أرشيف المقالات

الإيمان بوجود الملائكة وأنهم كثير لا يعلم عددهم إلا الله

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2الإيمان بوجود الملائكة وأنهم كثير لا يعلم عددَهم إلا الله
هذا الأصل الثاني من أصول الإيمان عند أهل السنة والجماعة، التي يجب أن نؤمن بها. والملائكة: هم خلق من مخلوقات الله خلقهم من نور[1]، ووكَّلهم بوظائف عظيمة، وأعطاهم القدرة على تأديتها.
ومن الأدلة على أن الإيمان بالملائكة أصل من أصول الإيمان يجب الإيمان به، ولا يصح إيمان عبد حتى يؤمن به: قول الله تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ﴾ [البقرة: 177].
وقول الله تعالى: ﴿ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ﴾ [البقرة: 285].
وعن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَاليَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»[2].
وكيفية الإيمان بالملائكة تكون على درجتين: الأولى: درجة واجبة، وهي الإيمان الإجمالي، ومعناها أن يؤمن العبد بأن لله ملائكة أوكل لكلٍّ منهم وظيفة، وأنهم يعبدون الله ولا يفترون، وأنهم ليسوا بناتاً لله.   الثانية: درجة مستحبة، وهي الإيمان المفصل، ومعناها أن يؤمن العبد بكل ما وصله من أخبار الملائكة كما جاء في الكتاب والسنة، كأسمائهم، وصفاتهم، ووظائفهم، ونحو ذلك.   قال ابن القيم: «أكثر المؤمنين إنما عندهم إيمان مجمل، وأما الإيمان المفصل بما جاء به الرسول معرفةً، وعلماً، وإقراراً، ومحبة، ومعرفة بضده، وكراهيته، وبغضه، فهذا إيمان خواص الأمة، وخاصة الرسول، وهو إيمان الصدِّيق وحزبه»[3].   قوله: «الإيمان بوجود الملائكة»: أي يجب الإقرار، والتصديق الجازم بأن الملائكة موجودون في السماوات، والأرض.   ومن الأدلة على ذلك: قول الله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ﴾ [غافر: 7].
وقول الله تعالى: ﴿ تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الشورى: 5] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ[4] فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ وَصَلَاةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ»[5].   وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «المَلَائِكَةُ تُصَلِّي[6] عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ، مَا لَمْ يُحْدِثْ[7]، تَقُولُ: اللهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ»[8].   وعن أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهما، أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عز وجل إِلَّا حَفَّتْهُمُ الملَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ»[9].   فهذه النصوص تدل على أن الملائكة موجودون في السماوات والأرض.   وأنهم كثير لا يعلم عددَهم إلا الله: أي يجب الإقرار، والتصديق الجازم بأن الملائكة عددهم كثير، لا يعلمه إلا الله عز وجل.   ومن الأدلة على ذلك: قول الله تعالى: ﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾ [المدثر: 31]، أي من كثرتهم[10].   قال ابن كثير في تفسير الآية: «أي ما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو تعالى؛ لئلا يتوهم متوهم أنهم تسعة عشر فقط، كما قد قاله طائفة من أهل الضلالة والجهالة، ومن الفلاسفة اليونانيين»[11].   وعَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في حديث الإسراء: «ثُمَّ رُفِعَ لِي الْبَيْتُ المعْمُورُ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا هَذَا؟ قَالَ: هَذَا الْبَيْتُ المعْمُورُ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا مِنْهُ لَمْ يَعُودُوا فِيهِ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ»[12].   وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ، وَأَسْمَعُ مَا لَا تَسْمَعُونَ أَطَّتِ السَّمَاءُ، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًا للهِ»[13].   والأطيط صوت الأقتاب، أي أن كثرة ما فيها من الملائكة قد أثقلها حتى أطَّت، وهذا مَثَلٌ، وَإِيذَانٌ بكثرة الملائكة[14].   وعَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا»[15].   وفي هذا أعظم دليل على كثرة الملائكة صلوات الله وسلامه عليهم[16].


[1]صحيح: رواه مسلم (2996). [2] متفق عليه: رواه البخاري (50)، ومسلم (8)، واللفظ له. [3]انظر: الفوائد، لابن قيم الجوزية، ص (106). [4] يتعاقبون: تأتي طائفة بعد طائفة.
[انظر: شرح صحيح مسلم، للنووي (5/ 133)]. [5]متفق عليه: رواه البخاري (555)، ومسلم (632). [6] تصلي: أي تدعو بالمغفرة، والرحمة.
[انظر: التمهيد، لابن عبد البر (19/ 39)]. [7] ما لم يحدث: أي ما لم ينتقض وضوءه.
[انظر: التمهيد، لابن عبد البر (19/ 39)]. [8] متفق عليه: رواه البخاري (445)، ومسلم (649). [9]صحيح: رواه مسلم (2700). [10] انظر: تفسير الطبري (24/ 32). [11] انظر: تفسير ابن كثير (8/ 270). [12] متفق عليه: رواه البخاري (3207)، ومسلم (164). [13] حسن: رواه الترمذي (2312)، وابن ماجه (4190)، وأحمد (21516)، وحسنه الألباني. [14] انظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير (1/ 54). [15] صحيح: رواه مسلم (2842). [16] انظر: شرح صحيح مسلم، للنووي (2/ 225).



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣