أرشيف المقالات

خلاف التنوع عند ابن جرير الطبري

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2خلاف التنوع عند ابن جرير الطبري
الإمام محمد بن جرير الطبري رحمه الله المتوفَّى سنة 310 هجرية من الفقهاء المشهورين، قال عنه الذهبي: الإمام، العلم، المجتهد، عالم العصر، أبو جعفر الطبري، صاحب التصانيف البديعة، من أهل آمُل طبرستان.   مولده سنة أربع وعشرين ومائتين، وطلب العلم بعد الأربعين ومائتين، وأكثر الترحال، ولقي نبلاء الرجال، وكان من أفراد الدهر علمًا، وذكاءً، وكثرة تصانيف، قلَّ أن ترى العيون مثله، وكان من كبار أئمة الاجتهاد، كان ثقة، صادقًا، حافظًا، رأسًا في التفسير، إمامًا في الفقه، والإجماع والاختلاف، علَّامة في التاريخ وأيام الناس، عارفًا بالقراءات وباللغة، وغير ذلك.   قال ابن خزيمة: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير؛ ينظر: سير أعلام النبلاء للذهبي 14/ 267 -270.   ومن منهج ابن جرير في الفقه أنه يحمل كثيرًا من الخلاف الوارد في العبادات على التخيير، وسأذكر ثلاث مسائل تُوضِّح ذلك: 1 - اختلاف الفقهاء في التورك في الصلاة، جعله ابن جرير من خلاف التنوُّع، فمن شاء تورَّك، ومن شاء ترك التورُّك؛ لأن كلا الأمرين واردٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم.   قال الحافظ ابن رجب في فتح الباري 7/ 314: "قال ابن جرير الطبري: كل ذلك جائز؛ لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيُخيَّر المصلي بينه، فيفعل منه ما شاء، ومال إلى قوله ابن عبد البر".   2 - اختلاف الفقهاء في عدد ركعات صلاة الضحى، جعله ابن جرير من خلاف التنوُّع، فمن شاء صلى الضُّحى ركعتين، أو أربع ركعات أو ثماني ركعات أو أكثر من ذلك، ولم يجعل حدًّا لأكثرها؛ ينظر: فتح الباري؛ لابن حجر 3/ 54.   3 - اختلاف الفقهاء في القنوت في صلاة الفجر، رجَّح ابن جرير أن الأمر واسع، فمن شاء قنت، ومن شاء ترك القنوت.   وسأنقل بعض كلامه في هذه المسألة المهمة: قال الإمام ابن جرير في كتابه "تهذيب الآثار مسند ابن عباس" 1 /385: القنوت فيها حسن، فإن قنت فيها قانتٌ فبفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عمل، وإن ترك ذلك تاركٌ فبرخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقنت فيها أحيانًا، ويترك القنوت فيها أحيانًا...
معلمًا بذلك أُمَّتَه أنهم مُخيَّرون في العمل بأي ذلك شاءوا وعملوا به...
والقنوت أمر مخير المصلي فيه وفي تركه، كالذي ذكرنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمله به أحيانًا، وتركه إياه أحيانًا؛ تعليمًا منه أُمَّته صلى الله عليه وسلم سبيل الصواب فيه...
وكذلك القول عندنا فيما روي عن أصحابه في ذلك من الاختلاف، فإن سبيل الاختلاف عنهم فيه، سبيل الاختلاف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم كانوا يقنتون أحيانًا على ما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك، وأحيانًا يتركون القنوت على ما عهدوه يترك، فيشهد قنوتهم في الحال التي يقنتون فيها قوم، فيروون عنهم ما رأوا من فعلهم، ويشهدهم آخرون في الحال التي لا يقنتون فيها، فيروون عنهم ما رأوا من فعلهم، وكلا الفريقين محقٌّ صادقٌ.



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير