أرشيف المقالات

القراءة في الصبح والمغرب

مدة قراءة المادة : 25 دقائق .
2القراءة في الصبح والمغرب   • عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ السَّائِبِ رضي الله عنه، قال: صَلَّى لَنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ بِمَكَّةَ، فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهرُونَ أخذتِ النَّبِيَّ سَعْلةٌ فَرَكَعَ، وأما البخاري فرواه مُعَلَّقًا.
وفي حديث عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ في الْفَجْرِ: ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ [التكوير: 17].
وفي حديث جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِـ ﴿ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ ﴾ [ق: 1]، وَكَانَ صَلاتُهُ بَعْدُ تَخْفِيفًا، وبنحوه من حديث قُطْبةَ بْنِ مَالِكٍ، وعَنْ جَابِر بْنِ سَمُرةَ أَيْضًا، قَال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرأُ في الظُّهْرِ بِـ ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ [الليل: 1]، وفي رواية: "بِــ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1]" وَفِي الْعَصْرِ نَحْوَ ذَلِكَ، وَفِي الصُّبْحِ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ.
وفي حديث أَبِي بَرْزةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلى الْمِائَةِ آيَةً، وجميعها رواها مسلم.
- عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه، قَالَ: إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ رضي الله عنها سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ ﴿ وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا ﴾ [المرسلات: 1]، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هذِهِ السُّورَةَ، إِنَّهَا لآخِرُ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ.
وفي رواية: ثُمَّ مَا صَلَّى بَعْدُ حَتَّى قَبَضَهُ الله عَزَّ وَجَلَّ. عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِالطُّورِ فِي الْمَغْرِبِ.
زاد البخاري: قال جبير: فلما بَلَغَ هذه الآيةَ: ﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ ﴾ [الطور: 35 - 37] كادَ قلْبي أنْ يَطيرَ، وفي رواية: "وذلكَ أولُ ما وَقَرَ الإيمان في قلبي".
- عن الْبَراءَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ فِي سَفَرٍ، فَصَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، فَقَرَأَ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ: ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴾ [التين: 1]، وفي رواية: قَالَ الْبَراء بْن عَازِبٍ رضي الله عنه: "فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا مِنْهُ".   ترجمة رواة الأحاديث: تقدمت ترجمة رواة الأحاديث إلا عبدالله بن السائب، وعمرو بن حريث، وقطبة بن مالك، وأبا برزة الأسلمي رضي الله عنهم.   الأول: عبدالله بن السائب رضي الله عنه: هو عبدالله بن السائب القرشي المخزومي، يكنى أبا عبدالرحمن، وقيل: أبا السائب، يُعرَف بالقارئ، أخذ عنه أهل الكوفة القراءة، وعليه قرأ مجاهد وغيره من قرَّاء مكة، سكن مكة، وتوفي بها قبل قتل ابن الزبير بيسير؛ [انظر: الاستيعاب (3/ 915)، والإصابة (4/ 89)].   الثاني: عمرو بن حريث رضي الله عنه: هو عمرو بن حريث بن عمرو بن عثمان بن عبدالله بن عمرو القرشي المخزومي، له ولأبيه صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وغيرهم رضي الله عنهم، وروى عنه ابنه جعفر وآخرون من أهل الكوفة، سكن الكوفة وابتنى بها دارًا، وهو أول قرشي اتخذ في الكوفة دارًا، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان عمره لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة سنة، وقيل: حملت به أُمُّه عام بَدْر، ومسح النبي صلى الله عليه وسلم رأسَه، ودعا له بالبركة في صفقته وبيعه، فكسب مالًا عظيمًا، وكان من أغنى أهل الكوفة، وشهد القادسية، وأبلى فيها. قال البخاري وابن حبان وغير واحد: مات سنة خمس وثمانين؛ [انظر: أسد الغابة (4/ 200)، والإصابة (4/ 510)].   الثالث: قطبة بن مالك رضي الله عنه: هو قطبة بن مالك، من بني ثعلبة بن ذبيان، له صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن زيد بن أرقم، سكن الكوفة، وهو ممن أخرج له مسلم دون البخاري؛ [انظر: أسد الغابة (4/ 388)، والإصابة (5/ 340)].   الرابع: أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه: اختلف في اسمه واسم أبيه، وأصَحُّ ما قيل فيه: نضلة بن عبيد، أسلم قديمًا، وشهِد فتح مكة، ثم تحوَّل إلى البصرة، ثم غزا خرسان، ومات فيها، شهِد صفين والنهروان مع علي بن أبي طالب، وفي صحيح البخاري أنه شهِد قتال الخوارج بالأحواز، وروي عنه أنه قتل ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة، اختلف في سنة موته، ورجح ابن حجر أنه مات سنة خمس وستين؛ [انظر: الاستيعاب (4/ 1495)، والإصابة (6 / 341)].   تخريج الأحاديث: حديث عبدالله بن السائب رضي الله عنه (455)، وأما البخاري فرواه معلقًا في كتاب "الأذان" "باب الجمع بين السورتين في الركعة والقراءة بالخواتيم، وسورة قبل سورة، وبأول سورة" (774)، وأخرجه أبو داود في كتاب "الصلاة" "باب الصلاة في النعل" (649)، وأخرجه النسائي في كتاب "الافتتاح" "باب قراءة بعض السور" (1006)، وأخرجه بن ماجه في كتاب "إقامة الصلاة والسنة فيها" "باب القراءة في صلاة الفجر" (820)، وأما حديث عمرو بن حريث، فأخرجه مسلم (456)، وانفرد به، وأما حديث بن سمرة، فأخرجه مسلم (458)، وانفرد به، وأما حديث قطبة بن مالك، فأخرجه مسلم (457)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه الترمذي في كتاب "الصلاة" "باب ما جاء في القراءة في صلاة الصبح" (306)، وأخرجه النسائي في كتاب "الافتتاح" "باب القراءة في الصبح بقاف" (949)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب "إقامة الصلاة والسنة فيها" "باب القراءة في صلاة الفجر" (816).   وأما حديث أبي برزة الأسلمي، فأخرجه مسلم (461)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه النسائي في كتاب "الافتتاح" "باب القراءة في الصبح بالستين إلى المائة" (947)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب "إقامة الصلاة والسنة فيها" "باب القراءة في صلاة الفجر" (818).   وأما حديث ابن عباس فأخرجه مسلم (462)، وأخرجه البخاري في كتاب "الأذان" "باب القراءة في المغرب" (763)، وأخرجه أبو داود في كتاب "الصلاة" "باب قدر القراءة في المغرب" (810)، وأخرجه الترمذي في كتاب "الصلاة" "باب ما جاء في القراءة في المغرب" (308)، وأخرجه النسائي في كتاب "الافتتاح" "باب القراءة في المغرب بالمرسلات" (985)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب "إقامة الصلاة والسنة فيها" "باب القراءة في صلاة المغرب" (838).   وأما حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه، فأخرجه مسلم (463)، وأخرجه البخاري في كتاب "الأذان" "باب الجهر في المغرب" (765)، وأخرجه أبو داود في كتاب "الصلاة" "باب قدر القراءة في المغرب" (811)، وأخرجه النسائي في كتاب "الافتتاح" "باب القراءة في المغرب بالطور" (986)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب "إقامة الصلاة والسنة فيها" "باب القراءة في صلاة المغرب" (832).   وأما حديث البراء، فأخرجه مسلم (464)، وأخرجه البخاري في كتاب "الأذان" "باب الجهر في العشاء" (767)، وأخرجه أبو داود في كتاب "الصلاة" "باب قصر قراءة الصلاة في السفر"(1221)، وأخرجه الترمذي في كتاب "الصلاة" "باب ما جاء في القراءة في صلاة العشاء" (310)، وأخرجه النسائي في كتاب "الافتتاح" "باب القراءة فيها بالتين والزيتون" (999)، وأخرجه ابن ماجه في كتاب "إقامة الصلاة والسنة فيها" "باب القراءة في صلاة العشاء" (834).   شرح ألفاظ الأحاديث: "صَلَّى لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم"، وفي رواية أخرى: "صلى بنا": وكلٌّ من اللام والباء المقصود به المصاحبة؛ أي: صلى لنا إمامًا، أو صلى بنا إمامًا.   "بِمَكَّةَ": أخذ منه بعض أهل العلم أن سورة المؤمنين مكية؛ قال الحافظ ابن حجر: "وهو قول الأكثر"؛ [الفتح (2 / 256)]، ووجه المخالفون باحتمال أن قوله: "بمكة"؛ أي: في فتح مكة أو حجة الوداع.   "فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ"؛ أي: جعل بداية قراءته فاتحة سورة المؤمنين ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [المؤمنون: 1]، قال النووي: "يُقال: سورة بلا همز وبهمز، لُغتان ذكرهما ابن قتيبة وغيره، وترك الهمز هنا هو المشهور الذي جاء به القرآن العزيز"؛ [شرح مسلم (4 / 405)].   "حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهرُونَ": المراد قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾ [المؤمنون: 45]، وفي الرواية قال الراوي: "أو ذكر عيسى"، فإن كان كذلك، فالمراد قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ﴾ [المؤمنون: 50].   "أخذَتِ النَّبِيَّ سَعْلةٌ فَرَكَعَ": بفتح السين وسكون العين وفتح اللام من السعال؛ وهي الكحة، ويجوز ضم السين، وفي رواية لابن ماجه: "فلما بلغ ذكر عيسى وأمه أخذته سعلة - أو قال- شهقة"، وفي رواية "شَرْقة" بفتح الشين وسكون الراء وفتح القاف.   ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ [التكوير: 17]؛ أي: يقرأ بالسورة التي فيها ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾، وهي سورة التكوير، وفي معنى ﴿ عَسْعَسَ ﴾ قولان: قيل أدبر، وبه قال جمهور أهل اللغة، ونقل الفرَّاء أنه إجماع المفسرين كما نقله النووي، وهو اختيار ابن جرير الطبري.   وقيل: معناه: أقبل؛ أي: أقبل بظلامه، واختاره ابن كثير في تفسيره، وقيل هو من الأضداد، يصحُّ أن يُقال فيه: إذا أقبل وإذا أدبر؛ [انظر: شرح النووي (4 / 400)، وتفسير ابن كثير (8 / 336)].   "وَكَانَ صَلاَتُهُ بَعْدُ تَخْفِيفًا"؛ أي: بعد القراءة لم يكن يطيل في الركوع والسجود فوق ما يتحمله المأمومون، ويحتمل أن صلاته بقية الصلوات بعد الفجر أخف من الفجر.   "من الستين إلى المائة": من الستين كحَدٍّ أدنى إلى المائة كحدٍّ أعلى، والظاهر أن هذا العدد مقسومٌ على الركعتين، ويحتمل في الركعة الواحدة.   "عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إِنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بِنْتَ الْحَارِثِ رضي الله عنها": هي أم ابن عباس وأخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم، واسمها لبابة بنت الحارث، ذكرها ابن عباس رضي الله عنها باسمها ولم يقل أُمِّي؛ اعتزازًا باسمها، ومخالفة لمن يستنكفون من ذكر أسماء أمهاتهم كما هو حال أهل الجاهلية، ولما جاء الإسلام رفع شأن المرأة، وجاء في رواية الترمذي ما يدل على أن ابن عباس جمع بين الاسم والأمومة ولفظه: "عن ابن عباس، عن أُمِّه أم الفضل"؛ [انظر: فتح المنعم (3/ 18)].   "يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ": وفي رواية: "ثم ما صلى بعد حتى قبضه الله" يشير إلى أن آخر صلاة للنبي صلى الله عليه وسلم كانت المغرب. قال ابن حجر: "وقد تقدم في [باب إنما جعل الإمام ليؤتم به] من حديث عائشة أن الصلاة التي صلاها النبي صلى الله عليه وسلم - أي آخر صلاة - بأصحابه في مرض موته كانت الظهر، وأشرنا إلى الجمع بينه وبين حديث أم الفضل هذا بأن الصلاة التي حكَتْها عائشة رضي الله عنها كانت في المسجد، والتي حَكَتْها أُمُّ الفضل رضي الله عنها كانت في بيته كما رواه النسائي"؛ [الفتح (2/ 246)].   من فوائد الأحاديث: الفائدة الأولى: الأحاديث فيها بيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم ومقدار قراءته في الصلوات الخمس، وهي كما يلي: أولًا: صلاة الفجر: يستحبُّ أن يقرأ من طوال المفصل، والمفصل يبدأ من سورة (ق) إلى نهاية سورة (الناس) على أرجح الأقوال، واختاره الشيخ ابن باز [انظر: تعليقه على فتح الباري (2/ 249)]، وسمي المفصل لكثرة الفواصل بين سوره بالبسملة على الصحيح، وطوال المفصل من(ق) إلى (عبس) وأوسطه منها إلى (الضحى) وقصاره منها إلى (الناس).   فالفجر يستحب أن يقرأ من طوال المفصل، ويدل على هذا ما يلي: 1- أحاديث الباب: حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر ما بين الستين إلى المائة"، وحديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بــ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ [الليل: 1]، وفي العصر نحو ذلك، وفي الصبح أطول من ذلك، وحديث جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الفجر بـ"ق".   2- حديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "ما صليت وراء أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم من فلان - لإمام بالمدينة - قال سليمان: فصليت وراء ذلك الإنسان، وكان يطيل الأوليين من الظهر، ويخفف الأخريين، ويخفف في العصر، ويقرأ في المغرب بقصار المفصل، ويقرأ في العشاء بالشمس وضحاها وأشباهها (وفي رواية أحمد: ويقرأ في الأوليين من العشاء من وسط المفصل) ويقرأ في الصبح بسورتين طويلتين"؛ أخرجه أحمد والنسائي، وهذا لفظ النسائي، وصحح إسناده الحافظ ابن حجر.   ما تقدم يدل على أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قراءة الفجر أن يقرأ من الطوال ولو خالف أحيانًا، فقرأ من القصار أو أوسط المفصل فلا حرج لحديث عمرو بن حريث رضي الله عنه في الباب أنه سمِعَ النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ ﴾ [التكوير: 17]؛ أي: سورة التكوير، وهي من أوسط المفصل، وقرأ الزلزلة في الركعتين كلتيهما حتى قال الراوي: "فلا أدري أنسي رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قرأ ذلك عمدًا"؛ أي: تكراره للسورة"؛ رواه أبو داود والبيهقي بسند صحيح كما قال الألباني؛ [انظر: صفة الصلاة؛ للألباني صـ(110)]، وقرأ مرة في السفر بالمعوِّذتين، والحديث رواه أبو داود وأحمد وابن خزيمة.   ثانيًا: صلاة الظهر والعصر: السنة أن يقرأ فيهما بأوسط المفصل، ويدل عليه: 1- حديث الباب: حديث جابر بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر بــ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ [الليل: 1]، وفي العصر نحو ذلك، وفي رواية: "بـ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ [الأعلى: 1]" وكلا السورتين من أوسط المفصل.   2_ حديث جابر بن سمرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر والعصر بـ"﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴾ [الطارق: 1]، ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾ [البروج: 1]"، والحديث رواه أبو داود، والترمذي والنسائي.   إلا أن الظهر من السنة أن يطيل فيها عن العصر، لا سيما الركعة الأولى، فأحيانًا يقرأ في الظهر من طوال المفصل، وأحيانًا من أوسطه، ويدل عليه: 1- أحاديث الباب: حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: "كانت صلاة الظهر تقام، فينطلق أحدنا إلى البقيع فيقضي حاجته، ثم يأتي أهله فيتوضأ، ثم يرجع إلى المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الركعة الأولى"؛ رواه مسلم، وحديث أبي قتادة رضي الله عنه " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا، وكان يطول في الركعة الأولى من الظهر"؛ متفق عليه.   2- حديث سليمان بن يسار رضي الله عنه المتقدم وفيه: "وكان يطيل الأوليين من الظهر". قال شيخنا العثيمين: "ورد في الظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بالمفصل، وهنا في مسلم (يطولها)"؛ فلماذا لا نرجح رواية مسلم رحمه الله؟ الجواب: لأن هذا يُفعل أحيانًا، وإذا أمكن الجمع، فلا حاجة للترجيح، وكونه كان يقرأ من أوساط المفصل هذه قاعدة"؛ [التعليق على مسلم (3/ 198)].   ثالثًا: صلاة المغرب: السنة أن يقرأ فيها بقصار المفصل، ويدل عليه: 1- حديث سليمان بن يسار رضي الله عنه المتقدم وفيه: "ويقرأ في المغرب بقصار المفصل".   2- ثبت عند أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في الركعة الثانية من المغرب بالتين والزيتون؛ وصححه الألباني، إلا أن السنة في المغرب ألا يداوم على القراءة من قصار المفصل، فأحيانًا يقرأ من طوال المفصل ويدل عليه: 1- أحاديث الباب: حديث ابن عباس أخبرته أُمُّه أُمُّ الفضل أنها سمِعَت النبي صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالمرسلات، وحديث جبير بن مطعم رضي الله عنه أنه سمِعَ النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بالطور في المغرب.   2- ثبت عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالأعراف في المغرب، وعند الطبراني وابن خزيمة بسورة محمد، وعند الطبراني بسورة الأنفال، وصححه الألباني.   أما المداومة على القصار فهو خلاف السنة؛ قال ابن القيم: "أما المغرب فكان هديه فيها خلاف عمل الناس اليوم؛ فإنه صلَّاها مرة بالأعراف، ومرة بالطور، ومرة بالمرسلات"؛ [زاد المعاد (1/ 209)]، وقد أنكر زيد بن ثابت على مروان بن الحكم مداومته على قصار المفصل، فقال له: "ما لك تقرأ في المغرب بقصار المفصل؟ وقد سمِعْت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بطولى الطوليين"؛ رواه البخاري وأبو داود والنسائي، "قال: وما طولى الطوليين؟ قال: الأعراف والأخرى الأنعام".   رابعًا: صلاة العشاء: السنة أن يقرأ فيها من أوسط المفصل، ويدل عليه: 1- حديث جابر رضي الله عنه، وفيه قصة معاذ بن جبل رضي الله عنه حين أطال صلاة العشاء فانصرف رجل، وفي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم له: ((اقرأ: ﴿ والشمس وضحاها ﴾ ﴿ والضحي ﴾ ﴿ والليل إذا يغشى ﴾ و﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾))، والحديث متفق عليه، وسيأتي قريبًا، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر له سورًا من أوسط المفصل.   2- حديث سليمان بن يسار رضي الله عنه المتقدم وفيه: "ويقرأ في الأوليين من العشاء من وسط المفصل". قال النووي في المجموع: "ويُستحَبُّ أن يقرأ في الصبح بطوال المفصل؛ كالحجرات والواقعة، وفي الظهر بقريب من ذلك، وفي العصر والعشاء بأوساطه، وفي المغرب بقصاره، فإن خالف وقرأ بأطول أو أقصر جاز"؛ [المجموع (3/ 349)].   قال القرطبي رحمه الله: "وقد استقرَّ عمل أهل المدينة على استحباب إطالة القراءة في الصبح قدرًا لا يضُرُّ من خلفه بقراءاتها بطوال المفصل، ويليها في ذلك الظهر والجمعة، وتخفيف القراءة في المغرب وتوسيطها في العصر والعشاء، وقد قيل في العصر إنها تخفف كالمغرب"؛ [المفهم (2/ 73)].   الفائدة الثانية: الأحاديث فيها حرص الصحابة على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وسنته بنقلهم لمقدار قراءته في الصلوات كلها.   الفائدة الثالثة: حديث عبدالله بن السائب رضي الله عنه دليل على أنه من عرض له عارض عن إكمال قراءته؛ كأن تُصيبه سعلة أو مغص أو ريح أو يغلط في قراءته ويخشى تضاعف الغلط، أو يرتبك ونحو ذلك من الأعذار، فله أن يقطع قراءته التي نوى إكمالها، ويركع كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين أصابته سعلة، واستدل به على أن السعال لا يبطل الصلاة.   الفائدة الرابعة: استدل بحديث عبدالله بن السائب رضي الله عنه على جواز القراءة ببعض السورة.   الفائدة الخامسة: حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه دليل على صحة أداء ما تحمَّلَه الراوي في حال الكُفْر، وكذا الفاسق إذا أدَّاهُ في حال العدالة، ووجه ذلك أن جبير بن مطعم حينما سمِعَ قراءة النبي صلى الله عليه وسلم سورة الطور كان كافرًا، وبلَّغَها وهو مسلم، فالعبرة بحال الأداء لا بحال التحمُّل.   الفائدة السادسة: حديث جبير رضي الله عنه فيه بيان أثر القرآن على القلوب، وأنه كلما صحَّ الإيمان في قلب العبد وارتفع، زاد تأثُّره بالقرآن.   الفائدة السابعة: حديث البراء رضي الله عنه فيه مشروعية تحسين الصوت بقراءة القرآن في الصلاة لقوله: "فما سمِعْتُ أحدًا أحْسَنَ صوتًا منه".   مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الصلاة).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ١