماجه (4170)، وأحمد في (المسند) (1/ 344)، والدارمي (2707). [3] قطه: بَرَاهُ.
[4] (طبقات الشافعية) للسبكي (5/ 174). [5] (ذيل طبقات الحنابلة) (1/ 142). [6] السابق (2/ 249).
[7] (125 طريقة لحفظ الوقت) (ص11).
[8] (الدرر الكامنة) (6/ 85). [9] (التذكرة) (1/ 23)، و(صفة الصفوة) (3/ 244). [10] (صفة الصفوة) (3/ 7).
[11] (صفة الصفوة) (3/ 151).
[12] (تهذيب الكمال) (13/ 212)، وقد نقلته بالمعنى. [13] (صفة الصفوة) (3/ 202). [14] انظر السابق. [15] انظر السابق.
[16] صحيح: أخرجه الحاكم في (المستدرك) (4/ 306)، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، من طريق ابن عباس، وصححه الشيخ الألباني في (صحيح الجامع) (1077)، وأخرجه ابن المبارك في (الزُّهْد) (2)، ووكيع في (الزهد) (7)، وابن أبي شيبة في (المصنف) (8/ 1816)، وأحمد في (الزهد) (ص 435)، والبيهقي في (شُعب الإيمان) (7/ 263)، وأبو نعيم في (الحلية) (4/ 148)، والبغَوي في (شرح السنة) (4020)، والخطيب في (اقتضاء العلم والعمل) (170)، كلهم مِن طريق عمرو بن ميمون مرسلًا.
[17] أخرجه البخاري (1773)، ومسلم (1349)، والترمذي (933)، والنسائي (2621، 2622، 2628)، وابن ماجه (2888). [18] حسن: أخرجه ابن ماجه (2893)، والطبراني في (الكبير) (13556)، وابن حبان في صحيحه (4613)، وحسَّنه البوصيري في (الزوائد)، كما حسنه الشيخ الألباني في (الصحيحة) (1820). [19] إشارة إلى قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا ﴾ [آل عمران: 97].
[20] صحيح لغيره: أخرجه الحاكم في (المستدرك) (1/ 473)، وصححه ووافقه الذهبي، وقالا: إن سلِم مِن ابن الجارودي، والدارقطنيُّ في (سننه) (2713)، وصححه الشيخ الألباني في (صحيح الجامع) (5502)، وفي (الإرواء) (1123)، وفي (الصحيحة) (883)، كلهم من طريق ابن عباس، وفي الباب عن جابر بن عبدالله؛ أخرجه ابن ماجه (3062)، وأحمد في (المسند) (3/ 357، 372)، وابن أبي شيبة في (المصنف) (4/ 19/ 6) الحج، (5/ 58/ 3)، الطب، والبيهقي في (السنن الكبرى) (5/ 148)، والعقيلي في (الضعفاء) (2/ 303)، كلهم من طريق عبدالله بن المؤمل عن أبي الزبير عن جابر، وعبدالله بن المؤمل ضعيف؛ (التهذيب) (3747)، وقد صرح أبو الزبير في رواية ابن ماجه بالتحديث، وقد أخرجه البيهقي في (السنن الكبرى) (5/ 202)، من طريق إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر، وفي (شعب الإيمان) (221)؛ كما في (التلخيص) من طريق محمد بن المنكدر عن جابر.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢