أرشيف المقالات

الصلاة (فوائد من مصنفات العلامة ابن عثيمين رحمه الله)

مدة قراءة المادة : 20 دقائق .
2الصلاة (فوائد من مصنفات العلامة ابن عثيمين رحمه الله)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، فلا يخفى على كل مسلم أهمية الصلاة ومكانتها في دين الإسلام، وقد اهتم العلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمة الله ببيان ذلك في دروسه ومحاضراته ومصنفاته، وأفرد لها كتابين: الأول: "حكم تارك الصلاة"، أورد فيه الأدلة على بيان أن من ترك الصلاة تهاونًا وكسلًا، فإنه يكفر كفرًا مخرجًا من الإسلام، وأجاب على أدلة القائلين بعدم كفره.

الكتاب الثاني: "صفة الصلاة"، وقد ذكر رحمه الله في مقدمة الكتاب أنه اختار هذا الموضوع لأمرين: الأول: أهميته الشرعية؛ حيث إن الصلاة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين. الثاني: أن كثيرًا من المسلمين اليوم تهاونوا في كثير من أمور الصلاة.
وقد تضمن الكتاب: الكلام عن معنى الصلاة، ومتى وأين فرِضت، وبيان أهميتها، وفضلها، والتحذير من إضاعتها، وبيان حكم تاركها، وبعض شروطها، وصفتها على ضوء الكتاب والسنة، وبيان الواجب فيها، وحكم صلاة الجماعة، وبيان بعض أحكامها.
وللشيخ رحمه الله كلام كثير عن الصلاة في عددٍ من مصنفاته، وقد اخترتُ بعضًا منه، أسأل الله الكريم أن ينفع به، ويبارك فيه.

من فوائد الصلاة: قال الشيخ رحمه الله: فوائد الصلاة كثيرة لا يُمكن حصرها، فمن فوائدها: 1- أن بها قُرَّة العين وطُمأنينة القلب وراحة النفس، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (حُبِّب إليَّ من الدنيا النساء والطِّيبُ، وجُعلت قُرَّةُ عيني في الصلاة)، وكان يقول: (قُم يا بلالُ، فأرحنا بالصلاة).

2- أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر إذا صلاها الإنسان على الوجه الذي أُمر به؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ [العنكبوت: 45].

3- أنها عون للإنسان على أمور دينه ودنياه؛ قال الله تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ﴾ [البقرة: 45]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر، صلَّى؛ أي: إذا أهمَّه أمرٌ.

4- ما رتَّب الله عليها من الأجر العظيم والخير الكثير؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خمسُ صلواتٍ كتبهنَّ الله على العباد، فمن جاء بهنَّ لم يُضيِّع منهنَّ شيئًا استخفافًا بحقِّهنَّ، كان له عند الله عهد أن يدخلَه الجنة).

وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يومًا، فقال: (مَن حافظ عليها كانت له نورًا وبرهانًا، ونجاة يوم القيامة، ومَن لم يُحافظ عليها لم يكن له نورٌ، ولا برهانٌ، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون، وفرعون، وهامان، وأُبي بن خلف)؛ رواه أحمد بإسناد جيد، فمن حافظ على هذه الصلوات وأدَّاها على الوجه المشروع، كانت له نورًا وبرهانًا، ونجاةً يوم القيامة.
5- أنها كفارة لصغائر الذنوب وتطهير من الخطايا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسلُ منه كلَّ يوم خمس مراتٍ، هل يبقى من درنه شيء؟)، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: (فذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهنَّ الخطايا)؛ رواه البخاري ومسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: (الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارة لما بينهن، ما لم تُغْشَ الكبائرُ)؛ فهذه الصلوات الخمس تغسل الذنوب لمن صلى، فيكون نقيًّا بها من الذنوب.
6- ما يحصل في صلاة الجماعة من اجتماع المسلمين عليها في مكان واحد، وحصول التعارف والتآلف بينهم، وتعليم الجاهل، وتنبيه الغافل، وإظهار الشعائر الإسلامية وغيرها من المصالح العظيمة.
7- أنها صلة بين المصلي وربه، فالمصلي إذا قام في صلاته استقبله الله بوجهه، (فإذا قال العبد: الحمدُ لله ربِّ العالمين؛ قال الله تعالى: (حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثني عليَّ عبدي، وإذا قال: ملك يوم الدين، قال: مجَّدني عبدي، وقال مرة: فوَّض إلي عبدي، فإذا قال: إياك نعبدُ وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدني، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الصراط المستقيم، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).

فهل تجد صلة أقوى من تلك الصلة، يُجيبك ربك على قراءتك آيةً آيةً وهو فوق عرشه، وأنت في أرضه؛ عنايةً بصلاتك وتحقيقًا لصلاتك؟! وما ذكرناه من هذه الفضائل ليس على سبيل الاستيعاب، ولكنه قليل من كثير.
من فوائد صلاة الجماعة: قال الشيخ رحمه الله: حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (صلاةُ الجماعة تفضلُ صلاة الفذَّ بسبع وعشرين درجة).   الإنسان لو يرى أنه يربح في السلعة 10%، لكان يُبادر إلى شرائها، ويبادر إلى تصريفها، ويُتعب بدنه وعقله وفكره في ذلك، والربح 10%، وهو ربح قابل للزوال، بل لا بدَّ أن يزول، فمالُك الذي بيدك لا بدَّ أن يزول، أو تزول أنت عنه، فلا يمكن أن تُخلَّد له أو يُخلَّد لك.   وسبع وعشرون درجة في صلاة الجماعة، كم الربح في المائة؟ فهذا فرق عظيم، ومع ذلك هذا الثواب يبقى، وتجده في يوم أنت أحوج ما تكون إليه، ومن المؤسف أن كثيرًا من الناس يتهاونون مع هذا الفضل العظيم.   ثم إنَّ صلاة الجماعة فيها تنشيط للإنسان، فالإنسان إذا صلى مع الجماعة صار أنشط له، والصلاة مع الجماعة فيها حفظ الصلاة؛ لأن الإنسان إذا صلى مع الجماعة سوف يصلي مع إمام يراعي السنة في القراءة، في الركوع، في السجود، في القيام، في القعود، فيحصل على صلاة تامة، وإذا صلى وحده فإن غالب الناس إذا صلوا وحدهم لعِب بهم الشيطان، ونقروا الصلاة كنقر الغراب.   وصلاة الجماعة فيها الأُلفة بين المسلمين، فيتآلفون، ويتحابون، ويرشد بعضهم بعضًا، ويساعد بعضهم بعضًا؛ لأن الرجل إذا كان من عادته أن يصلي مع الجماعة ثم تخلَّف، فقَده الناس، وسألوا عن حاله، وساعدوه إن كان في فقرٍ، وحاولوا أن يتطبَّبوا له إن كان مريضًا.   وفي صلاة الجماعة تعليم الجاهل، ولهذا تجد أكثر الناس الآن يصلون - والحمد لله - وهو عوام ما درسوا، لكن كيف تعلموا؟ بشهودهم الجماعة، يرون الناس يصلُّون فيصلون مثلهم، حتى الصبي الصغير يصلي كما يُصلي الناس.   وصلاة الجماعة فيها عمارة بيوت الله عز وجل التي قال الله تعالى فيها: ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [النور:36-37]، الغُدو: أول النهار، والآصال: آخره.   وصلاة الجماعة فيها كمالُ القيام بحقِّ ولاة الأمور من الأمراء وغيرهم؛ لأن هؤلاء الجماعة - ولنقل: ألف نفر - يأتَمُّون بإمام واحدٍ، فيأتمرون بأمره وينتهون عن نهيه، ويتابعونه تمامًا بدقة.
وصلاة الجماعة فيها مشابهة للمجاهدين في سبيل الله؛ كما قال عز وجل: ﴿ نَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ﴾ [الصف: 4].   وصلاة الجماعة كذلك فيها مشابهة لصلاة الملائكة في السماء؛ كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ألا تصفُّون كما تصف الملائكة عند ربها)، قالوا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: (يتمون الصفوف الأُول، ويتراصُّون في الصفوف).   وفوائدها عظيمة كثيرة، وهي من محاسن الشريعة الإسلامية، ولا يتخلف عنها إلا منافق أو مريض، أو معذور، فعليك بالجماعة تغنم وتسلَم، ويستنير قلبُك، وتلقى ربَّك وهو راضٍ عنك، أسأل الله لي ولكم الهداية والتوفيق لما يحبُّ ويرضى.   الصلاة نور للعبد في قلبه، وفي وجهه، وفي قبره، وفي حشره: قال الشيخ رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة نور)، فالصلاة نور للعبد في قلبه، وفي وجهه، وفي قبره، وفي حشره، ولهذا تجد أكثر الناس نورًا في الوجوه أكثرهم صلاة، وأخشعهم فيها لله عز وجل.   وكذلك تكون نورًا للإنسان في قلبه تفتح عليه باب المعرفة لله عز وجل، وباب المعرفة في أحكام الله وأفعاله وأسمائه وصفاته.   وهي نور في قبر الإنسان؛ لأن الصلاة عمود الإسلام إذا قام العمود قام البناء، وإذا لم يقم العمود فلا بناء.   كذلك نور في حشره يوم القيامة، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم: (أن من حافظ عليها كانت له نورًا ونجاةً وبرهانًا يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا، ولا نجاة يوم القيامة، وحُشر مع فرعون وهامان وقارون وأبُي بن خلف)، فهي نور للإنسان في جميع أحواله، وهذا يقتضي أن يحافظ الإنسان عليها، وأن يحرِص عليها، وأن يُكثر منها؛ حتى يكثُر نوره وعلمه وإيمانه.   انتظار الصلاة بالقلب والبدن: قال الشيخ رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (انتظار الصلاة بعد الصلاة)، الانتظار يكون بالبدن ويكون بالقلب. أما البدن فيبقي في مكان صلاته حتى تأتي الصلاة الأخرى، وأما بالقلب فيكون كلما انتهى من صلاة إذا هو ينتظر الصلاة الأخرى متى تأتي؟ ليقف بين يدي ربه؛ لأنه يحب الصلاة، قد جعل الله قرة عينه في الصلاة، وهذا دليل على إيمانه؛ لأن الصلاة إيمان.   الخشوع في الصلاة: أهميته وسبله وثماره: قال الشيخ رحمه الله: أهمية الخشوع في الصلاة من وجهين: الأول: أنه كمال للصلاة، بل هو لُبُّ الصلاة وروحها، والخشوع يعني حضور القلب، بحيثُ إن الإنسان يكون حال الصلاة، وهو يقرأ، ويركع ويسجد مُستحضرًا هذه العبادة العظيمة، فلا يفعل هذه الأشياء وقلبه في مكان بعيدٍ.   الوجه الثاني: أن الخشوع في الصلاة أكثر ثوابًا، وقد امتدح الله عز وجل الذين هم في صلاتهم خاشعون.   أما ما يعين على الخشوع، فهو أن الإنسان يُفرغُ قلبه إذا أقبل على الصلاة تفريغًا كاملًا، ويشعرُ بأنه واقف بين يدي الله عز وجل، وأن الله عز وجل يعلم ما في قلبه، كما يعلم تحرُّكاته في بدنه، ليس كالملوك؛ إذ يُمكن أن تقف أمام ملك الدنيا مُتأدبًا بظاهرك، وقلبك في كُلِّ مكان، وهو لا يعلم، لكن الله عز وجل يعلم ظاهرك وباطنك، فاستحضر أنك بين يدي الله، وإذا قُلت: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، استحضر أن الله يجيبك.   فمن أكبر العون على الخشوع ما يلي: أولًا: أن يعتقد الإنسانُ أنه واقف بين يدي ربه.   ثانيًا: أن يعتقد أن الخشوع من كمال الصلاة، وأن الإنسان ربما ينصرف من صلاته، وما كُتِب له منها إلا نصفها، أو ربعها، أو عشرها.   ثالثًا: أن يعتقد كثرة الثواب بالخشوع. وقال رحمه الله: الإنسان إذا أدى الصلاة بخشوع وحضور قلب، فإنه يجد من نفسه وهو ساجد، أو يشعر وهو ساجد أنه قريب من الله يدعوه ويناجيه، وهو أيضًا يشعر بأن الله تبارك وتعالى فوق كل شيء، أنه قريب منه، وأنه فوق كل شيء.
الصلاة قرة عين لمن يؤديها حقيقةً: قال رحمه الله: إذا تعود الإنسانُ على إكثار الصلاة صارت قُرَّة عينه، وصار يألفها دائمًا، ولكننا نعنى بالصلاة الصلاة الحقيقية التي تكون صلة بين الإنسان وبين ربه؛ بحيث إذا دخل في صلاته لا يلتفت قلبُهُ إلى شيء من الدنيا، بل يلتفت إلى الله وحده، إن كبَّر استشعر عظمة الله عز وجل وكبرياءه، وإن قرأ القرآن الكريم الفاتحة أو غيرها، استشعر بأنه يتلو كتاب ربِّ العالمين الذي تكلم به لفظًا ومعنًى، وإن ركع استشعر أنه يخضع لله عز وجل، وإن سجد استشعر أنه يُنزِّل أعلى ما في جسده وأشرافه إلى مهبط القدمين وموضع الأقدام، تواضعًا لله عز وجل.

الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر ينبغي إعادة النظر فيها: قال الشيخ رحمه الله: الصلاة لها فوائد كثيرة، فوائد دينية وفوائد دنيوية؛ أما الفوائد الدينية، فمنها قول الله تبارك وتعالى: ﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ﴾ [العنكبوت: 45]، هذه فائدة عظيمة، إذا صلى الإنسان صلاة أتمها، فإنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر؛ أي: تُوجب أن يبغض الرجل كلَّ فحشاء وكلَّ منكر.
ولا تشكَّ إذا صليت ولم تجد في قلبك كراهة للمنكر، أو حبًّا للمعروف، لا تشكَّ في الآية، الآية محكمة، خبر من لدن حكيم خبير، لكن شك في صلاتك؛ لأن الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، هي الصلاة التي تُقام على ما ينبغي، ولهذا قال: ﴿ أَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ ﴾؛ يعني: التي تُقيمها، تنهى عن الفحشاء والمنكر.
قال بعض السلف: من لم تنْهَه صلاتُه عن الفحشاء والمنكر، لم يَزْدَدْ بها من الله إلا بُعدًا، نسأل الله العافية، فعليك بإقامة الصلاة، أحضِر قلبك، وأدِّ ما فيها من واجبات؛ سواء كانت ركنًا، أو شرطًا أو واجبًا، وكمِّلها بالسُّنن حتى تؤتى ثمارها.

من أسباب التهاون في الصلاة: سئل الشيخ رحمه الله: يتهاون كثير من الناس اليوم في الصلاة، فما هي الأسباب في نظركم؟ فأجاب: أسباب ذلك متعددة كثيرة، من أهمها وأعظمها: اتباع الشهوات، ولهذا قرن تبارك وتعالى إضاعة الصلاة باتباع الشهوات، فقال سبحانه: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ ﴾ [مريم: 59، 60].   ومن أسبابها: جهل الناس بحقيقة هذه الصلاة، جهلهم بأهميتها، جهلهم بفوائدهم، جهلهم بفضائلها، جهلهم بثوابها، جهلهم بمرتبتها عند الله عز وجل، إلى غير ذلك من الأمور التي أوجبت لكثير منهم الاستهانة بها.   ومن أسباب التهاون في الصلاة أن كثيرًا من المصلين إذا صلوا، إنما يصلونها - نسأل الله لنا ولهم العفو والعافية - كعمل روتيني، عمل جارحي؛ أي: عمل جوارح فقط، لا عمل قلب، فلا تكاد تجد عندهم خضوعًا، ولا خشوعًا، ولا ذُلًّا بين يدي الله عز وجل، ولا استحضارًا لما يقولون في صلاتهم، ولا استحضارًا لما يفعلون، فلهذا يخرجون من الصلاة لم يستفيدوا منها شيئًا، لم يحصل لقلوبهم نور، ولم يحصل لإيمانهم زيادة، ولم يحصل منهم انتهاء عن الفحشاء والمنكر، كل ذلك لأنهم يصلون صلاة جسد بلا روح، ولو أنهم أعطوا الصلاة حقَّها من الخشوع، وحضور القلب، والإنابة إلى الله، وشعور الإنسان بأنه واقف بين يدي ربه - لكان أحبَّ الصلاة وألِفها، ويهوي قلبُه إليها، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (جُعلت قرةُ عيني في الصلاة).   الصلاة بالجسم فقط صلاة ناقصة: قال الشيخ رحمه الله: يا إخوان، أكثر أوقاتنا نُصلِّي ولا نصلِّي، يصلِّي الإنسانُ وجسمه في مُصلاه في مسجده، لكن قلبه في كل وادٍ يفكر بهاجسٍ، يبيع، ويشتري، ويحرث، ويستأجر، ويؤجِّر، ويرهنُ، ويرتهن، فهذا لم يصلِّ كما ينبغي، ولهذا جاء في الحديث: (إن الرجل لينصرفُ وما كُتب له إلا عُشر صلاته، تُسُعُها، ثُمُنُها، سُبُعُها، سُدُسُها خُمُسُها رُبُعُها، ثُلُثُها نصفها)، كلها راحت بسبب الهواجس، والله سبحانه وتعالى يعلم ما في قلوبنا، فإذا لم تُصلِّ قلوبنا قبل أجسامنا، فصلاتنا ناقصة، أسألُ الله أن يعاملني وإياكم بعفوه، وأن يجعلنا ممن يقولُ ويفعل.

ما يجبر النقص في الصلاة: قال الشيخ رحمه الله: هذه الصلاة العظيمة كلنا في الحقيقة - نسأل الله أن يعاملنا بعفوه - كلنا في صلاته نقص، فهل لها من جابر خارجي؟ نقول نعم: السنن الرواتب، والسنن الرواتب اثنتا عشرة ركعةً: أربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان قبل المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، أما العصر فلا رتبة لها: لا قبلها ولا بعدها.
إذا صليت في يوم بنى الله لك بيتًا في الجنة دائمًا لا يتغير، ولا يفنى، وليس فيه خلل ولا نقص، وأنت كذلك لا تفنى، ولا تمرض، ولا تبغي عنه حولًا، ستبقى فيه أبد الآبدين.
الله أكبر، الآن عندما تريد أن تبني بيتًا، فلن يكتمل بناؤه في يوم واحد أبدًا، لا يكمل إلا في سنة أو في ستة أشهر حسب البناء بعد تعبٍ وعناء، ومشاكل مع العمال والمقاولين، وإذا بُنِي البيت فهو مُعرض للخطأ، ومُعرض للخطر والانهدام والاحتراق، ثم إذا كمل، فالنهاية أن الإنسان يزول عنه.
لكن مع الآسف قلوبنا تحب العاجلة؛ ﴿ كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ * وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ ﴾ [القيامة: 20، 21].

فحافظ عليها يا أخي، وإذا فاتتك التي قبل الصلاة، فصلِّها بعد الصلاة؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى الرواتب.
آكد هذه الرواتب راتبة الفجر، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصليها حضرًا وسفرًا، والأفضل أن تصلى الراتبة في البيت.
عذاب من لا يصلون في قبورهم: قال الشيخ رحمه الله: مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة بقبرين، فكُشف له صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها يُعذبان، فقال: (إنهما ليعذبان)، أكَّد هذه الجملة بمؤكدين، وهما: (إنَّ) واللام، يعني أكَّد أنهما يعذبان؛ لأن المقام يقتضي التأكيد؛ لأن عذابهما أمر غيبي، فصار الإخبار عنه مؤكدًا.   أما أحدهما، فكان لا يستنزه من البول، ما يبالي يطالُ الثوب البول ثوبه، فلا يطهره، ويطال فخِذه فلا يطهره، ويصيب مُصلاه فلا يطهره، ولا يهتم بأن يُعذب من أجل ذلك، وإذا كان عُذِّب من أجلِ أنه لا يستنزه من البول، والاستنزاه من البول من شروط الصلاة، فكيف يكون من لا يُصلي؟! أيستحق العذاب أو لا؟   يستحق العذاب من باب أولى، وقد حدثنا بأشياء عجيبة فيمن ماتوا وهم لا يصلُّون، شاهدها الناسُ بأعينهم، منها ما يُقبل ومنها ما لا يقبل، لكن لا شكَّ أن الله قد يظهر من آياته ما يدلُّ على الأحكام الشرعية، كما أظهر الله نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم على هذين الرجلين.   وختامًا أسأل الله الكريم أن يوفقنا وجميع المسلمين لإقامة الصلاة، وأدائها كاملة، بقلوبنا قبل أجسامنا؛ حتى نخرج منها وقد استفدنا منها، واستنارت قلوبنا، وظهر أثرُ ذلك على جوارحنا، وكانت زادًا لنا على تحمُّل ما يحصل لنا في هذه الدنيا من متاعب ومصاعبَ، كما أساله أن يعاملنا بعفوه، وأن يرحمنا، وألا يكلنا لأنفسنا طرفةَ عينٍ، أو أقل من ذلك!   كتب الشيخ التي تم الرجوع إليها: ♦ التعليق على صحيح البخاري. ♦ التعليق على صحيح مسلم. ♦ شرح رياض الصالحين. ♦ شرح مشكاة المصابيح. ♦ صفة الصلاة. ♦ لقاءات الباب المفتوح. ♦ فتاوى نور على الدرب.




شارك الخبر

ساهم - قرآن ١