أرشيف المقالات

شرح البيقونية: الحديث الصحيح وشروطه

مدة قراءة المادة : 15 دقائق .
2شرح البيقونية الحديث الصحيح وشروطه   قوله رحمه الله: أولها الصحيح وهو ما اتصل  *** إسناده ولم يُشَذَّ أو يُعَل   أي: أول هذه الأقسام هو «الحديث الصحيح»، وقد قدم الصحيح؛ لأنه أشرف أقسام الحديث، والصحيح لغة: السليم؛ قال السيوطي: الصحيح فعيل بمعنى فاعل من الصحة، وهي حقيقة في الأجسام، واستعمالها هنا مجاز واستعارة تبعية[1].   وقال السخاوي: «لغة ضد المكسور والسقيم»[2]. والصحيح اصطلاحًا: هو ما اتصل إسناده بنقل العَدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا عِلة.   عرفه ابن الصلاح فقال: الحديث الصحيح هو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العَدْل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذًّا ولا معللًا[3].   وعرفه الحافظ ابن حجر فقال: خبر الآحاد بنقل عدلٍ تام الضبط متصل السند غير معلل ولا شاذ هو الصحيح لذاته[4].   وعرفه الزبيدي فقال: «الحديث الصحيح وهو ما اتصل سنده بحيث يكون كل واحد من رجاله سمعه من شيخه من أول السند إلى أن ينتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابي، أو من دونه مع شرط العدالة والضبط التام، حفظًا أو كتابةً، بلا شذوذ ولا علة قادحة»[5].   شروط الحديث الصحيح خمسة شروط: 1- الاتصال (اتصال الإسناد). 2- عدم الشذوذ. 3- عدم العلة. 4- العدالة. 5- الضبط.   أما اتصال الإسناد: فالسند: هو سلسلة الرجال الموصلة إلى المتن. ومعنى الاتصال: أن يروي كل راوٍ عمن فوقه وقد لقِيه إلى أن يصل إلى الصحابي الذي سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويمكن أن نقول: هو سماع كل راوٍ من الراوي الذي يليه. وخرج بقيد اتصال السند: المنقطع ومن أنواع المنقطع: المعضل، والمرسل، والمعلق.   وسيأتي معنا أن المنقطع أنواع؛ منها: المعضل: وهو ما سقط من وسطه اثنان متواليان. والمرسل: ما سقط منه راوٍ أو أكثر من آخر الإسناد. والمعلق: ما سقط من أول الإسناد راوٍ أو أكثر.   مثال الحديث الصحيح: قال البخاري رحمه الله في صحيحه: حدثنا عبدالله بن يوسف، قال أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بالطور[6].   والصحيح ينقسم إلى قسمين: 1- صحيح لذاته. 2- صحيح لغيره.   أما الصحيح لذاته فقد تقدم معنا تعريفه وهو: ما اتصل سنده بنقل العَدْل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة[7].   أما الصحيح لغيره: فهو الحسن لذاته إذا روِي من طريق آخر مثله أو أقوى منه، وسمي صحيحًا لغيره؛ لأن الصحة لم تأت من ذات السند، وإنما جاءت من انضمام غيره له[8].   مثال الصحيح لغيره: ما رواه الترمذي من طريق إسرائيل عن عامر بن شقيق عن أبي وائل عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته.   تفرد به عامر بن شقيق وقد قواه البخاري والنسائي وابن حبان، وليَّنه ابن معين وأبو حاتم، وحكم البخاري فيما حكاه الترمذي في العلل بأن حديثه هذا حسن، وكذا قال أحمد فيما حكاه عنه أبو داود: أحسن شيء في هذا الباب حديث عثمان رضي الله عنه.   وصحَّحه مطلقًا الترمذي والدارقطني وابن خزيمة والحاكم وغيرهم، وذلك لما عضده من الشواهد؛ كحديث أبي المليح الرقي عن الوليد بن زوران عن أنس رضي الله عنه[9].   2- عدم الشذوذ: الشذوذ في اللغة: هو الخروج أو المخالفة.   والشذوذ في الاصطلاح: هو رواية الراوي المقبول مخالفًا من هو أولى منه إما عددًا أو توثيقًا[10]. والمقبول يدخل فيه. وقد عرفه الحافظ ابن حجر في نزهة النظر، فقال: الشاذ: ما رواه المقبول مخالفًا لمن هو أولى منه[11]. والشذوذ: قد يكون في السند وقد يكون في المتن، وقد يكون في المتن والإسناد معًا. وقد يكون في حديث واحد أو في حديثين، وسيأتينا التفصيل في مبحث الشاذ[12].   3- عدم العلة: العلة في اللغة: المرض. والعلة في الاصطلاح: شيء خفي يقدح في السند أو المتن، مع أن ظاهره السلامة منه ولا يطلع عليها في الغالب إلا الجهابذة[13].   ويمكن أن تعرف بأنها سببٌ يَقدح في صحة حديث ظاهره الصحة والخلو منها، ولا تظهر إلا للمتبحر في هذا العلم الشريف[14].   قال النووي: والعلة عبارة عن سبب غامض قادح مع أن الظاهر السلامة منه، ويتطرق إلى الإسناد الجامع شروط الصحة ظاهرًا، وتدرك بتفرُّد الراوي وبمخالفة غيره له مع قرائن تنبه العارف على وهمٍ، بإرسال أو وقفٍ، أو دخول حديث في حديث، أو غير ذلك؛ بحيث يغلب على ظنه، فيحكم بعدم صحة الحديث أو يتردد فيتوقَّف[15].   والعلة تنقسم إلى قسمين: ♦ علة قادحة. ♦ علة غير قادحة. وقد تكون في السند، وقد تكون في المتن، وقد تكون فيهما معًا[16].   4- العدالة: العدالة في الأصل بمعنى الاستقامة[17]. وفي الاصطلاح: هي حسن الإسلام مع السلامة من الفسق وخوارم المروءة[18].   ويمكن أن نقول: العدل هو: الراوي الذي يحمل صفات تَحِملُ صاحبها على التقوى واجتناب الأدناس، وما يُخل بالمروءة عند الناس[19]. قال الحافظ ابن حجر: «المراد بالعدل: من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة.   والمراد بالتقوى: اجتناب الأعمال السيئة مِن شركٍ أو فسق أو بدعة»[20]. والمروءة: هي أن يستعمل ما يجمله أمام الناس ويُزينه ويمدحوه عليه، وأن يترك ما يدنسه ويشينه عند الناس.   والعدالة اشترطها الله عز وجل في الشهادة، واشترطها العلماء في الراوية، وإن كان بين الشهادة والراوية فروقًا؛ قال عز وجل: ﴿ إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ﴾ [الحجرات: 6]، وقال عز وجل: ﴿ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ [الطلاق: 2].   قال النووي: «أجمع الجماهير من أئمة الحديث والفقه أنه يشترط أن يكون ضابطًا، وأن يكون عدلًا مسلمًا بالغًا عاقلًا، سليمًا من أسباب الفسق وخوارم المروءة...»[21].   قال السيوطي: «فلا يقبل كافرٌ ومجنون مطبق بالإجماع، ومن تقطع جنونه، وأثر في زمن إفاقته، وإن لم يؤثر فيه، قاله ابن السمعاني، ولا الصغير على الأصح، وقيل: يقبل المميز إن لم يجرَّب عليه الكذبُ»[22].   بم تَثبت العدالة: تثبت العدالة بأمرين: 1- تنصيص عدلين عليها. 2- بالاستفاضة.   قال النووي: «تثبت العدالة بتنصيص عدلين عليها أو بالاستفاضة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم وشاع الثناء عليه بها، كفى فيها؛ كمالك والسفيانين، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد وأشباههم»[23].   5- الضبط: تعريفه: «هو قوة الحافظة، والوعي الدقيق، وحسن الإدراك في تصريف الأمور، والثبات على الحفظ، وصيانة ما كتب منذ التحمل والسماع إلى حين التبليغ والأداء»[24].   قال شيخنا ابن عثيمين: «هو الذي يحفظ ما روي تحملًا وأداءً، مثل أن يكون نبيهًا يقظًا عند تحديث الشيخ للحديث، فلا تكاد تخرج منه كلمة من فم الشيخ إلا وقد ضبطها وحفظها، وهذا هو التحمل.   أما الأداء: فأن يكون قليل النسيان؛ بحيث أنه إذا أراد أن يحدِّث بما سمعه من الشيخ، أداه كما سمعه تمامًا، فلا بد من الضبط في الحالين، في حال التحمل وحال الأداء.   وضد الضبط: هو أن يكون الإنسان لديه غفلة عند التحمل، أو أن يكون كثير النسيان عند الأداء، ولا نقول: ألا ينسى؛ لأننا إذا قلنا: إنه يشترط ألا ينسى، لم نأخذ عُشر ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن المراد ألا يكون كثير النسيان، فإن كان كثير النسيان، فإن حديثه لا يكون صحيحًا؛ لاحتمال أن يكون قد نسِي، والناس يختلفون في هذا اختلافًا كثيرًا»[25].   والضبط ينقسم إلى قسمين: 1- ضبط صدر. 2- ضبط كتاب.   ♦ أما ضبط الصدر: قال الحافظ ابن حجر: «هو أن يثبت ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء»[26].   ♦ أما ضبط الكتاب: قال الحافظ ابن حجر: «وضبط الكتاب هو صيانته لديه منذ سمع فيه وصححه إلى أن يؤدي منه»[27].   «فالضابط في حفظه أي من لم يخطئ ولم يغفل، والضابط في كتابه؛ أي: من حافظ عليه من أن يسرق، أو أن يوضع فيه ما ليس من حديثه، وفي هذه الحالة فهو صحيح الحديث. أما إن خف ضبطه فحديثُه حسن، وهو الحسن لذاته... وأما فاحش الغلط وسيئ الحفظ وكثير الغفلة، فهذا حديثه ضعيف؛ لأنه خطأه غلب على صوابه»[28].   قوله: «عن مثله». «أي: إنه لا بد أن يكون الراوي متصفًا بالعدالة والضبط، يرويه عمن اتصف بالعدالة والضبط، فلو روى عدل عن فاسق، فلا يكون حديثه صحيحًا، وكذا إذا روى إنسان عدلٌ جيد الحفظ عن رجل سيئ الحفظ كثير النسيان، فإن حديثه لا يُقبل، ولا يكون صحيحًا؛ لأنه لم يروه عن رجلٍ ضابط مثله»[29].   قوله: «معتمدٌ في ضبطه ونقله»؛ أي: معتمدٌ من جهة علماء الحديث أهل الجَرح والتعديل.


[1] تدريب الراوي (1 /53). [2] فتح المغيث (1 /27). [3] مقدمة ابن الصلاح (ص:11). [4] نزهة النظر مع النكت (77). [5] القلائد العنبرية ص (24-25). [6] صحيح البخاري (4854). [7] تيسير مصطلح الحديث للطحان ص (34). [8] تيسير مصطلح الحديث للطحان ص (51). [9] النكت على ابن الصلاح لابن حجر (1/421-423). [10] التعليقات الأثرية لعلي حسن ص (30) ط ابن الجوزي. [11] نزهة النظر مع النكت ص (68). [12] في شرح البيت رقم 21. [13] التيسير والتأصيل ص (70). [14] التعليقات الأثرية (31). [15] التقريب والتيسير للنووي ص (14). [16] وسيأتي المزيد عند شرح البيت رقم 24. [17] شرح البيقونية لابن عثيمين ص (28). [18] التيسير والتأصيل ص (76). [19] التعليقات الأثرية (31). [20] نزهة النظر مع النكت ص (77). [21] التقريب والتيسير ص (16). [22] تدريب الراوي. [23] التقريب والتيسير للنووي ص (16). [24] التعليقات الأثرية ص (31). [25] شرح البيقونية لابن عثيمين ص (37-38). [26] نزهة النظر مع النكت ص (77). [27] نزهة النظر مع النكت (77). [28] التيسير والتأصيل ص (80). [29] شرح البيقونية لابن عثيمين ص (39).



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن