أرشيف المقالات

مدخل إلى دلالات الألفاظ

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2مدخل إلى دلالات الألفاظ   الحمد لله والصلاة والسلام على رسول وآله وصحبه، وبعد: كثيرة هي المفاهيم الأصولية التي تطرَّق إليها الأصوليون في مباحثهم، وشملوها بالدراسة والدقة والنظر، وكلها تنحو منحى واحدًا، وهو سَبْر أغوار معاني الدلالات وسياقاتها، وبالتالي استنباط الأحكام الشرعية من القرآن الكريم، وسنة المصطفى الأمين.   و"دلالات الألفاظ" هي من بين هذه المباحث المهمة التي اعتنى بها هؤلاء العلماء، ورسموا لها خريطة واضحة في التعاطي معها، فقد عُرِّفت بكونها: "قواعد أصولية لغوية ترسم منهج الاجتهاد في استثمار كافة طاقات النص في الدلالة على المعنى"[1].   ومعروف أن ديننا الحنيف ترك هامشَ الاجتهاد لأهل الذكر فيما يستجد من أمورٍ في حياة المسلمين؛ حيث قال سبحانه: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7]، فالمجتهد ينطلق من النص وما يكتنفه من المعاني والمقاصد والدلالات؛ ليصل إلى أجوبة وفتاوى لِما يُطرَح في واقعنا المتغير.   وارتباطًا مع هذا الباب نجد أن المدارس الأصولية منقسمة إلى قسمين: 1- مدرسة الشافعية والمالكية والحنابلة التي تُعنى بتخريج الفروع على الأصول. 2- مدرسة الأحناف: المرتكزة على تخريج الأصول على الفروع"[2]. فلكل واحدة منهما نهجٌ واختلاف في كثير من المباحث؛ كالذي نحن في صدد دراسته؛ أي: مبحث الدلالات، وهو أمر محمود مكَّن من إغناء المكتبة الفقهية، وبعث الروح في النص، وجعله يتجدَّد ويتجسد انطلاقًا من الواقع المعيش، والنوازل المتكررة في كل عصر من العصور الإسلامية.   فقد كانت الحاجة أكثر للعناية بهذا المبحث بعد مرور فترة النبوة، وتداول الكثير من الألفاظ الأعجمية في اللغة العربية، وهو ما حدا بعلماء الأصول على اختلاف مدارسهم إلى تكريس عناية فائقة باللفظ ومعانيه وسياقاته، وهو من أهم المباحث في هذا العلم الجليل، علم أصول الفقه.   فاهتم هؤلاء الأصوليون بعناصر السياق ودلالة اللفظ فيما قبل الكلام وما بعده، كما تطرَّقوا "لاعتبار لغة العرب، واعتبار مراد المتكلم في النصوص الشرعية، وهو الله - سبحانه وتعالى - ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، واعتبار حال المخاطب"[3].   كما قسَّم الأصوليون اللفظ "باعتبار الأفراد الذين تشملهم دلالته إلى: عام، وخاص، ومشترك؛ لأن اللفظ من حيث هو: إما أن يوضَعَ لمدلول واحد، أو لأفراد كثيرين محصورين وضعًا واحدًا، وهو الخاص، أو يوضع وضعًا واحدًا لمدلول كثيرٍ متعدِّدٍ غيرِ محصور، مستغرق لجميع ما يصلح له، وهو العام، أو يوضع لأكثر من معنى وضعًا واحدًا يحتمل كلًّا منها على سبيل البدل، وهو المشترك"[4].   واهتموا بفرز دلالة الألفاظ من جهة اعتبار الاستدلال وعدمه، فقد اعتبروا الاستدلال بالنص والظاهر، ولم يعتبروا المجمل والمُؤول.   كما حقَّقوا كيف يمكن للألفاظ أن تكتسي مدلولًا حقيقيًّا أو مجازيًّا عند الاستعمال؛ إذ يُمكن للمتكلم النطق باللفظ في السياق المعروف فيه، فيكون حقيقيًّا، أو إن أراده في غير موضعه، فهو يصير مجازيًّا.   وعمومًا فهذا المبحث شاسعٌ، وأسهب فيه كثيرٌ من العلماء الأصوليين المتقدمين منهم والمتأخرين، ولا مَحيدَ للعالم الأصولي عنه؛ لأنه يُركز على طبقات المعاني، ويُمكن ضبطه من الفَهم الدقيق للنص ولفظه، واستنباط الحكم الشرعي كما يجب في سياقه.   وسيأتي معنا إن شاء الله تعالى شرح كلِّ دلالة على حِدَةٍ، وبيانها بأسلوب ميسر ومفصَّل، نراعي فيه أشهر المدارس الأصولية التي تفرَّعت عنها المذاهب الفقهية، ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد، والحمد لله رب العالمين.


[1] انظر: دراسة د/ فريدة صادق زوزو [2] انظر: المرجع السابق. [3] انظر: مقال بشبكة الألوكة بعنوان: "خلاصة القول في دلالات اللفظ والسياق عند الأصوليين"؛ د.
سامح عبدالسلام محمد. [4] انظر: المرجع السابق.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢