أرشيف المقالات

جهر المنفرد والمسبوق في صلاة الفرض الجهرية

مدة قراءة المادة : 18 دقائق .
2جهر المنفرد والمسبوق في صلاة الفرض الجهرية
إذا صلى المنفرد أو المسبوق المغرب والعشاء والفجر فهل يجهر بالقراءة أو يسرُّ بها؟ أهل العلم لهم في هذه المسألة - في الجملة - قولان: قول بالجهر وقول بالإسرار. القول الأول: يجب الجهر: مذهب المالكية [1]. الدليل الأول: في حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه: «صَلُّوا كَما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» [2].   الدليل الثاني: عن نافع، أنَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان «إذا فاته شيء من الصلاة مع الإمام، فيما جهر فيه الإمام بالقراءة» أنَّه إذا سلم الإمام، قام عبد الله بن عمر رضي الله عنهما «فقرأ لنفسه فيما يقضي، وجهر» [3].   وجه الاستدلال: جهر النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب والعشاء والفجر وأمرنا بمتابعته وهكذا فعل الصحابة رضي الله عنهم[4].   الرد: المتابعة قد تكون واجبة وقد تكون مستحبة ومن ذلك الجهر في الصلاة الجهرية لما يأتي أنَّ الواجب القراءة والجهر قدر زائد عنها.   الدليل الثالث: عن معاذ رضي الله عنه مرفوعاً: «مَنْ صَلَّى مِنْكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَجْهَرْ بِقِرَاءَتِهِ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي بِصَلَاتِهِ، وَتَسْمَعُ لِقِرَاءَتِهِ، وَإِنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي الْهَوَاءِ، وَجِيرَانَهُ مَعَهُ فِي مَسْكَنِهِ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، وَيَسْتَمِعُونَ قِرَاءَتَهُ...
»
.   الدليل الرابع: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: «من صلى منكم من الليل فليجهر بقراءته، فإنَّ الملائكة تصلي وتسمع لقراءته، وإنَّ مسلمي الجن الذين يكونون في الهواء وجيرانه الذين يكونون في مسكنه يصلون يقبلون بصلاته...
»
. وجه الاستدلال: فيهما الأمر بالجهر بالقراءة. الرد: الحديث والأثر منكران.   الدليل الخامس: القضاء يحكي الأداء فلا يخالفه في الوصف[5]. الرد: تقدم أنَّ الجهر قدر زائد عن القراءة.   الدليل السادس: يسمع أذنيه ويوقظ قلبه لتدبير الكلام وتفهم المعاني ولا يكون ذلك إلا في الجهر[6]. الرد: الخشوع لب الصلاة وعليه الثواب لكنَّه ليس بواجب.   القول الثاني: يكره الجهر: قول للحنابلة [7]. الدليل: القياس المنفرد على المأموم [8]. الرد: قياس مع الفارق فهو غير مأمور بالإنصات [9].
ويأتي قياس المنفرد على الإمام.   القول الثالث: يخيير بين الجهر والإسرار: روي عن طاوس بن كيسان [10] واختلفوا في الأفضل على قولين: قول: الأفضل الإسرار: قول للحنابلة [11]. الدليل: لأنَّه يراد من الجهر إسماع غيره [12]. الرد: ليست حكمة الجهر مختصة بإسماع غيره فبالجهر ينتفع المصلي وغيره.   قول: الأفضل الجهر: مذهب عبد الله بن عمر رضي الله عنه ونسبه إبراهيم النخعي للتابعين [13] وقال به الحسن البصري [14]وعمر بن عبد العزيز [15]وعبيد بن عمير الليثي[16] وهو مذهب الأحناف ([17]) والشافعية ([18]) وقول للحنابلة [19].   الدليل الأول: في حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه: «صَلُّوا كَما رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي»   الدليل الثاني: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صَلاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بفاتحة الكتاب» [20].   الدليل الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ صَلَّى صَلاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلاثًا غير تمام» [21].   وجه الاستدلال: جهر النبي صلى الله عليه وسلم في المغرب والعشاء والفجر وأمرنا بمتابعته لكن هذه المتابعة على سبيل الندب فالواجب قراءة الفاتحة والجهر قدر زائد عن القراءة فهو صفة لها.   الدليل الرابع: عن معاذ رضي الله عنه مرفوعاً: «مَنْ صَلَّى مِنْكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَجْهَرْ بِقِرَاءَتِهِ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُصَلِّي بِصَلَاتِهِ، وَتَسْمَعُ لِقِرَاءَتِهِ، وَإِنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ الَّذِينَ يَكُونُونَ فِي الْهَوَاءِ، وَجِيرَانَهُ مَعَهُ فِي مَسْكَنِهِ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، وَيَسْتَمِعُونَ قِرَاءَتَهُ...
»
.   الدليل الخامس: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، قال: «من صلى منكم من الليل فليجهر بقراءته، فإنَّ الملائكة تصلي وتسمع لقراءته، وإنَّ مسلمي الجن الذين يكونون في الهواء وجيرانه الذين يكونون في مسكنه يصلون يقبلون بصلاته، ويستمعون لقراءته...
»
.   وجه الاستدلال: أُمِر من صلى منفرداً أن يجهر بقراءته [22]. الرد: الحديث والأثر منكران.   الدليل السادس: القضاء يحكي الأداء فلا يخالفه في الوصف.

الدليل السابع: الجهر والإسرار صفة للذكر فيستوي حكمه في الجماعة والانفراد قياساً على جميع الأذكار [23].   الدليل الثامن: قياس المنفرد على الإمام لاشتراكهما في الحاجة إلى الجهر لتدبر القراءة بل المنفرد أولى؛ لأنَّه أكثر تدبراً لها لعدم ارتباط غيره به وقدرته على إطالة القراءة وترديدها للتدبر[24].   الدليل التاسع: المنفرد إمام نفسه فيجهر بالقراءة[25]. الترجيح: الذي يترجح لي أنَّ المنفرد والمسبوق إذا قام لإتمام صلاته يستحب لهما الجهر في صلاة الفرض الجهرية لما تقدم، والله أعلم.


[1] قال ابن عبد البر في الكافي ص: (43،49) ويجهر فيما يجهر فيه إن كان ليلاً.
وكذلك صلاة الصبح والجمعة والإسرار فيما يسر فيه من صلاة النهار...
ثم سلم إمامه قام...
ثم يقرأ بأم القرآن وسورة ويسر في الظهر والعصر ويجهر في العشاء... وقال القاضي عبد الوهاب في التلقين ص: (31) المصلون ثلاثة إمام ومأموم ومنفرد...
والذي ينفرد به الإمام والمنفرد وجوب القراءة والجهر بها وسجود السهو وفعل التسليم الواحد. وانظر: شرح التلقين (2/ 579) وروضة المستبين شرح التلقين (1/ 347). [2] رواه البخاري (631). [3] رواه مالك (1/ 81) - وعنه عبد الرزاق (3170) - عن نافع، أنَّ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان: فذكره وإسناده صحيح. [4] انظر: روضة المستبين شرح التلقين (1/ 347). [5] انظر: تبيين الحقائق (1/ 327). [6] انظر: التاج والإكليل (2/ 372). [7] انظر: الفروع (1/ 424) والإنصاف (2/ 56). [8] انظر: الفروع (1/ 424). [9] انظر: المبدع (1/ 444). [10] رواه ابن أبي شيبة (1/ 363) حدثنا حفص بن غياث، قال: حدثنا ليث، عن طاووس، قال: «من فاته شيء من صلاة الإمام، فإن شاء جهر، وإن شاء لم يجهر» إسناده ضعيف. ليث بن أبي سليم ضعيف قال ابن حجر: صدوق اختلط جداً ولم يتميز حديثه فترك. [11] قال المرداوي في الإنصاف (2/ 56) المنفرد والقائم لقضاء ما فاته مع الإمام، يخير بين الجهر والإخفات، على الصحيح من المذهب، ونقل الأثرم وغيره: يخير، وتركه أفضل قال الناظم: هذا أقوى: وكذا قال الزركشي: هذا المذهب، وقيل: يجهر في غير الجمعة، ذكره في الحاوي وغيره، وعنه يسن الجهر، وقيل: يكره، وقاله القاضي في موضع.
قلت [القائل المرداوي]: الذي يظهر أنَّ محل هذا الخلاف في قضاء ما فاته، على القول بأنَّ ما يدركه مع الإمام آخر صلاته، وما يقضيه أولها فأمَّا على القول بأنَّ ما يقضيه آخرها، فإنَّه يسر قولاً واحداً. وقال في الاقناع وشرحه كشاف القناع (1/ 343) (ويخير منفرد وقائم لقضاء ما فاته بعد سلام إمامه بين جهر) بالقراءة (وإخفات) بها، لأنَّه يراد منه إسماع غيره ولا استماعه، بخلاف الإمام والمأموم. وانظر الفروع (1/ 424) والمبدع (1/ 444). [12] انظر: كشاف القناع (1/ 343) ومعونة أولي النهى (2/ 125). [13] رواه ابن أبي شيبة (1/ 363) حدثنا أبو أسامة، عن مفضل بن مهلهل، عن مغيرة، عن إبراهيم، قال: «كانوا يستحبون لمن سبق ببعض الصلاة في الفجر أو المغرب أو العشاء إذا قام يقضي، أن يجهر بالقراءة، كي يعلم من لا يعلم أنَّ القراءة فيما يقضى» إسناده صحيح. أبو أسامة هو حماد بن أسامة والمغيرة هو ابن مقسم. [14] رواه ابن أبي شيبة (1/ 363) حدثنا أبو الأحوص، عن عاصم، عن الحسن ؛ في الرجل يصلي المغرب وحده، قال: «يسمع قراءته أذنيه» إسناده صحيح. أبو الأحوص هو سلام بن سليم.
وعاصم هو ابن سليمان الأحول. ورواه ابن أبي شيبة (1/ 364) حدثنا حفص، عن هشام، عن الحسن، قال: «صلاة النهار عجماء، وصلاة الليل تسمع أذنيك» رواته ثقات. هشام بن حسان القردوسي ثقة لكن في روايته عن الحسن مقال لأنَّه قيل كان يرسل عنه.
وحفص هو ابن غياث. [15] رواه ابن أبي شيبة (1/ 363) حدثنا حفص، عن أبي العميس، قال: قال عمر بن عبد العزيز: «اصنعوا مثل ما صنع الإمام» رواته ثقات. ح حدثنا أبو أسامة، عن أبي العميس، عن المغيرة بن حكيم، عن عمر بن عبد العزيز ؛نحوه.
إسناده صحيح. أبو أسامة هو حماد بن أسامة وأبو العميس هو عتبة بن عبد الله المسعودي. [16] رواه ابن أبي شيبة (1/ 363) حدثنا ابن عيينة، عن عمرو قال: «فاتت عبيد بن عمير ركعة من المغرب، فسمعته يقرأ: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى ﴾ [الليل: ١]» إسناده صحيح. ورواه البيهقي (2/ 299) أخبرنا أبو بكر بن الحارث الفقيه أخبرنا أبو محمد بن حيان حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن حدثنا موسى بن عامر حدثنا الوليد قال وأخبرني ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير: «أنَّه فاتته ركعة من المغرب، فلما سلم الإمام قام حتى رفع صوته بالقراءة، فكأنِّى أسمع قراءته: ﴿ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى ﴾ » ورواته ثقات. فرواه سفيان بن عيينة وابن جريج عن عمرو بن دينار الأثرم فجعلاه عن عبيد بن عمير الليثي وهو من كبار تابعي مكة وقاصها. ورواه عبد الرزاق (3172) عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار، «أنَّ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، فاتته ركعة من المغرب الأولى منهن، وأنَّه أخبره رفع صوته بالقراءة في الآخرة الثالثة» قال: " كأنِّي أسمع إلى قوله: ﴿ نَارًا تَلَظَّى ﴾ " ففي رواية عبد الرزاق عن ابن جريج جعله عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ويغلب على ظني أنَّ في السند تصحيفاً والله أعلم. [17] قال القدوري في مختصره مع الجوهرة النيرة (1/ 151) (ويجهر بالقراءة في الفجر وفي الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء إن كان إماماً)...
(وإن كان منفرداً فهو مخير إن شاء جهر وأسمع نفسه) قال الزبيدي: والأفضل هو الجهر ليكون الأداء على هيئة الجماعة...
ومن فاتته العشاء فصلاها بعد طلوع الشمس إن أمَّ فيها جهر وإن صلى وحده خافت حتماً ولا يتخير وهو الصحيح؛ لأنَّ الجهر يختص إمَّا بالجماعة حتماً أو بالوقت في حق المنفرد على وجه التخيير ولم يوجد واحد منهما. وقال ابن نجيم في البحر الرائق (1/ 587): في السراج الوهاج، ولو سبق رجل يوم الجمعة بركعة، ثم قام لقضاء ما فاته كان بالخيار إن شاء الجهر، وإن شاء خافت كالمنفرد في صلاة الفجر. وانظر: المحيط البرهاني (1/ 300) وتبيين الحقائق (1/ 327) البناية (2/ 345) والجوهرة النيرة (1/ 151) والدر المختار وحاشية ابن عابدين (2/ 251). [18] قال الرملي في نهاية المحتاج (1/ 493) يسن لكل من إمام ومنفرد جهر في صبح وأوليي مغرب وعشاء وإمام في جمعة للاتباع، والإجماع في الإمام، وقيس عليه المنفرد، ويسر كل منهم فيما سوى ذلك، ثم ما تقرر في المؤداة أما الفائتة فالعبرة فيها بوقت القضاء فيجهر من غروب الشمس إلى طلوعها ويسر فيما سوى ذلك، وعلم من ذلك أنَّه لو أدرك ركعة من الصبح قبل طلوع الشمس ثم طلعت أسر في الثانية وإن كانت أداء وهو الأوجه. وقال النووي في روضة الطالبين (1/ 378) ما يدركه المسبوق أول صلاته، وما يفعله بعد سلام الإمام آخرها، حتى لو أدرك ركعة من المغرب، فإذا قام لإتمام الباقي، يجهر في الثانية... وانظر: الحاوي (2/ 149) وأسنى المطالب (1/ 149) ومغني المحتاج (1/ 235). [19] انظر: الفروع (1/ 424) والمبدع (1/ 444) والإنصاف (2/ 56) ومعونة أولي النهى (2/ 125). [20] رواه البخاري (789) ومسلم (392). [21] رواه مسلم (395).
والخداج: النقصان. [22] انظر: حاشية ابن عابدين (2/ 251). [23] انظر: الحاوي (2/ 149). [24] انظر: الحاوي (2/ 150) وأسنى المطالب (1/ 150). [25] انظر: اللباب في شرح الكتاب (1/ 75).



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن