أرشيف المقالات

شرح البيقونية: المقدمة وأقسام الحديث

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2شرح البيقونية: المقدمة وأقسام الحديث   بسم الله الرحمن الرحيم أبدأ بالحمد مصليًا على *** محمدٍ خير نبي أُرسلا   • قيل: إن المصنف بدأ بالحمد، والبسملة من فعل النسَّاخ وليس من الناظم.   • البسملة ربما وضعها الناظم، فبدأ بالبسملة ثم بدأ بالحمد؛ ليكون بداية بعد بداية، أو بالنظر إلى الدخول في المنظومة، فكان البدء فيها بالحمد.   وربما بدأ بالحمد تشبهًا بخطبة الحاجة، فقد سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقدم بخطبة الحاجة بين يدي كل أمر[1].   ومعنى الحمد: هو وصف المحمود بالكمال محبةً وتعظيمًا. وقد قيَّد العلماء الحمد بأنه وصف المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم؛ لكي يفرِّقوا بين الحمد والمدح؛ إذ المدح قد يصاحبه تعظيم وقد لا يصاحبه، وقد يكون في الغالب بخوف من الممدوح لا محبة له ولا تعظيمًا، لكن الحمد لا يكون غالبًا إلا مع تعظيم ومحبة للمحمود.   «مصليًا»: معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، هو طلب الثناء عليه صلى الله عليه وسلم من ربِّه سبحانه وتعالى. والصلاة من الله على النبي صلى الله عليه وسلم: الثناء عليه في الملأ الأعلى أو ذكره. وهذا القول هو قول أبي العالية[2].   وهناك قول ضعيف وهو أن الصلاة تعني الرحمة، ومما يضعف هذا القول قوله عز وجل: ﴿ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ [البقرة: 157].   ولو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لكان معنى الآية أولئك عليهم رحماتٌ من ربهم ورحمة.   وهذا لا يستقيم والأصل في الكلام التأسيس لا التأكيد، فإذا قلنا: (رحمات من ربهم ورحمة)، صار عطف مماثل على مماثل، فالصحيح القول الأول[3].   قوله رحمه الله: (محمد خير نبي أُرسلا): «محمد» اسم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن باسم محمد وأحمد: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29]، ﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ﴾ [الصف: 6].   وثبت في الصحيحين خمسة أسماء للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((أنا محمد وأحمد والماحي والحاشر والعاقب))[4].   وقد ذكر ابن القيم في «زاد المعاد» أسماءً أخرى للنبي صلى الله عليه وسلم[5].   وذكر البيهقي في مقدمة كتابه «دلائل النبوة»[6] عددًا من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم مسندة. ومعنى «محمد»: على القول بأن أصلها اسم فاعل فمعناه: أكثر الناس حمدًا. وعلى القول بأن «محمد» اسم مفعول، فمعناه: هو أحق الناس بالحمد، أو أحق الناس أن يحمد. وأما «أحمد»: فهو اسم تفضيل، ومعناه هو أحق الناس بالحمد.   قوله رحمه الله: «خير نبي أرسلا»: جمع المؤلف بين النبوة والرسالة، وكان من الممكن أن يكتفي «بالنبي»، لكن الرسالة أعم من النبوة، وكان من الممكن أن يكتفي بالرسول؛ لأن الرسول يلزمه أن يكون نبيًّا؛ لأن كل رسول نبي وليس كل نبي رسولًا.   فالجمع بين النبوة والرسالة فيه النص على النبوة، ولو لم يذكر النبوة، واكتفى بالرسالة لاستفدنا معنى النبوة عن طريق اللزوم.   قوله رحمه الله: وذي مِنَ اقسام الحديث عِدَّه *** وكل واحدٍ أتى وَحَدَّه «ذي»: اسم إشارة، «من»: للتبعيض؛ لأنه لم يستوف جميع أقسام علم الحديث[7].   أقسام الحديث: أي أنواعه. والمقصود هنا «بأقسام الحديث» علم الحديث درايةً. فعلم الحديث ينقسم إلى قسمين: علم الحديث رواية وعلم الحديث دراية: أما علم الحديث رواية، فهو ما روِي عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقريرٍ، أو صفة خلقية أو خُلقية.   أما علم الحديث دراية فهو علمٌ بقوانين يُعرف بها أحوال السند والمتن[8]، أو ((معرفة القواعد التي يتوصل بها إلى معرفة حال الراوي والمروي))[9]. قوله: «عِدَّه»؛ أي: عددًا ليس بكثير.   «وكل واحد أتى وَحَدَّه»؛ أي: إن كل قسم ذكره المؤلف، «أتى وحَدَّه»؛ أي: ومعه تعريفه والواو للمعية، «وحده» مفعولٌ معه. ومعنى «حَدَّه»: أي تعريفه. و«الحَد» بتشديد الدال من «الحَدِّ»؛ أي: «التعريف والتوضيح والبيان»[10].   «ويشترط للحد أن يكون جامعًا مانعًا، أن يكون جامعًا لصفات المحدود، مانعًا من دخول غير صفات المحدود في الحد»[11].   وقد يعبر عن ذلك، فيقال: «يشترط في الحد أن يكون مضطردًا منعكسًا؛ أي: يشترط في الحد ألا يُخرج شيئًا من غير المحدود»[12].   ومثال ذلك: لو قال في تعريف الصحيح: «أولها الصحيح وهو ما اتصل إسناده، ولم يشذ أو يعل»، ثم سكت، فهذا ليس بجامع؛ لأنه من الممكن أن يكون لم يشذ أو يعل، ومتصل الإسناد، ولكن الراوي ضعيف.   ولو قال: «أولها الصحيح وهو ما اتصل إسناده ولم يشذ أو يعل، يرويه عدلٌ عن مثله معتمدٌ في عدله»، فهذا أيضًا ليس بجامع؛ لأنه سقط الضبط منه، فهو يحتمل دخول الحسن والضعيف في الحد، فيكون ليس بجامع ولا مانع، جامع شروط الصحة، ومانع من دخول غير الصحيح في الحد[13].


[1] خطبة الحاجة أخرجها أحمد في مسنده (1/ 392) وأبو داود (2118)، والترمذي (1105)، والنسائي (3/ 104)، وابن ماجه (1892)، عن ابن مسعود رضي الله عنه. [2] ذكره البخاري تعليقًا في صحيحه (8/ 392- مع الفتح). [3] انظر شرح البيقونية ص (15) للشيخ ابن عثيمين. [4] أخرجه البخاري (3532)، ومسلم (124) عن جبير بن مطعم رضي الله عنه. [5] زاد المعاد (1/ 87) ط الرسالة. [6] دلائل النبوة (1/ 151). [7] القلائد العنبرية للزبيدي ص (22). [8] هو تعريف الإمام ابن جماعة؛ انظر تدريب الراوي. [9] وهو تعريف الحافظ ابن حجر. [10] انظر تاج العروس (2/ 331) للزبيدي. [11] التيسير والتأصيل لعبدالمنعم إبراهيم ص (40). [12] شرح البيقونية للشيخ ابن عثيمين ص (18). [13] التيسير والتأصيل ص (40-41).



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١