أرشيف المقالات

من بلاغة النهي في الأربعين النووية

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2من بلاغة النهي في الأربعين النووية
مفهوم النهي: هو طلب الكف عن شيء على وجه الاستعلاء مع الالتزام، وله صيغة واحدة، وهي المضارع المقرون بلا الناهية[1]؛ نحو قوله صلى الله عليه وسلم لمن طلب منه الوصية: "لا تغصب".   والنهي طلب الكف عن الشيء ممن هو أقل شأنًا من المتكلم، وهو حقيقة في التحريم كما عليه الجمهور، فمتى وردت صيغة النهي أفادت الحظر والتحريم على الفور.   واعلم أن النهي كالأمر، فيكون استعلاءً مع الأدنى، والتماسًا مع النظير[2].   ♦ المعاني التي يفيدها أسلوب النهي في الأربعين النووية: الذي تهتم به الدراسات البلاغية ليس هو طلب الكف عن الفعل، وهو المعنى الأصلي لتلك الصيغة، وإنما تهتم بما وراء ذلك من معان بلاغية يفيدها أسلوب النهي[3]، وهي كالآتي: 1- الإرشاد: وذلك عندما يكون النهي يحمل بين ثناياه معنى من معاني النصح والإرشاد[4]؛ نحو ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: (إنْ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلاَ تُضَيِّعُوهَا...
فَلاَ تَعْتَدُوهَا...
فلا تَنْتَهِكُوهَا...
فَلاَ تَبْحَثُوا عَنْهَا[5])
، تمثلت صيغ النواهي في هذا الحديث، "وتنتهي كلها إلى غاية واحدة وهي الإرشاد وتبصير الأمة"[6].   تواترت أساليب إنشائية في النص، وقد تمثلت هذه الأساليب في صيغ النواهي قاصدة إرشاد الأمة إلى السداد، والأخذ بأيديهم إلى الصلاح، وإخراجهم عن النقيض، فهي خطابات رشيدة موجهة إلى كل قلب عامر بالإيمان، قلب يبتغي هداه، وتقوى خالقه[7].   وتأمل قوله في حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا ولا تدابروا...) [8]، تجد الحديث مشحونًا بهذه الصيغ في طراز لامع، وفي صبغته المعروفة، وهي لا الناهية مع التاء المضارع؛ ليَنهى عن الحسد الذي يَقضي على مستقبل الأمة، ويعرقل سيرَها، فالحسد والبغض هما ملجأ كلِّ بلاء.   فرسولنا الآمر، الناهي عن المنكر، نهانا عن ذلك؛ لنتخلص من العداوة والبغضاء، ولنعيش في سعادة الدارين.   إن إقامة الكِيان الإنساني السليم، وبناء العلاقة البشرية ذات مبدأ الإخاء والمحبة، تقتضي القضاء على الأمراض الأخلاقية والعاهات السلوكية، وتصفية الساحة من السلبيات الفتاكة، وهذا المبدأ الإنساني من أهم المحاور التي تتمركز عليها التربية النبوية الإسلامية، كما هي بارزة في معظم النصوص النبوية[9].   وانظر في قول ابن عمر رضي الله عنهما: "إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء...
"[10]، فإذا تأمَّلت هذا الحديث تجد أنه نهي يُراد به إرشاد وتهذيب الأمة إلى إنابة أنفسهم إلى الواحد القهار.   وهكذا كانت النواهي النبوية تتحلى بملامح فنية فائقة، ومعظمها إرشاد وتهذيبٌ للأخلاق، نحو مستقبل رفيع.   فصلاة الله، وسلامه على المرشد الأمة ومهذِّب مستقبل المسلمين.   ومما هو جدير بالتلميح إليه حُسن صياغة نواهيه الإرشادية وروعة نَسَق عباراته؛ لأن موضوع النهي الإرشادي يحتاج إلى جذب الانتباه.


[1] الهاشمي، جواهر البلاغة، ص69. [2] الهاشمي، المرجع السابق، ص69. [3] بسيوني، المصدر السابق، ص 299. [4] عبدالعزيز عتيق، المصدر السابق، ص 67. [5] النووي، ح30، أخرجه الدار قطني في سننه (كتاب الرضاع)، ج3، 183. [6] ألاويي، الرجع السابق، ص 124. [7] المصدر السابق، ص 126. [8] النووي، ح35، أخرجه المسلم: "باب تحريم ظلم المسلم .."، ج4، ص 1986. [9] ألاويي، المرجع السابق، ص142. [10] سبق تخريجه.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣