أرشيف المقالات

إن الله مع الصابرين

مدة قراءة المادة : 66 دقائق .
2إن الله مع الصابرين   الحمد لله، الذي له ملك السماوات والأرض، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:   فإن الصبر له منزلة كبيرة في الإسلام، وهو من الأخلاق الفاضلة التي ينبغي أن يتحلى بها كل مسلم، من أجل ذلك أحببت أن أذكر نفسي وأحبائي طلاب العلم الكرام بشيء يسير من فضائل الصبر وآدابه، فأقول وبالله تعالى التوفيق:   تعريف الصبر: الصبر: هو الرضا التام بما قدره الله تعالى على المسلم، وعدم الشكوى لغير الله تعالى؛ (التعريفات؛ علي بن محمد الجرجاني، صـ 131).   كلمة الصبر في القرآن: جاءت كلمة الصبر بمشتقاتها المختلفة في القرآن الكريم مائة وأبع مرات؛ (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن؛ محمد فؤاد عبدالباقي).   الفرق بين الصبر والحلم: قال الإمام ابن القيم رحمه الله: الفرق بين الصبر والحلم: أن الصبر ثمرة الحلم وموجبه، فعلى قدر حلم العبد يكون صبره؛ (عدة الصابرين؛ لابن القيم، صـ253).   الصبر صفة بشرية: الصبر من خصائص الإنسان، ولا يتصور في البهائم؛ لنقصانها، وغلبة الشهوات عليها من غير شيء يقابلها (مختصر منهاج القاصدين، صـ343).   منزلة الصبر: قال الإمام ابن القيم رحمه الله: إن الله سبحانه جعل الصبر جوادًا لا يكبو، وصارمًا لا ينبو، وجندًا لا يهزم، وحصنًا حصينًا لا يهدم ولا يثلم، فهو والنصر أخوان شقيقان، فالنصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، والعسر مع اليسر، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد، ومحله من الظفر كمحل الرأس من الجسد، ولقد ضمن الوفي الصادق لأهله في محكم الكتاب أنه يوفيهم أجرهم بغير حساب، وأخبرهم أنه معهم بهدايته ونصره العزيز وفتحه المبين؛ فقال تعالى: ﴿ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46]، فظفر الصابرون بهذه المعية بخير الدنيا والآخرة، وفازوا بها بنعمه الباطنة والظاهرة، وجعل سبحانه الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين؛ فقال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24]، وأخبر أن الصبر خير لأهله مؤكدًا باليمن؛ فقال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126]؛ (عدة الصابرين؛ لابن القيم، صـ10).   صبر الله تعالى على أهل المعاصي: روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أحد أصبر على أذًى سمعه من الله، يدعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم))؛ (البخاري، حديث: 7378).   روى البخاري عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته))، قال: ثم قرأ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]؛ (البخاري؛ حديث: 4686).   الصبر وصية الله لعباده: لقد أوصانا الله تعالى في كثير من آيات القرآن الكريم بالصبر، وسوف نذكر بعضًا منها: (1) قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].   (2) قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 154 - 157].   (3) قال الله تعالى: ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186].   الصبر من صفات الأنبياء والصالحين: (1) قال جل شأنه: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأنعام: 34].   (2) قال تعالى عن يعقوب صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ﴾ [يوسف: 18].   (3) قال سبحانه: ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ ﴾ [النحل: 127].   (4) قال جل شأنه: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ * وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الأنبياء: 85، 86].   (5) قال سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].   (6) قال جل شأنه: ﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177].
وصية الله لنبينا صلى الله عليه وسلم بالصبر: أمر الله تعالى نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى المشركين والمنافقين في كثير من آيات القرآن العظيم، وسوف نذكر بعضًا منها: (1) قال جل شأنه: ﴿ وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ ﴾ [يونس: 109]. (2) قال الله تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾ [الأحقاف: 35]. (3) قال جل شأنه: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ [الطور: 48]. (4) قال سبحانه: ﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ﴾ [المزمل: 10].   جزاء الصابرين: قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].   قال تعالى: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146].   قال جل شأنه: ﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 96].   قال سبحانه: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 126 - 128].   قال سبحانه: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].   الصبر سبيل مغفرة الذنوب: قال سبحانه: ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ * إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [هود: 9 - 11].   قال تعالى: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 110].   الصبر سبيل الجنة: قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [الرعد: 22 - 24].   * قال سبحانه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ * وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 35].   الصبر سبيل النصر: قال سبحانه: ﴿ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 249].   قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ [آل عمران: 123 - 126].   قال جل شأنه: ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾ [الأعراف: 137].   الصبر وصية الصالحين لأبنائهم: قال سبحانه على لسان لقمان الحكيم رحمه الله: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].   اقتران الصبر بالقيم العليا في الإسلام: الصبر ذو مقام كريم وخلق عظيم؛ ولهذا قرنه الله سبحانه بالقيم العليا في الإسلام، ومن هذه القيم ما يأتي: (1) قرنه الله تعالى باليقين: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].   (2) قرنه سبحانه بالشكر: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ [إبراهيم: 5].   (3) قرنه جل شأنه بالتوكل: ﴿ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [النحل: 42].   (4) قرنه الله تعالى بالصلاة: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 153].   (5) قرنه سبحانه بالتسبيح والاستغفار: ﴿ وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ [الطور: 48].   (6) قرنه جل شأنه بالجهاد: ﴿ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 110].   (7) قرنه سبحانه بالتقوى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186].   (8) قرنه الله تعالى بالحق: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3].   (9) قرنه الله جل شأنه بالرحمة: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ ﴾ [البلد: 17]؛ (أنواع الصبر ومجالاته؛ سعيد القحطاني، صـ14:13).   الصبر وصية نبينا صلى الله عليه وسلم: (1) روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يصبر يصبره الله، وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر))؛ (البخاري، حديث: 1469 / مسلم، حديث: 1053).   (2) روى مسلم عن صهيب الرومي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له))؛(مسلم، حديث 2999).   (3) روى الترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي، فيقولون: نعم، فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون: نعم، فيقول: ماذا قال عبدي، فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة، وسموه بيت الحمد))؛ (حديث حسن صحيح) (صحيح الترمذي؛ للألباني، حديث1954).   (4) روى الشيخان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رسول إحدى بناته، يدعوه إلى ابنها في الموت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ارجع إليها، فأخبرها أن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمًّى، فمرها فلتصبر ولتحتسب))؛ (البخاري، حديث: 7377/ مسلم، حديث: 923).   روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى: ((ما لعبدي المؤمن عندي جزاء، إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه، إلا الجنة))؛ (البخاري، حديث: 6424).   ♦ (صفيه)؛ أي: محبوبه من الولد أو الوالد أو غيرهما. ♦ (ثم احتسبه)؛ أي: صبر عليه طالبًا للثواب؛ (مرقاة المفاتيح شرح المصابيح؛ علي الهروي، جـ10، صـ 1237).   الصبر على المعسرين: روى مسلم عن عبدالله بن أبي قتادة، أن أبا قتادة رضي الله عنه، طلب غريمًا له، فتوارى عنه، ثم وجده، فقال: إني معسر، فقال: آلله؟ قال: آلله؟ قال: فإني سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فليُنفِّس عن معسر، أو يضع عنه))؛ (مسلم، حديث: 1563).   ♦ قوله: (فلينفس عن معسر)؛ أي: يؤخر مطالبته بالدين إلى مدة يجد فيها المعسر مالًا. ♦ قوله: (أو يضع عنه)؛ أي: يترك للمعسر الدين كله أو بعضه؛ (مرقاة المفاتيح؛ علي الهروي، جـ5، صـ 1954).   فضل الصبر على المرض: (1) روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم يشاك شوكةً فما فوقها، إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة))؛ (مسلم حديث 2572).   (2) روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يصيب المسلم من نصب (تعب) ولا وصب (وجع) ولا هم ولا حزن، ولا أذًى، ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه))؛ (البخاري، حديث 5641/ مسلم حديث2573).   (3) روى مسلم عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب، فقال: ((ما لك: يا أم السائب تزفزفين؟))، قالت: الحمى، لا بارك الله فيها، فقال: ((لا تسبي الحمى؛ فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد))؛ (مسلم، حديث:2575).   (4) روى أبو داود عن أم العلاء، رضي الله عنها، قالت: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مريضة، فقال: ((أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه، كما تذهب النار خبث الذهب والفضة))؛ (حديث صحيح) (صحيح سنن أبي داود؛ للألباني، حديث:2651).   (5) روى البخاري عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون، فقال: (( كان عذابًا يبعثه الله على من يشاء، فجعله الله رحمةً للمؤمنين، ما من عبد يكون في بلد يكون فيه، ويمكث فيه لا يخرج من البلد، صابرًا محتسبًا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد))؛ (البخاري، حديث: 6619).   ♦ قوله: (محتسبًا)؛ أي: يطلب الثواب من الله تعالى.   (6) روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمِعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر، عوضته منهما الجنة))؛( يريد: عينيه)، (البخاري، حديث 5653).   ♦ قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله: المراد أنه يصبر مستحضرًا ما وعد الله به الصابر من الثواب؛ لا أن يصبر مجردًا عن ذلك؛ لأن الأعمال بالنيات، وابتلاء الله عبده في الدنيا ليس من سخطه عليه؛ بل إما لدفع مكروه أو لكفارة ذنوب أو لرفع منزلة، فإذا تلقى ذلك بالرضا تم له المراد؛ (فتح الباري؛ لابن حجر، جـ10، صـ 121).   (7) روى أحمد عن شداد بن أوس رضي الله عنه، قال: سمِعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الله عز وجل يقول: إني إذا ابتليت عبدًا من عبادي مؤمنًا فحمدني على ما ابتليته، فإنه يقوم من مضجعه ذلك كيوم ولدته أمه من الخطايا، ويقول الرب عز وجل: أنا قيدت عبدي وابتليته، وأجروا له كما كنتم تجرون له وهو صحيح))؛ (حديث حسن) (صحيح الجامع؛ للألباني، حديث 4300).   (8) روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة))؛ (حديث حسن صحيح) (صحيح الترمذي؛ للألباني، حديث 1957).   البكاء لا ينافي الصبر: إن بكاء المسلم وحزنه من غير صوت ولا كلام محرم، لا ينافي الصبر والرضا بقضاء الله تعالى. ♦ قال تعالى حكاية عن يعقوب عليه السلام: ﴿ يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 84]، قال قتادة بن دعامة: ﴿ فَهُوَ كَظِيمٌ ﴾؛ أي: يردد حزنه في جوفه، ولم يتكلم بسوء؛ (تفسير الطبري، جـ13، صـ293).   ♦ روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سيف القين، وكان ظئرًا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله، وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان، فقال له عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه: وأنت يا رسول الله؟ فقال: ((يا ابن عوف، إنها رحمة))، ثم أتبعها بأخرى، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون))؛ (البخاري، حديث: 1303/ مسلم، حديث: 2315).
(القين): الحداد (ظئرًا)؛ أي: زوج مرضعته (يجود بنفسه)؛ أي: وقت خروج الروح (تذرفان): يسيل منهما الدمع (وأنت)؛ أي: تفعل كما يفعل الناس عند المصائب.
(بأخرى): أتبع الدمعة بأخرى.   ♦ روى البخاري عن أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، نعى زيدًا، وجعفرًا، وابن رواحة للناس، قبل أن يأتيهم خبرهم، فقال أخذ الراية زيد، فأصيب (أي: قتل)، ثم أخذ جعفر فأصيب، ثم أخذ ابن رواحة فأصيب، وعيناه تذرفان حتى أخذ سيف من سيوف الله حتى فتح الله عليهم؛ (البخاري، حديث: 3757).   أقوال السلف في الصبر: (1) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أن الصبر كان من الرجال كان كريمًا؛ (الصبر والثواب عليه؛ لابن أبي الدنيا، صـ 23، رقم:6).   (2) قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس باد الجسد، ثم رفع صوته، فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له؛ (الصبر والثواب عليه؛ لابن أبي الدنيا، صـ 24، رقم:8).   (3) قال: عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله؛ (الزهد؛ لوكيع بن الجراح، صـ 456، رقم:203).   (4) قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: أفضل العدة: الصبر على الشدة؛ (أدب الدنيا والدين؛ للماوردي، صـ287).   (5) قال الحسن البصري رحمه الله: الصبر كنز من كنوز الخير، لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عليه؛ (الصبر والثواب عليه؛ لابن أبي الدنيا، صـ 27، رقم:16).   (6) قال لقمان الحكيم رحمه الله: حقيقة اليقين الصبر، وحقيقة العمل النية؛ (الصبر والثواب عليه؛ لابن أبي الدنيا، صـ 41، رقم:41).   (7) قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: ما أنعم الله على عبد نعمةً فانتزعها منه، فعوضه مكان ما انتزع منه الصبر، إلا كان ما عوضه خيرًا مما انتزع منه، ثم قرأ: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]؛ (الصبر والثواب عليه؛ لابن أبي الدنيا، صـ 30، رقم:22).   (8) قال سعيد بن جبير رحمه الله: الصبر اعتراف العبد لله بما أصابه منه، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه، وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر؛ (الصبر والثواب عليه؛ لابن أبي الدنيا، صـ 85، رقم:113).   (9) قال شقيق البلخي رحمه الله: من شكا مصيبةً إلى غير الله، لم يجد حلاوة الطاعة؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ8، صـ 72).   (10) قال ميمون بن مهران رحمه الله: الصبر: صبران، الصبر على المصيبة حسن، وأفضل من ذلك الصبر عن المعاصي؛ (الصبر والثواب عليه؛ لابن أبي الدنيا، صـ 28، رقم:18).   (11) قال سفيان بن عيينة رحمه الله: لم يعط العباد أفضل من الصبر، به دخلوا الجنة.(حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصبهاني، جـ7، صـ 305).   (12) قال: سليمان بن القاسم رحمه الله: كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر؛ قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، قال: كالماء المنهمر؛ (الصبر والثواب عليه؛ لابن أبي الدنيا، صـ 29، رقم:20).   (13) قال بشر بن الحارث رحمه الله: لا ينبغي أن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر إلا من يصبر على الأذى؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصبهاني، جـ 8، صـ 337).   (14) قال عبدالواحد بن زيد رحمه الله: من نوى الصبر على طاعة الله، صبره الله عليها، وقواه لها، ومن نوى الصبر عن معاصي الله، أعانه الله على ذلك وعصمه منها؛ (حلية الأولياء؛ لأبي نعيم الأصبهاني، جـ6، صـ 163).   (15) قال القرطبي رحمه الله: الصبر الجميل: هو الذي لا جزع فيه، ولا شكوى؛ (تفسير القرطبي، جـ9، صـ 152).   الصبر في واحة الشعراء: (1) قال الشاعر: الصبر مثل اسمه مـر مذاقته *** لكن عواقبه أحلى من العسل (بصائر ذوي التمييز؛ الفيروزآبادي، جـ3، صـ378).   (2) قال أبو محمد القحطاني: لا تجزعن إذا دهتك مصيبة إن الصبور ثوابه ضعفان فإذا ابتليت بنكبة فاصبر لها الله حسبي وحده وكفاني (نونية القحطاني، صـ63)   (3) قال أحمد بن يحيى: مفتاح باب الفرج الصبر وكل عسر معه يسر والدهر لا يبقى على حاله والأمر يأتي بعده الأمر (الصبر والثواب عليه؛ لابن أبي الدنيا، صـ 58)   (4) قال أبو العتاهية: صبرت ولم أبد اكتئابًا ولن ترى أخا جزع إلا يصير إلى الصبر وإني وإن أبديت صبرًا لمنطو على حزن منه أحر من الجمر وأملك من عيني الدموع وربما تبادر عاص من سوابقها يجري (الصبر والثواب عليه؛ لابن أبي الدنيا، صـ 110)   (5) قال أبو يعلى الموصلي: إني رأيت وفي الأيام تجربة للصبر عاقبةً محمودة الأثر وقل من جد في شيء تطلبه واستشعر الصبر إلا فاز بالظفر ( روضة العقلاء؛ لابن حبان البستي، صـ 161).   (6) قال الصرصري: لا تلق حادثةً بوجه عابس واثبت وكن في الصبر خير منافس فلطالما قطف اللبيب بصبره ثمر المنى وانجاب ضر البائس ( الآداب الشرعية؛ لابن مفلح الحنبلي، جـ3، صـ 602).   (7) قال عمرو بن بكير: صبرت فكان الصبر خير مغبة وهل جزع يجدي على فأجزع ملكت دموع العين حتى رددتها إلى ناظري فالعين في القلب تدمع (عدة الصابرين؛ لابن القيم، صـ97)   (8) قال عبيد بن الأبرص: صبّر النفس عند كل ملم إن في الصبر حيلة المحتال لا تضيقن في الأمور فقد تكـ شف غماؤها بغير احتيال ربما تجزع النفوس من الأمـ ر له فرجة كحل العقال (أدب الدنيا والدين؛ للماوردي، صـ287)   (9) قال شبيب بن شيبة: ولئن تصبك مصيبة فاصبر لها *** عظمت مصيبة مبتلًى لا يصبر (أدب الدنيا والدين؛ للماوردي، صـ288)   (10) قال محمد بن بشير: إن الأمور إذا سدت مطالبها فالصبر يفتق منها كل ما ارتتجا لا تيأسن وإن طالت مطالبة إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته ومدمن القرع للأبواب أن يلجا (أدب الدنيا والدين؛ للماوردي ـ صـ290).   أنواع الصبر الصبر ثلاثة أنواع هي: (1) الصبر على طاعة الله تعالى. (2) الصبر عن المعاصي. (3) الصبر على المصائب. وسوف نتحدث عن كل منها.   أولًا: الصبر على طاعة الله تعالى: يحتاج العبد إلى الصبر عليها؛ لأن النفس البشرية بطبعها تنفر عن العبودية؛ قال تعالى: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65]، وقال جل ثناؤه: ﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ [طه: 132].   إن من العبادات ما يكره بسبب الكسل؛ كالصلاة، ومنها ما يكره بسبب البخل؛ كالزكاة، ومنها ما يكره بسببهما جميعًا؛ كالحج والجهاد، فالصبر على الطاعة صبر على الشدائد.   ثانيًا: الصبر عن المعاصي: ما أحوج العبد إلى الصبر عن المعاصي، فإن كان الفعل مما تيسَّر فعله؛ كمعاصي اللسان من الغيبة، والكذب والمراء ونحوه، كان الصبر عليه أثقل، فترى الإنسان إذا لبس حريرًا استنكر ذلك، ويغتاب أكثر نهاره، فلا يستنكر ذلك، ومن لم يملك لسانه في المحاورات، ولم يقدر على الصبر، لم ينجه إلا العزلة.   ثالثًا: الصبر على المصائب: مثل موت الأحبة، وهلاك الأموال، وعمى العين، وزوال الصحة، وسائر أنواع البلاء، فالصبر على ذلك من أعلى المقامات؛ لأن سنده اليقين.   روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يرد الله به خيرًا يصب منه))؛ (البخاري، حديث 5645).   وقريب من هذا القسم، الصبر على أذى الناس؛ كالذي يؤذي بقول أو فعل أو جناية على نفسه أو ماله، والصبر على ذلك يكون بترك المكافآت، والصبر على أذى الناس من أعلى المراتب؛ قال الله تعالى: ﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران: 186].   وقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 97 - 99]، وقال جل شأنه: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126]؛ (مختصر منهاج القاصدين، 346:345).   التحذير من الجزع عند المصائب: روى الشيخان عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية))؛ (البخاري حديث 1294/ مسلم حديث 103).   ♦ ((الجيوب)) جمع: جيب، وهو ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس. ♦ قوله: ((ليس منا))؛ أي: ليس من أهل سنتنا، ولا من المهتدين بهدينا. ♦ ((ودعا بدعوى الجاهلية)) هو ما كانت العرب تقوله عند موت الميت؛ كقولهم: واجبلاه، واسنداه، واسيداه، وأشباهها؛ (عمدة القاري؛ للبدر العيني، جـ8، صـ 87).
وهي أمور تنافي الصبر، ومن علامات التسخط وعدم الرضا بما قدره الله تعالى على العباد.   روى الترمذي عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط))؛ (حديث حسن) (صحيح الترمذي؛ للألباني، حديث:1954).   ♦ ((إن عظم الجزاء))؛ أي: عظمة الأجر، وكثرة الثواب مقرون مع عظم البلاء. ♦ ((فمن رضي))؛ أي: بالبلاء. ♦ ((فله الرضا))؛ أي: فليعلم أن له الرضا من الله تعالى. ♦ ((ومن سخط))؛ أي: كره بلاء الله، وفزع ولم يرض بقضائه، فله السخط من الله أولًا، والغضب عليه آخرًا. ♦ الرضا والسخط حالان متعلقان بالقلب، فكثير ممن له أنين من وجع وشدة مرض، وقلبه مشحون من الرضا، والتسليم لأمر الله؛ (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المفاتيح؛ علي القاري، جـ3، صـ 1142).   حكم الصبر: ينقسم حكم الصبر إلى خمسة أنواع: واجب، ومندوب (مستحب)، ومحظور (حرام)، ومكروه، ومباح، وسوف نتحدث عنها بإيجاز: (1) الصبر الواجب؛ مثل: الصبر عن فعل المحرمات، والصبر على أداء الواجبات، والصبر على المصائب التي لا صنع للعبد فيها؛ كالأمراض، والفقر وغيرها.   (2) الصبر المندوب؛ مثل: الصبر عن المكروهات، والصبر على المستحبات، والصبر على مقابلة الجاني بمثل فعله.   (3) الصبر المحظور؛ مثل: الصبر عن الطعام والشراب حتى يموت.   (4) الصبر المكروه؛ مثل: الصبر عن الطعام والشراب واللبس حتى يتضرر الجسم.   (5) الصبر المباح: هو الصبر عن كل فعل مستوي الطرفين، خيـر بين فعله وتركه، والصبر عليه؛ مثل: الرغبة في تناول نوع معين من الأطعمة، والصبر عليه؛ (عدة الصابرين؛ لابن القيم، صـ36:35).   مراتب الصبر: قال الإمام ابن القيم رحمه الله: مراتب الصبر أربعة: إحداها: مرتبة الكمال؛ وهي مرتبة أولي العزائم، وهي الصبر لله وبالله، فيكون في صبره مبتغيًا وجه الله، صابرًا به، متبرئًا من حوله وقوته، فهذا أقوى المراتب وأرفعها وأفضلها.   الثانية: ألَّا يكون فيه لا هذا ولا هذا، فهو أخس المراتب، وأردأ الخلق، وهو جدير بكل خذلان، وبكل حرمان.   الثالثة: مرتبة من فيه صبر بالله، وهو مستعين متوكل على حوله وقوته، متبرئ من حوله هو وقوته؛ ولكن صبره ليس لله؛ إذ ليس صبره فيما هو مراد الله الديني منه، فهذا ينال مطلوبه، ويظفر به؛ ولكن لا عاقبة له، وربما كانت عاقبته شر العواقب.   الرابعة: من فيه صبر لله؛ لكنه ضعيف النصيب من الصبر به، والتوكل عليه، والثقة به، والاعتماد عليه، فهذا له عاقبة حميدة، ولكنه ضعيف عاجز، مخذول في كثير من مطالبه؛ لضعف نصيبه من: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] فنصيبه من الله: أقوى من نصيبه بالله، فهذا حال المؤمن الضعيف.   وصابر بالله، لا لله: حال الفاجر القوي، وصابر لله وبالله: حال المؤمن القوي، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف.   فصابر لله وبالله عزيز حميد، ومن ليس لله ولا بالله مذموم مخذول، ومن هو بالله، لا لله قادر مذموم، ومن هو لله لا بالله عاجز محمود؛ (مدارج السالكين؛ لابن القيم، جـ2، صـ169:168).   آداب الصبر نستطيع أن نوجز آداب الصبر في الأمور التالية: (1) استعمال الصبر في أول المصيبة؛ روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر، فقال: ((اتقي الله واصبري))، قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى))؛ (البخاري، حديث 1283/مسلم حديث926).   ♦ روى مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما من مصيبة يصاب بها المسلم إلا كفَّر بها عنه حتى الشوكة يشاكها))؛ (مسلم، حديث 2572).   (2) الاسترجاع عند المصيبة، وهو قول: ((إنا لله، وإنا إليه راجعون))؛ روى مسلم عن أم سلمة أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من مسلم تصيبه مصيبة، فيقول ما أمره الله: (إنا لله، وإنا إليه راجعون) اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها))، قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له، فقلت: إن لي بنتًا وأنا غيور، فقال: أما ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها، وأدعو الله أن يذهب بالغيرة؛ (مسلم، حديث 918).   (3) سكون الجوارح واللسان، فأما البكاء فجائز؛ قال بعض الحكماء: الجزع لا يرد الفائت، ولكن يسر الشامت.   (4) من حسن الصبر ألَّا يظهر أثر المصيبة على المصاب؛ (مختصر منهاج القاصدين، صـ347: 348).   كراهية طلب البلاء: روى البخاري عن عبدالله بن أبي أوفى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيها الناس، لا تمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف))، ثم قال: ((اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم))؛ (البخاري3025).   ♦ قال ابن بطال رحمه الله: حكمة النهي أن المرء لا يعلم ما يؤول إليه الأمر، وهو نظير سؤال العافية من الفتن، وقد قال الصديق: لأن أعافى فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ6، صـ 181).   الصبر سبيل طلب العلم: (1) قال محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله: لقيت أكثر من ألف رجل، أهل الحجاز والعراق والشام ومصر، لقيتهم كرات، أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين، وأهل البصرة أربع مرات، وبالحجاز ستة أعوام، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي خراسان؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ12، صـ407).   (2) رحل مسلم بن الحجاج رحمه الله في طلب العلم إلى خراسان الري والعراق والحجاز، ومصر؛ (تهذيب الأسماء واللغات؛ للنووي، جـ2، صـ91).   (3) قال مكحول الشامي رحمه الله: طفت الأرض كلها في طلب العلم؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ5، صـ158).   (4) رحل أبو داود السجستاني رحمه الله في طلب علم الحديث إلى الشام ومصر والجزيرة العربية، والعراق وخراسان وغير ذلك؛ (البداية والنهاية؛ لابن كثير، جـ11، صـ58).   (5) رحل الترمذي رحمه الله في طلب العلم، فذهب إلى خراسان والعراق ومكة والمدينة؛ (سير أعلام النبلاء، جـ13، صـ271).   (6) رحل النسائي في طلب العلم إلى خراسان، والحجاز، ومصر، والعراق، والجزيرة، والشام، والثغور، ثم استوطن مصر، ورحل الحفاظ إليه، ولم يبق له نظير في هذا الشأن؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ14، صـ127).   (7) رحل ابن ماجه رحمه الله في طلب العلم إلى العراق والبصرة والكوفة وبغداد ومكة والشام ومصر والري؛ (وفيات الأعيان؛ لابن خلكان، جـ 4، صـ105).   (8) قال عكرمة رحمه الله: طلبت العلم أربعين سنةً، وكنت أفتي بالباب، وابن عباس في الدار؛ (تهذيب الكمال؛ للمزي، جـ20، صـ269).   ♦ رحل عكرمة في طلب العلم إلى مكة والمدينة، والبصرة واليمن والشام، ومصر، وبلاد المغرب العربي، وخراسان؛ (تهذيب الكمال؛ للمزي جـ20، صـ270).   (9) رحل أبو القاسم الطبراني رحمه الله: إلى الحرمين، واليمن، ومدائن الشام ومصر، وبغداد، والكوفة، والبصرة، وأصبهان، وخوزستان، وغير ذلك، وكانت مدة رحلته العلمية ستة عشر عامًا، ثم استوطن أصبهان، وأقام بها نحوًا من ستين سنةً ينشر العلم ويؤلفه؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ16، صـ121).   (10) رحل أبو القاسم ابن عساكر رحمه الله: إلى العراق وخراسان ومكة والمدينة وأصبهان ونيسابور ومرو وهراة والكوفة وهمذان وتبريز والموصل؛  (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ20، صـ555).   أهمية الصبر في الدعوة إلى الله: الدعوة إلى الله تعالى كرامة وشرف لكل مسلم يقوم بها؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].   ويعتبر الصبر في الدعوة إلى الله تعالى بمثابة الرأس من الجسد، فلا دعوة لمن لا صبر له، فكل إنسان يتصدى إلى الدعوة سوف يصيبه بعض الأذى؛ ولذلك أخبر لقمان رحمه الله بهذه الحقيقة الثابتة؛ فقال سبحانه على لسان لقمان: ﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [لقمان: 17].   ويجب على الداعية أن يتحلى بالصبر الجميل مع الناس، ويصبر على أذاهم؛ ابتغاء وجه الله تعالى، فإذا فعل ذلك كان إمامًا يقتدي به الناس؛ قال سبحانه: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24]؛ ولهذا أمر الله تعالى إمام الدعاة، نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالصبر على أذى الناس؛ فقال سبحانه: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأنعام: 34]، وقال تعالى: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ ﴾ [الأحقاف: 35].   روى أحمد عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، قال: إن فتًى شابًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا: مه مه، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ادنه))، فدنا منه قريبًا، قال: فجلس، قال: ((أتحبه لأمك؟))، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لأمهاتهم))، قال: ((أفتحبه لابنتك؟))، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك.
قال: ((ولا الناس يحبونه لبناتهم))، قال: ((أفتحبه لأختك؟))، قال: لا والله، جعلني الله فداءك قال: ((ولا الناس يحبونه لأخواتهم))، قال: ((أفتحبه لعمتك؟))، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لعماتهم))، قال: ((أفتحبه لخالتك؟))، قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لخالاتهم))، قال: فوضع يده عليه وقال: ((اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه وحصِّن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء))؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد، جـ 5، صـ 256، حديث 22265).   الوسائل المعينة على الصبر: نستطيع أن نوجز الوسائل التي تعين المسلم على الصبر في الأمور التالية: (1) الإيمان بالقدر: يجب على المسلم الإيمان بالقدر، وأن يكون على يقين بأن كل ما يحدث في الكون إنما هو بعلم الله تعالى وتقديره، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.   ♦ قال جل شأنه: ﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ [التوبة: 51]. ♦ قال سبحانه: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [الحديد: 22].   ♦ روى أبو داود عن أبي حفصة، قال: قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه لابنه: يا بني، إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب، قال: رب، وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة))، يا بني، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من مات على غير هذا فليس مني))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود؛ للألباني، حديث3933).   (2) الاقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم في الصبر على البلاء: قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]. قال الإمام ابن كثير رحمه الله: هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله؛ (تفسير ابن كثير، جـ6، صـ 391).   (3) الإكثار من الأذكار وتلاوة القرآن: مداومة المسلم على ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن الكريم من أفضل الوسائل التي تساعده على الصبر؛ قال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].   ♦ قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله:﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ﴾؛ أي: تطيب وتركن إلى جانب الله، وتسكن عند ذكره، وترضى به مولًى ونصيرًا؛ ولهذا قال: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾؛ أي: هو حقيق بذلك؛ ( تفسير ابن كثير، جـ 4، صـ 455).   قال سبحانه: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].   (4) الدعاء بالصبر: ينبغي للمسلم أن يدعو الله تعالى أن يرزقه الصبر الجميل، الذي لا جزع فيه ولا شكوى إلى الناس، ويجب على المسلم أن يكون على يقين بأن الله تعالى سوف يستجيب دعاءه، ويرزقه الصبر.   ♦ قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].   ♦ قال جل شأنه: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].   ♦ روى أبو داود عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا)) (أي: خاليتين)؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود؛ للألباني حديث 1323).   ♦ روى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافلٍ لاهٍ))؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي؛ للألباني، حديث 2766).   ♦ روى أحمد عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله عز وجل همه، وأبدله مكان حزنه فرحًا))، قالوا: يا رسول الله: ينبغي لنا أن نتعلم هؤلاء الكلمات، قال: ((أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن))؛ (حديث صحيح) (السلسلة الصحيحة؛ للألباني، جـ1 حديث 199).   (5) العلم بجزاء الصابرين: إن معرفة جزاء الصابرين من الأمور التي تساعد المسلم على الصبر؛ قال سبحانه: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 – 157]، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].   روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما يصيب المسلم من نصب(تعب) ولا وصب (وجع)، ولا هم ولا حزن، ولا أذًى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه))؛ (البخاري، حديث 5641/مسلم حديث2573).   (6) العلم بأن المصائب ابتلاء من الله تعالى لعباده لكي يختبر ما عندهم من الصبر: قال الله تعالى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2، 3].   (7) معرفة حقيقة الحياة الدنيا، وأنها زائلة: قال سبحانه: ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [النساء: 77].   قال تعالى: ﴿ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20].   (8) قراءة قصص الأنبياء والصالحين: إن معرفة قصص الأنبياء والصالحين، وما تعرضوا له من ابتلاءات وصبرهم عليها، سوف تؤثر في تدريب النفس البشرية على الصبر وتحمل البلاء.   قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [يوسف: 111].   (9) الثقة بحصول الفرج من عند الله: إن ثقة المسلم بأن الله تعالى سوف يفرج الكرب، ويزيل الهموم والأحزان، من الأمور التي تساعده على التحلي بالصبر على ما يلاقيه من الشدائد.   ♦ قال الله تعالى: ﴿ فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴾ [الشرح: 5، 6]. ♦ قال سبحانه: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7].   (10) الاعتقاد بأن الجزع وعدم الرضا بالمصيبة لا ينفعان: إن الجزع على الشيء المفقود لن يعيده مرة أخرى، قال يحيى بن معاذ رحمه الله: يا بن آدم، ما لك تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت؟! وما لك تفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت؟! (صفة الصفوة؛ لابن الجوزي، جـ2، صـ295).   (11) حضور مجالس العلم النافع: مجالس العلماء تريح القلوب، وتشرح الصدور، وتزيل الهموم، وتذكر المسلم بالله تعالى؛ لأنها مجالس تحضرها الملائكة الكرام. ♦ روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده؛ (مسلم، حديث 2699).   ♦ روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لله ملائكةً يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا))؛     (البخاري، حديث 6408).   (12) تذكر موت نبينا صلى الله عليه وسلم: يعتبر موت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من أعظم المصائب التي أصابت المسلمين، وتذكر موته صلى الله عليه وسلم يعين المسلم على الصبر، وتحمل المصائب التي تقابله، بلا جزع، أو شكوى للناس.   * روى ابن ماجه عن عائشة، رضي الله عنها، قالت: فتح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بابًا بينه وبين الناس، أو كشف سترًا، فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر، فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم، ورجاء أن يخلفه الله فيهم بالذي رآهم، فقال: ((يا أيها الناس أيما أحد من الناس، أو من المؤمنين أصيب بمصيبة، فليتعز بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحدًا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي))؛ (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه؛ للألباني، حديث:1300).   موانع الصبر: يجب على المسلم الذي يريد أن يتحلَّى بالصبر أن يحذر من العوائق التي تعترض طريقه، حتى لا تكون سدًّا منيعًا أمامه، ونستطيع أن نوجز موانع الصبر في الأمور التالية: (1) الاستعجال: النفس البشرية تحب النتائج العاجلة؛ قال الله تعالى: ﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ﴾ [الإسراء: 11].   قال الإمام القرطبي رحمه الله: أي طبعه العجلة، فيعجل بسؤال الشر كما يعجل بسؤال الخير؛ (تفسير القرطبي، جـ10، صـ226).   فإذا أبطأ على الإنسان ما يريده نفد صبره، وضاق صدره، ناسيًا أن لله تعالى في خلقه سننًا لا تتبدَّل، وأن لكل شيء أجلًا مسمى، وأن لكل ثمرة وقت تنضج فيه، فيحسن عندئذٍ قطافها، والاستعجال لا ينضجها قبل وقتها؛ ولهذا قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾ [الأحقاف: 35].   ♦ قوله: ﴿ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ﴾؛ أي: ولا تستعجل عليهم بالعذاب؛ (تفسير الطبري، جـ21، صـ 177).   (2) الغضب: الغضب قد يستفز صاحب الدعوة، إذا ما رأى إعراض الناس عنه، ونفورهم من دعوته، فيدفعه الغضب إلى ما يليق به من هجرهم، والابتعاد عنهم، مع أن الواجب على الداعية أن يصبر على من يدعوهم، ويعاود عرض دعوته عليهم مرة بعد مرة، عسى أن يتفتح له قلب واحد يومًا، تشرق عليه أنوار الهداية، فيكون خيرًا له مما طلعت عليه الشمس وغربت، وفي هذا يقول الله لرسوله: ﴿ فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [القلم: 48 - 50].   (3) اليأس: يعتبر اليأس من أعظم عوائق الصبر وهو الذي حذر يعقوب عليه السلام أبناءه من الوقوع فيه مع تكرار البحث عن يوسف وأخيه ﴿ يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87]، وهو الذي حرص القرآن الكريم على دفعه عن أنفس المؤمنين، فبذر الأمل في صدورهم: ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 139، 140]، إن إضاءة شعلة الأمل دواء اليأس، وهو ما ذكر به موسى قومه فقال: ﴿ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]؛ (موسوعة الأخلاق الإسلامية؛ جـ1، صـ319).   ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به طلاب العلم الكرام، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢