أرشيف المقالات

مقدمة كتاب شرح مدار الأصول لأبي حفص عمر النسفي

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
2مقدمة كتاب شرح مدار الأصول لأبي حفص عمر النسفي     الحمد لله الذي أسَّس قواعد شرعه بالأصول، وجعلها آلة فهم المنقول وضبط المعقول، والصلاة والسلام على نبيِّه وحبيبه ورسوله، صلاةً وسلامًا يليقان بمقامه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فقد كان الصحابة رضي الله عنهم، ومن بعدهم يصدرون فتاواهم عن أدلة وقواعد، وإن لم يُصرِّحوا بها، فلما كثُرت الفروع الفقهية، وتكاثرت بسبب سعة الاجتهادات وتنوُّع المناهج، عمد العلماء إلى صياغة القواعد وضبطها؛ كي تعين الفقيه والمفتي على استحضار أحكام الوقائع والاستفسارات، فشرَعوا في تأليف القواعد الفقهية، ومن أوائل من ألَّف فيها: الإمام أبو الحسن الكرخي، وإن كان قد ضمَّنها بعض القواعد الأصولية، إلا أنه لا ينكر أحدٌ أن أصول الكرخي حوت جملةً من القواعد الفقهية التي عليها مدار فقه الإمام أبي حنيفة، ولم أجد - حسب اطِّلاعي - مؤلفًا في القواعد الفقهية أقدم من مؤلف الكرخي، ثم تابعه العلماء، وساروا على سيره، وبذلوا جهودًا كبيرة في جمع القواعد والتخريج عليها، وبيَّنوا أهميتها والحاجة الماسة إليها؛ لذلك يقول القرافي: "يتعيَّن أن يكون على خاطر الفقيه من أصول الفقه وقواعد الشرع، واصطلاحات العلماء، حتى تخرج الفروع على القواعد والأصول، فإن كل فقه لم يخرج على القواعد فليس بشيء"[1].   ونظرًا لهذه الأهمية حرصت على تحقيق هذا السفر العظيم والأثر القديم (شرح مدار الأصول)، فالأصول التي عليها مدار فقه الحنفية، فقد خلَّفه لنا إمامنا الكرخي، وأما شرحه فهو من صنيع الإمام أبي حفص عمر النسفي، فأصبح شرح مدار الأصول: هو المعين الذي يرتشف منه مؤلِّفو القواعد الفقهية، إلا أنه على وافر قدره وأهميته، لم يحظَ بتحقيق يزيل غموضه، ويُوضِّح مفرداته، وينظم مفهومًا لقواعده وأصوله، أما التمثيل له فقد أجاد وأفاد الإمام النسفي في شرحه لهذه الأصول، فكان خير كتاب في بيان مرتكزات فقه الحنفية، ينتفع به المبتدئ والمنتهي؛ لأنه حوى قلة الألفاظ وكثرة المعاني، فجمع بين ثناياه قواعد مهمة في عبارات قليلة، من أجل أن يسهل حفظها، واستحضارها، فأكرمني الله عز وجل بنسختين خطيَّتينِ لشرح مدار الأصول للإمام النسفي" ونسخة مطبوعة طبعة حجرية، فشرعت في تحقيقه وتعليقه، مستفيدًا من مؤلَّفات العلماء قديمًا وحديثًا، ومنها: موسوعة القواعد الفقهية: للدكتور محمد صدقي آل بورنو، وقواعد الكرخي الأصولية: لأخي الدكتور أنس الفياض، سائلًا المولى عز وجل الإعانة والقبول.   وقد اقتضت طبيعة العمل تقسيمه إلى مقدمة، وقسمين: تكلمت في القسم الأول عن الإمام الكرخي واضع القواعد، وعن الإمام النسفي شارحها، وعن المخطوط وصفًا ونسبةً، وجعلته في ثلاثة مباحث: المبحث الأول: حياة الإمام الكرخي، وجهوده المبذولة في إنماء الفقه الحنفي. المبحث الثاني: الإمام النسفي ومكانته العلمية. المبحث الثالث: التعريف بشرح مدار الأصول، والمنهج المتَّبع في التحقيق، ووصف المخطوط.   أما القسم الثاني: فقد جعلته للنصِّ المحقَّق. وفي الختام: فإني قد بذلت قصارى جهدي وطاقتي للوصول إلى المقصد، فإنْ وُفِّقت فيما قدَّمته فبتوفيق من الله عزَّ وجلَّ وفضلِه وكرمه، ومع ذلك لا أدَّعي الكمال؛ بل أعترف بالقصور، وأبسط يد الافتقار إلى العفوِّ الغفور، فالكمال محالٌ لغير ذي الجلال، والإنسان لا بدَّ أن يعتريه نقصان، في كلِّ زمان ومكان، فهو محلُّ النسيان، وإنَّ الحسناتِ يُذهبْنَ السيئات.   والله تعالى أسأل الإخلاص في أعمالنا، والسَّداد في أقوالنا، والتوفيق في تحقيق ما نصبو إليه، وأنْ يتقبَّل هذا اليسير، ويعفو عن الزلل والتقصير، وأنْ ينفع به المسلمين، فهو حسبُنا ونعم الوكيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على سيِّدنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين.   اللوحة الأولى من النسخة أ     اللوحة الأخيرة من النسخة أ   اللوحة الأولى من النسخة ب   اللوحة الأخيرة من النسخة ب   اللوحة الأولى من النسخة ج   اللوحة الاخيرة من النسخة ج  

[1] الذخيرة: 1 /55.



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير