أرشيف المقالات

تتبع الرخص للمقلد

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
2تتبُّع الرُّخَص للمقلِّد
سبق بيان معنى تتبع الرخص، وأن المراد بها: أقوال العلماء التي تتميز باليسر والتخفيف، ولكنها مخالفة للأدلة الشرعية.   رأي الشَّاطبي: رأي الشَّاطبي في تتبع الرخص بالنسبة للعامي والمقلد يأتي إتمامًا لموقفه من تتبع الرخص بالنسبة للمجتهد؛ فالشَّاطبي لا يرى جواز تتبع الرخص، كما أنه يرى أن تتبع الرخص نابع من اتباع الهوى، ومفضٍ إلى إسقاط التكليف، قال الشَّاطبي: "تتبع الرخص ميلٌ مع أهواء النفوس، والشرع جاء بالنهي عن اتباع الهوى"[1]، وقال: "فإذا صار المكلف في كل مسألة عنَّتْ له يتبع رخص المذاهب، وكل قول وافق فيها هواه، فقد خلع ربقة التقوى، وتمادى في متابعة الهوى، ونقض ما أبرمه الشارع، وأخَّر ما قدمه"[2].   ويمنع الشَّاطبي التخير بالنسبة للمجتهد، ويعلل ذلك بأنه مفضٍ إلى تتبع الرخص والتساهيل[3].   ولهذا الأمر شدَّد الشَّاطبي على المفتين، فرأى أنه لا ينبغي لهم أن يفتوا إلا بالمشهور من المذهب؛ دفعًا لذريعة اتباع الهوى والتراخيص[4].   وقد وافقه على ذلك جمهور العلماء[5]، بل نقل عن ابن عبدالبر حكاية الإجماع على التحريم[6]، وفي ذلك قال أحمد: سمعت يحيى القطان يقول: "لو أن رجلًا عمل بكل رخصة، بقول أهل المدينة في السماع - يعني في الغناء - وبقول أهل الكوفة في النبيذ، وبقول أهل مكة في المتعة، لكان فاسقًا"[7].   وقال ابن تيمية: "الذي يدل عليه كلام أصحابنا وغيرهم أنه لا يجوز له - يعني العامي - تتبعُ الرخص مطلقًا"[8].   ويفهم من كلام بعض العلماء جواز تتبع الرخص؛ قال القاضي أبو يعلي: "فإنه يقلد من شاء منهما، ولا يلزمه أن يأخذ بقول من غلَّظ عليه، وهذا ظاهر ما رواه الحسين بن بشار عن أحمد؛ لأنه استفتاه في مسألة الطلاق، فقال له أحمد – رضي الله عنه -: "إن فعل حنَث"، وقال: "إن أفتاك مدني لا تحنَث، فافعل"[9].   وذكر عن أحمد رواية بعدم تفسيق من تتبع الرخص، وحمل القاضي أبو يعلى الرواية على غير المتأول والمقلد[10]، ونقله عنه ابن مفلح، وقال: "فيه نظر"[11]، ونقل الجواز عن أبي إسحاق المروزي[12].   ونقل عدم التفسيق عن ابن أبي هريرة[13]، وتجويز تتبع الرخص هو ظاهر لفظ القرافي[14]، وابن الهمام، وتبعه ابن أمير الحاج[15]، وأمير بادشاه[16]، وابن عبدالشكور، والأنصاري اللكنوي[17].   وحمل بعضهم قول من نهى على من تتبع الرخص بقصد التلهي دون غيره[18]، ولم يسلِّموا بصحة دعوى الإجماع[19].   ويرى ابن عقيل من الحنابلة أنه يجوز التوسعة على المستفتي إذا كان طالبًا للحق[20]، وهذا القول مقارب لمن قيد بعدم التلهي.


[1]) الموافقات (5/ 99). [2]) الموافقات (3/ 123). [3]) انظر: الموافقات (5/ 79 - 83). [4]) انظر: الموافقات (5/ 100 - 101) وانظر: المعيار المعرب (9/ 228، 11/ 103) فتاوى الإمام الشاطبي (119، 127، 176). [5]) انظر: المستصفى (2/ 391) روضة الناظر (2/ 392) روضة الطالبين (8/ 101) فتاوى النووي (162) شرح تنقيح الفصول (432) المسودة (218) أصول ابن مفلح (ط: العبيكان 4/ 1563) الآداب الشرعية (1/ 186) جمع الجوامع مع تشنيف المسامع (4/ 620 - 621) تقريب الوصول (449) التحبير شرح التحرير (3/ 3/ 817) تيسير التحرير (4/ 253) غذاء الألباب (1/ 224 - 225) إرشاد الفحول (453 - 454). [6]) انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/ 92) ونقله فيه للإجماع عام غير مقيد بالعامي، ولكن نقل عنه تخصيصه بالعامي؛ انظر: أصول ابن مفلح (ط: العبيكان 4/ 1563) التحبير شرح التحرير (3/ 3/ 817) الإنصاف (11/ 196) التقرير والتحبير (3/ 351) شرح الكوكب المنير (4/ 578) تيسير التحرير (4/ 254) لوامع الأنوار (2/ 466) فواتح الرحموت (2/ 406). [7]) المسودة (518 - 519) لوامع الأنوار (2/ 466). [8]) المسودة (218). [9]) العدة (4/ 1227). [10]) انظر: المسودة (519) أصول ابن مفلح (ط: العبيكان 4/ 1564) الإنصاف (10/ 196) التقرير والتحبير (3/ 351) شرح الكوكب المنير (4/ 578) تيسير التحرير (4/ 254). [11]) أصول ابن مفلح (ط: العبيكان 4/ 1564)، ومثله صنع الجراعي، والسفاريني كما في لوامع الأنوار (2/ 466 - 467). [12]) انظر: جمع الجوامع مع تشنيف المسامع (4/ 620) واستنكره الزركشي عنه؛ لأنه رأى في فتاوى الحناطي: "من تتبع الرخص، قال أبو إسحاق المروزي: يفسق" وانظر: روضة الطالبين (8/ 94) البحر المحيط (6/ 325) شرح المحلي على جمع الجوامع مع حاشية البناني (2/ 617). [13]) انظر: روضة الطالبين (8/ 94) تشنيف المسامع (4/ 621) البحر المحيط (6/ 325) شرح المحلي على جمع الجوامع مع البناني (2/ 617) شرح الكوكب المنير (4/ 579) إرشاد الفحول (453). [14]) انظر: شرح تنقيح الفصول (432) نفائس الأصول (9/ 3965). [15]) انظر: التحرير مع التقرير والتحبير (3/ 351). [16]) انظر: تيسير التحرير (4/ 254). [17]) انظر: مسلم الثبوت مع فواتح الرحموت (2/ 406). [18]) انظر: مسلم الثبوت مع فواتح الرحموت (2/ 406). [19] انظر: التقرير والتحبير (3/ 315) تيسير التحرير (4/ 254). [20]) انظر: الواضح في أصول الفقه (ت: التركي 1/ 284).




شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير