أرشيف المقالات

أمور تدعو إلى التعجب

مدة قراءة المادة : 39 دقائق .
2أمور تدعو إلى التعجب   الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فالإنسان قد يعجب من شيءٍ، ويكون العجبُ في عجبه؛ قال الله عز وجل: ﴿ وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾ [ص: 4، 5]، قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أيهما أشدُّ عجبًا، رجل يدعو إلى التوحيد الله، وآخر يدعو إلى الإشراك به ونفي التوحيد؟ أيهما أعجب؟ ولهذا نقول: والله إن الشيء العجاب أن تنكروا توحيد الله، وأن تدَّعوا أن لله شريكًا، هذا هو الشيء العجاب، أما رجل يدعو إلى توحيد الله الذي دلت عليه الفطرة، ودلت عليه الآيات الكونية والشرعية، فإن هذا ليس بعجاب، بل العجاب فعلكم أنتم.
وقد يعجبُ الإنسان من أمرٍ ويكون محقًّا في تعجبه، إذا كان هذا الأمر مُخالفًا لنظائره؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن زوج بريرةٍ كان عبدًا، يُقالُ له: مغيث، كأني أنظر إليه يطوف خلفها يبكي، ودموعه تسيلُ على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعباس: ((يا عباس، ألا تعجَّبُ من حُبِّ مُغيثٍ بريرةَ، ومن بُغضِ بريرةَ مُغيثًا؟!))، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو راجعته))، قالت: يا رسول الله: تأمرني؟ قال: ((إنما أنا شافع))، قالت: لا حاجة لي فيه؛ [أخرجه البخاري].
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: قوله عليه الصلاة والسلام: ((يا عباس، ألا تعجبُ من حُبِّ مُغيثٍ بريرةَ، ومن بُغضِ بريرةَ مُغيثًا؟!)) وجه العجب: أن مغيثًا كان يُحبُّ بريرة حبًّا شديدًا، وهي تُبغضه بغضًا شديدًا؛ لأن الغالب أن القلوب شواهد، وأنها إذا تعارفت ائتلفت، وأن من يُحبُّك تُحبُّه، ومن يُبغضك تُبغضه، أما أن يوجد حب شديد لمبغضٍ شديد، فهذا شيء عجيب جدًّا، لا سيما وأنها زوجته، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾ [الروم: 21]؛ لكن هذا يدلُّ على أن القلوب بيد الله عز وجل يُصرفها كيف يشاء، وأنه ممن الممكن أن تُحبَّ الإنسان حُبًّا شديدًا، ويُبغضك بغضًا شديدًا".

والرسول صلى الله عليه وسلم كان في سفر مع أصحابه، فاشتكى إليه الناس من العطش، فدعى عليًّا رضي الله عنه ورجلًا، وقال لهما: ((اذهبا فابتغيا الماء))، فانطلقا، فتلقيا امرأة بين مزادتين من ماء على بعير لها، فقالا لها: أين الماء؟ قالت: عهدي بالماء أمس هذه الساعة، فذهبا بها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فدعا النبي بإناء ففرغ فيه من أفواه المزادتين، وأوكأ أفواههما، وأطلق العزالي، ونودي في الناس: اسقوا واستقوا، فسقى من شاء، وهي قائمة تنظر إلى ما يفعل بمائها، وإنه ليخيل إليها أنها أشد ملأة منها حين ابتدأ فيها، ثم أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فجمع طعامًا لها، فجمع وحملوها على بعيرها ووضع الطعام بين يديها، وقال: ((تعلمين ما رزئنا من مائك شيئًا، ولكن الله هو الذي أسقانا))، فأتت أهلها وقد احتبست عنهم، قالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجب؛ [متفق عليه]. قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أي مما رأت من صنيع المسلمين في مائها.

وعن أُبي بن كعب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "قام موسى النبي خطيبًا في بني إسرائيل، فسُئل: أيُّ الناس أعلمُ؟ فقال: أنا أعلمُ، فعتب الله عليه، إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله أن عبدًا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: يا ربِّ! وكيف به؟ فقيل له: احمل حوتًا في مكتلٍ، فإذا فقدته فهو ثم، فانطلق وانطلق بفتاه يوشع بن نون، وحملا حُوتًا في مكتل حتى كانا عند الصخرة وضعا رؤوسهما وناما، فانسل الحوت من المكتل، فاتخذ سبيله في البحر سربًا، وكان لموسى وفتاه عجبًا؛ [متفق عليه].
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: قوله: "فاتخذ سبيله في البحر سربًا، وكان لموسى وفتاه عجبًا" وجه العجب: أن الحوت من عاداته إذا خرج من الماء أنه يموت، وهذا حوت في مكتل، ومع ذلك انسل بأمر الله، ودخل البحر.

والعلامة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله، تعجَّب واستغرب من عددٍ من الأشياء، ومن بعض الأسئلة التي وجهت إليه، جمعتُ ما يسَّر الله لي منها، وهذه الأشياء العجيبة فيها فوائد عقدية، وفقهية، ومسلكية، ودعوية، وتربوية، أسال الله الكريم أن ينفع بها، وأن يبارك فيها.   من يأتون إلى قبر ميت فيدعونه ويسألونه قال الشيخ رحمه الله: إني لأعجبُ غاية العجب من قوم يأتون إلى قبر ميتٍ، ثم يدعونه: يا سيدي! يا مولاي! امرأتي لم تحمل حملها.
يا سيدي! يا مولاي! لم أتزوج (هات) لي زوجة.
يا سيدي! يا مولاي! عندي مرض السرطان اشفني.
يا سيدي! ويا مولاي! أنا فقير أطعمني.
فهذا قبر ميت، وهو الآن أضعفُ منك، فأنت تمشي وتذهب وتجيءُ، وتبيع وتشتري، وتتزوج ويُولَد لك، لكن هذا هامد، انقطع كل شيءٍ، لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، وأشرف الخلق على الله محمد رسول الله، ومع ذلك يقول الله له يأمُرُه أن يعلن للملأ إلى يوم القيامة: ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾ [يونس: 49] أبعْدَ هذا يتعلقُ الإنسانُ بمخلوق؟! ﴿ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا ﴾ [يونس: 49] هذه واحدة.
إعلان آخر: ﴿ قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا ﴾ [الجن: 22]؛ يعني: لو أراد الله أن يُصيبني بشيءٍ ما استطعتُ أن أملك الدفع، إذن: لا يملك محمد أشرف الخلق عند الله لنا ضرًّا ولا رشدًا، ولا يملك لنفسه منعًا ولا دفعًا، فما بالكم بغيره؟
إذن: المسألة عقليًّا - دون أن يكون هناك دليل شرعي - تبطل عبادة كل معبودٍ سوى الله عز وجل.   من يستدل بقوله تعالى: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ﴾ [الأنعام: 103] على نفي الرؤية: قال الشيخ رحمه الله: أنكر قوم رؤية الله عز وجل، وقالوا: إن الله لا يُرى لا في الدنيا ولا في الآخرة، وذلك بناءً على عقولهم التي يعتمدون في إثبات الصفات لله عز وجل ونفيها عنه عليها؛ أي: عقولهم، وهذا خطأ عظيم أن يُحكِّم الإنسان عقله في أمر من أمور الغيب؛ لأن أمور الغيب لا يمكن إدراكها إلا بمشاهدتها، أو مشاهدة نظيرها، أو خبر الصادق عنها، فتجدهم ينكرون رؤية الله، ويُحرفون كلام الله ورسوله بناء على عقيدتهم المبنية على العقل الفاسد؛ لأن حقيقة تحكيم العقل أن يُسلِّم الإنسان لما أخبر الله به ورسوله تسليمًا تامًّا، فإن هذا مقتضى العقل ومقتضى الإيمان؛ قال الله تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65].
وهؤلاء المنكرون لرؤية الله تعالى في الآخرة لم يُسلموا تسليمًا؛ بل أنكروا ذلك وقالوا: لا يمكن، فقيل لهم: سبحان الله! النصوص واضحة في هذا؛ ففي القرآن الكريم قال الله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23] ناضرة: حسنة، ﴿ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾؛ أي: تنظر إلى الله عز وجل، وإضافة النظر إلى الوجوه يعني أنه بالعين؛ لأن أداة النظر في الوجه هي العين، وقيل لهم: إن الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ﴾ [الأنعام: 103]، وهذه الآية تدل على ثبوت أصل الرؤية؛ لأن معنى لا تدركه؛ أي: تراه ولا تدركه؛ لأنه أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته، والعجب أنهم يستدلون بهذه الآية على نفي الرؤية، وهي حجة عليهم.

من يأتون بأكاذيب تعظيمًا للرسول علية الصلاة والسلام وهم متهاونون في دينهم سئل الشيخ: سمعت من بعض الإخوة يقول: إن محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، خلق من نور، وأن آدم خلق من نور محمد، فهل هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله: هذا القول من أبطل الباطل، وهو كذب مخالف لقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ﴾ [الحجرات: 13]، ولقوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ﴾ [المؤمنون: 12، 13]، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بني آدم، وهو سيد ولد آدم، وهو مخلوق من نطفة أبيه، وأبوه مخلوق من نطفة جده، وهكذا إلى أن يصل الخلق إلى آدم الذي خلقه الله من سلالة من طين.
والعجب أن هؤلاء الذين يأتون بهذه الأكاذيب تعظيمًا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بعضهم عنده تهاون في دينه، واتِّباعه لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولعلهم يجهلون أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الغلو فيه وحذَّر منه.

من يترك حفظ القرآن الكريم خشية أن ينساه فتناله العقوبة قال الشيخ رحمه الله: والعجيب أن بعض الناس - لتهيُّبه من عقوبة الله عز وجل - لعب به الهوى، حتى قال: لن أحفظ شيئًا من كتاب الله، أخشى أن أحفظه فأنساه، فمنع نفسه من الخير بهذه الحجة التي لا أساس لها من الصحة، ونحن نقول: احفظ كتاب الله عز وجل، وتعهَّده ما استطعت، كما أمر بذلك النبي عليه الصلاة والسلام فإنه أمر بتعهُّده، وإذا نسيت بمقتضى الطبيعة - لا للإعراض عن كتاب الله، ولا للتهاون به - فإن ذلك لا يضرك، وليس عليك إثم.
من أبدلوا شريعة الله بالقوانين الوضعية قال الشيخ رحمه الله: إذا كان ابن عباس رضي الله عنهما يتوقع أن تنزل حجارة من السماء على من عارض قول النبي صلى الله عليه بقول أبي بكر وعمر، فما بالك بمن يُعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول من دونهما من الأئمة، وما بالك بمن يُعارضُ قول النبي صلى الله عليه وسلم بقولِ فُلان وفُلان ممن لا يؤمنون بالله.
ومن هذا - أي: من المعارضة - هؤلاء الذين أبدلوا شريعة الله بالقوانين الوضعية التي فرضها المستعمرون على المسلمين حين استعمروا بلادهم، فأبدلوا حُكم الله بحكم الطاغوت، وإنه لمن العجب أن يكون بين أيدي المسلمين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم يَدَعونَ كتاب الله وسنة رسوله لهذه القوانين الوضعيَّة.
ونحن نسأل عن طريق العقل: مَنْ واضع هذه القوانين؟ فالجواب: بشر، فما صفة هؤلاء البشر؟ الجواب: كفَّار، ومتى وضعوها؟ في عهود ماضية، والأحوال تتغير، وقد يُصلح الناس في زمان قانون معين، وفي زمن آخر لا يُصلحهم هذا القانون، ثم أين وضعوا هذه القوانين؟ في مكان معين من الأرض لم يحيطوا بالبشر كلهم، ثم في أي أمة وضعوا هذه القوانين؟ في أمم كافرة.
فإذا كانت هذه أجوبة هذه التساؤلات، فكيف يليق بنا ونحن مسلمون بيننا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال خلفائه الراشدين، وأقوال أئمة الدِّين، كيف يليقُ بنا أن نُبدِّل هذا الهدي بهذه النظم الكافرة الجائرة؟ لأنَّ كلَّ حُكم يُخالفُ حُكم الله فإنه جائر.
صبر العلماء على طلب العلم مع وجود الصعاب في ذلك قال الشيخ رحمه الله: إذا قرأت تاريخ العلماء رحمهم الله، تعجبت: كيف كانوا يصبرون هذا الصبر على طلب العلم؟! مع أنه ليس هناك كهرباء، ولا أدوات كتابية سهلة، فالأشياء في ذلك الوقت كانت صعبة، ومع ذلك كانوا يبقون كل الليل يُراجعون على قنديل يكادون لا يبصرون ما يقرؤون لكنهم جادُّون؛ لأنهم يعلمون أنهم في جدهم وطلبهم للعلم كالمجاهدين في سبيل الله عز وجل، وليس هذا عملًا ضائعًا؛ بل هو كالجهاد في سبيل الله.   تصنيف العلامة ابن القيم رحمه الله لكتابه "زاد المعاد" وهو في سفره إلى الحج قال الشيخ رحمه الله: كتاب "زاد المعاد في هدي خير العباد" للحافظ الفقيه محمد بن قيم الجوزية -كتاب أُشير به على كل إنسان أنه كتاب عقيدة، وكتاب فقه، وكتاب تاريخ، وكتاب معاملات جامع؛ ولكن الرجل رحمه الله مات قبل أن يكمله، والعجب أنه ألَّفه في سفره إلى الحج، سبحان الله! يتعجب الإنسان كيف يُؤلفه في سفره إلى الحج، ويتكلم على الأحاديث وعلى رجالها، وعلى أسانيدها، وعلى متونها؛ ولكن ﴿ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الحديد: 21]، اللهم آتنا من فضلك يا رب العالمين، اللهم آتنا من فضلك يا رب العالمين، اللهم آتنا من فضلك يا رب العالمين.   من يقولون إنه يجب على المرأة أن تستر قدميها، ويجوز لها أن تكشف وجهها قال الشيخ رحمه الله: القول الراجح أن الحجاب الشرعي هو أن تحجب المرأةُ كل ما يفتنُ الرجال بنظرهم إليها، وأعظم شيء في ذلك هو الوجه، فيجب عليها أن تستر وجهها عن كل إنسان أجنبي منها، أما من قال إن الحجاب الشرعي هو أن تحجب شعرها وتُبدي وجهها، فهذا من عجائب الأقوال!
فأيُّهما أشدُّ فتنةً: شعر رأس امرأة، أم وجهها؟ وأيُّهما أشدُّ رغبة لطالب المرأة: أن يسأل عن وجهها، أو أن يسأل عن شعرها؟! كلا السؤالين لا يمكن الجوابُ عنهما إلا بأن يُقال: إن ذلك في الوجه، وهذا أمر لا ريب فيه.
وأعجبُ أيضًا من قوم يقولون: إنه يجب على المرأة أن تستر رجليها، ويجوز أن تكشف وجهها، وأيُّهما أولى بالسَّتر؟! هل من المعقول أن نقول: إن الشريعة الإسلامية الكاملة التي جاءت من لدن خبير، تُوجب على المرأة أن تستر القدم، وتُبيحُ لها أن تكشف الوجه؟! كلا، فهذا تناقض؛ لأن تعلق الرجال بالوجوه أكثر بكثير من تعلُّقهم بالأقدام.   والعجب من قوم يقولون: إنه لا يجوز للمرأة أن تخرج ثلاث شعراتٍ أو أقل من شعر رأسها، ولكن يجوز لها أن تظهر الحواجب الرقيقة الجميلة، وليت الأمر يقتصرُ على إظهار هذا الجمال وهذه الزينة؛ بل في الوقت الحاضر يُجمَّلُ بالمكياج، وأشياء كثيرة لا نعرفها.   فأي إنسان يعرفُ مواضع الفتنة، ورغبات الرجال لا يُمكنُه إطلاقًا أن يُبيحَ كشف الوجه، مع وجوب ستر القدمين، وينسب ذلك إلى شريعة هي أكملُ الشرائع وأحكمها.   من يدعون إلى السفور وكأنه أمر واجب تركه الناس قال الشيخ رحمه الله: رأيتُ بعض المتأخِّرين نقل القول بأن علماء المسلمين اتفقوا على وجوب ستر الوجه، لعظم الفتنة، كما ذكره صاحب (نيل الأوطار) عن ابن رسلان حتى ولو قلنا بإباحة كشفه، فإن حال المسلمين اليوم تقتضي القول بوجوب ستره؛ لأن المباح إذا كان وسيلةً إلى مُحرَّم صار محرم تحريم الوسائل.   وإني لأعجب أيضًا من دعاة السفور بأقلامهم، الذين يدعون إليه اليوم، وكأنه أمر واجب تركهُ الناس، بل نقول: إنه لو كان أمرًا واجبًا تركه الناس ما حرَّرت هذه الأقلام هذه الكلمات ودعت إليه، فكيف يسوغُ لأنفسنا أن ندعو إليه، ونحن نرى عواقبه الوخيمة فيمن قالوا بهذا القول.   من يجعلون السيادة للنساء ويزعمون أنهم أهل التقدُّم والحضارة قال الشيخ رحمه: لا شك أن بقاء المرأة في بيتها خيرٌ لها، كما جاء في الحديث: ((بيوتهن خيرٌ لهن))، ولا شكَّ أن إطلاق الحرية لها في الخروج، خلاف ما يأمر به الشرع، من حماية المرأة والحرص على وقايتها من الفتنة.   لكن المسلمين يقلدون أعداء الله في جعل السيادة للنساء، وصار النساء الآن هن الرجال، وهن القوَّامات، وهي التي تُدبرُ الرجل، ومن العجائب أن هؤلاء الذين جعلوا السيادة للنساء يزعمون أنهم هم أهل التقدم والحضارة.
وبؤسًا لقومٍ يدعون الحضارة والتقدم، يجعلون أمورهم بأيدي نسائهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لن يفلح قوم ولَّوا أمورهم امرأة))، وكلنا يعرف أن النساء كما وصفهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين، أذهبَ للبِّ الرجل الحازم من إحداكن)).   من يستدل بالحق على الباطل! سئل الشيخ: قد اختلفنا في مسألة؛ وهي هل يجوز للواعظ أن يأخذ نقودًا في حال الوعظ اعتمادًا على الحديث الذي يرويه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم وعظ النساء، فكن يرمين قُرُطهنَّ في ثوب بلال؟ فأجاب الشيخ رحمه الله: هذا من أعجب الأمور أن يستدل الإنسان بالحق على الباطل! فالواعظ الذي يعظ الناس ثم يتشوف إلى إعطائهم إياه الدراهم، هذا أراد بعمله الدنيا والعياذ به، والله تبارك وتعالى حكى عن الرسل وعن خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقولون: ﴿ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴾ [الأنعام: 90]، فالرسل عليهم الصلاة والسلام لا يأخذون أبدًا في دعوتهم إلى الله وموعظتهم لعباد الله أجرًا أبدًا؛ لأن أجر الواعظ عند الله؛ وليس أجره ما يوضع في يده من هذه الصدقات.   أما الاستدلال بفعل الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو في الحقيقة من الاستدلال بالحق على الباطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأخذ الصدقة لنفسه؛ بل إن الصدقة محرمة عليه، بل قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد؛ إنما هي أوساخ الناس)).   وإذا قام واعظ يعظُ الناس ويحثُّهم على التبرُّع لجهات معينة مشروع التبرُّع لها، فإنه لا بأس أن يأخذ الصدقة، ويكون مُثابًا على ذلك، أما أن يأخذها لنفسه، فإن هذا أمر لا ينبغي له أبدًا.   من يشاهد الناس يرتحلون عن الدنيا وهو غافل عن آخرته قال الشيخ رحمه الله: ويتبيَّن من هذه الآية التحذير العظيم من أولئك القوم الذين هلكوا فيما أترفوا فيه، وغفلوا بدنياهم عن آخرتهم، وصار أكبر همِّهم أن يشتغلوا بالدنيا عن الدين، حتى إن الرجل ليفكر في دنياه قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا وآكلًا وشاربًا، ومما يكون به العجب ولا ينقضي به العجب أن هؤلاء يُشاهدون الناس يرتحلون عن الدنيا رجُلًا رجلًا، وأنهم لا يُمتعون بها، ومع ذلك فهم غافلون بها عما خُلقوا له؛ ولهذا قال الله تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [الشعراء: 205، 206].   أيها المسلمون، الحذر الحذر أن تفتنكم الدنيا حتى تقعوا في الترف، ثم تكونوا بعد ذلك في التلف، وأن تجعلوا الدنيا وسيلة إلى الآخرة.   من يعلم أولاده أن يسلموا باللغة غير العربية قال الشيخ رحمه الله: العجيب أن العجم، وهم من كلُّ سوى العرب، إذا سلَّمُوا فإنهم يسلمون باللغة العربية؛ لكن من العرب الذين أهانوا أنفسهم من يُعلمون أولادهم أن يُسلِّموا باللغة غير العربية، يقول لابنه إذا أراد أن ينصرف: (باي باي)، وهذا خطأ، فيجب ألا نتهاون في هذه الأمور، ولا ننسلخ من قيمنا، ولا ننسلخ من عُروبتنا؛ لأن اللغة من أكبر مُقومات الشعوب، ونحن ولله الحمدُ ديننا كتابُه بلسان عربي، فكلام نبينا صلى الله عليه وسلم بلسان عربي، وكلام علمائنا وسلفنا بلسان عربي، فلا يجب أن ننسلخ من لغتنا ونأخذ بلغة غيرنا.   من إذا قلت لهم: قال الله، قال الرسول، قالوا: هل الأمر للوجوب أم للاستحباب؟ قال الشيخ رحمه الله: وإنني لأعجبُ من قوم هم أتقياء الله وهم من الصالحين - فيما يظهر لنا - إذا قلت: قال الله كذا، وقال الرسول كذا، قال: هل الأمر للوجوب أم للاستحباب؟ يا أخي، أمر الله افعله، سواء للوجوب أو لغير الوجوب، أنت على خير إذا فعلت، سواء كان واجبًا أو كان غير واجب، فافعل الشيء امتثالًا لأمر الله ورسوله، وكفى بهذا عبادة، قال الله: افعل كذا، وقال رسول الله: افعل كذا، فإنني أقول: سمعًا وطاعةً، وأنا على خير.   من يقسم الكذب إلى قسمين: كذب أبيض وكذب أسود قال الشيخ رحمه الله: والعجيب أن بعض الناس يقول: الكذب ينقسم إلى قسمين: أبيض وأسود، ونحن نقول: الكذب ينقسم إلى قسمٍ واحدٍ، وهُو الأسود، لا يوجد كذب أبيض إطلاقًا، هذا الذي قسمه إلى قسمين، قال: الأبيضُ هو الذي ليس به أكلُ مال لأحدٍ، ولا اعتداء على أحدٍ، كذب من أجل أن يضحك الناس، فعند هذا الرجل أنه أبيض، أمَّا إذا كذب ليأكل أموال الناس بالباطل، مثل رجل عنده حق لفلان، وطلبه صاحب الحق؛ لكن قال: ليس لك عندي شيء، يقول: هذا هو الكذب المحرم، أما الكذب الذي من أجل أن يضحك الناس فهذا ليس بمُحرَّم؛ لأنه أبيض.   سبحان الله أين البياض؟! والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول: ((ويل لمن حدَّث فكذب لِيُضحك به القوم، ويل له، ثُم ويل له))؛ ولهذا نجد أولئك القوم الذين يأتون بالتمثيليات وغيرها من الأشياء الكذب واقعين في هذا، وهم لا يعلمون.   امرأة تريد أن يطول شعرها قال الشيخ رحمه الله: العجبُ أن هذه السائلة - وفقها الله - تُريدُ أن يطول شعرها، وكثير من النساء اليوم - مع الأسف - يُردن أن يخفَّ الشَّعرُ، فتجد كثيرًا من النساء يقصصن شعرهن، حتى يكون كرأس الرجل تمامًا، وإذا قصت المرأة شعرها حتى يكون كرأس الرجل، فهي ملعونة على لسان محمد صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لعن المتشبهات من النساء بالرجال في أي شيء.   امرأة من رآها ظن أنها رجل قال الشيخ رحمه الله في دروسه في المسجد الحرام بمكة: والعجب أنني شاهدت فجر اليوم امرأة حسبتها رجلًا، عليها ثوب أبيض قميص بأكمام، وعليها غُترة بيضاء، وتمشي بين الرجال، من رآها ظنَّ أنها رجل.   والعجب أيضًا أن بعض النساء تظُنُّ أن المرأة يُسنُّ لها لُبس الثياب البيض في الإحرام كالرجال، وهذا غلط، فالمرأة لا تلبس الأبيض في الإحرام، وليس ذلك من السنة؛ بل المرأة تلبس ثيابها التي كانت تعتاد لُبسها، إلا أنها لا تتبرَّج بالزينة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ﴾ [الأحزاب: 33].   امرأة تسألُ: إن ضفيرتها تخرج من الخمار، فهل هذا جائز؟ وهي كاشفة الوجه قال الشيخ رحمه الله: لقد عجبت كثيرًا من امرأة تسألُ، تقول: إن ضفيرتها تخرج من الخمار، فهل هذا جائز؟ تسأل وهي كاشفة الوجه، الله المستعانُ! تسألُ عن شعرةٍ من رأس خرجت من تحت الخمار، وتدع هذا الوجه المليح الجميل.   مآتم كأنها محافل زواج قال الشيخ رحمه الله: والعجب أننا رأينا مآتم كأنها محافل زواج، فيها أنوار، وكراسي، وهذا داخل، وهذا خارج، ثم يأتون بقارئ يقرأُ لغير الله، بالأجرة، هذا الذي يقرأُ بالأجرة هو آثم وليس بمأجور، ولا أجر لمن قرأ له، وما يأخذه من الأجرة سُحْتٌ، وقال رحمه الله: وأنا أعجب من عمل هؤلاء الناس مثل هذا العمل مع أنهم لا يزدادون خيرًا، ولا ينتفع بذلك الميت.
وقال رحمه الله: والعجيب أن هذا الذي قرأ القرآن بأجرة يأثم على أخذ أجرةٍ على كتاب الله، والميت لا ينتفع به؛ لأن هذه القراءة استعاض عنها القارئ ثمنًا من الدنيا، ومن عمل عملًا للدنيا حَبِطَ عملهُ؛ قال الله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 15، 16]، فإذا كان عمل هذا القارئ حابطًا، فأين الأجرُ؟   إذن هناك خسارة مالية بدون فائدة، وخسارة دينية على هذا القارئ، وإذا كان هذا العوض من مال المتوفَّى، وفيهم قصار صار هذا من باب أكل مال اليتيم، وقد قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ﴾ [النساء: 10]؛ ولذلك فهذه نصيحة لله عز وجل ولإخواني المسلمين أن يدعوا هذه الأمور، وأن الإنسان إذا أُصيب بمصيبةٍ يقولُ ما قال الصابرون: ﴿ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 156]، يسترجع ويقول: ((اللهُمَّ أجرني في مُصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها))، فإذا قال ذلك بإيمانٍ آجره الله على مصيبته، وأخلف له خيرًا منها.   من يستنكر إذا سلمت عليه قال الشيخ رحمه الله: العجب أنك تسلم على بعض الناس خارجًا من المسجد أو داخلًا فيه وهو يستنكر، فيلتفت إليك بوجهه وكأنه لم يُشرع السلام بين المسلمين، فإذا سلمت استنكروا، وكأن الذي سلَّم ليس في بلاد المسلمين، مع أن السلام له فضائل عظيمة، منها: أنه سبب لدخول الجنة، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم))، وقال: من المضحك المبكي أن من الناس اليوم، وفي هذا المسجد الحرام، وفي هذا البلد الأمين، من إذا سلمت عليه استغرب، ولا يدري ماذا يقول، وهذا يدُلُّ على الجفاء، ويدل على الجهل بآداب الإسلام، وكان الصحابة رضي الله عنه إذا حالت بينهم شجرة أو نحوها، سلَّم بعضهم على بعضٍ، يعني: إذا كانوا يمشون معًا، فحالت بينهم شجرة أو نحوها، ثم تلاقوا سلَّم بعضُهُم على بعضٍ، والمسلمون اليوم تجد كثيرًا منهم يُلاقي الآخرين يضرب كتف أحدهم بكتف أخيه، ولا يُسلِّمُ عليه.
أين الآداب الإسلامية التي حثَّ عليها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ أين الخلق الإسلاميُّ؟ أين شعار المسلمين الذي هو التحية: السلام عليك؟! إن فقده بين المسلمين سبب للعداوة، والضغائن، والأحقاد، ونقص الإيمان.

فالله الله عباد الله في إفشاء السلام، أفشوا السلام بينكم، أظهروه، أعلنوه، ألم تعلموا أن الإنسان إذا سلَّم على أخيه، فقال: السلام عليك، كانت له عشر حسناتٍ باقياتٍ يجدها يوم القيامة يثقُلُ بها ميزانُهُ، وترتفعُ بها درجته عند الله، ويأمن بها من عذاب النار.   مصافحة الرؤوس قال الشيخ رحمه الله: هناك مصافحة جديدة غريبة، ألا وهي مُصافحة الرؤوس، فإذا لقيك الإنسان أمسك رأسك، وكأن المصافحة باليد منسوخة! فأولًا صافح باليد، ثم أمسك الرأس وقبله، أو اليد وقبلها، فلا بأس بهذا، أما أن يأتي مباشرة للرأس ولا يُسلِّمُ باليد: حياك الله، حياك الله، وينصرف، فهذا خلاف السنة.   صعود بعض الناس إلى جبل الرماة في أحد قال الشيخ رحمه الله: من أعجب ما رأينا أن الجبل الذي يُدعى أنه جبل الرماة في أُحد، يذهب أناس إليه ويصعدون، وربما يدعون هناك وما أشبه ذلك، وهذا من الغرائب، فمكان وقعت فيه معصية من الصحابة رضي الله عنهم جدير بأن يتخذ مكان قربة؟! أبدًا بالعكس، فالإنسان ربما يكره أن يراه خوفًا من أن يقع في قلبه شيء بالنسبة للصحابة رضي الله عنهم الذين وقعت منهم المعصية في ذلك المكان، لكن الجهل داء قاتل، نسأل الله العافية!   من يغتابون العلماء وهم أسوأُ حالًا من العلماء قال الشيخ رحمه الله: غيبة العلماء أعظمُ إثمًا وأكبر جُرمًا، وأشدُّ قبحًا من غيبة العوام، لما يترتب على ذلك من الاستخفاف بالشريعة التي يحملها العلماء، والعجبُ أن أولئك الذين يغتابون العلماء هم أسوأُ حالًا من العلماء: أولًا: لأنهم لا يساوونهم في العلم والإدراك. وثانيًا: أن عندهم من العنف والكبرياء، والإعجاب بالنفس، وتكفير غيرهم ما هو معروف.   من يؤكدون وعدهم بقولهم: وعد إنجليزي قال الشيخ رحمه الله: من العجب أن بعض الذين اندهشوا وانبهروا بالغربيين إذا أراد أن يؤكد الوعد يقول: وعد إنجليزي، يذهب إلى وعد إنجليزي، وينسى وعد المؤمن! سبحان الله!   فعليك يا أخي بالصدق والوفاء بالوعد، وإذا أردت أن تُؤكده فلا تقل لصاحبك: وعد إنجليزي، بل قل: وعد مؤمن، والمؤمن - والله - يفي بوعده امتثالًا لأمر الله: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 34]، وتقرُّبًا إلى الله وتخلُّقًا بالأخلاق الإسلامية.   من يستدل بقوله تعالى: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 95] على قول صدق الله العظيم عند انتهاء القراءة قال الشيخ رحمه الله: في الحديث دليل على: أنه لا يقول: (صدق الله العظيم) عند انتهاء القراءة، وهذه الكلمة مُحدثة، ما كان الناس يقولونها، لكنها أُحدثت - والله أعلم - من القُرَّاء المتأخرين، ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يقولها؛ بل هي بدعة، وقد احتجَّ بعض الناس بقول الله تعالى: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 95]، وهذا احتجاج غريب، يدلُّ على جهل المحتجِّ به؛ لأن الله لم يقل: قل صدق الله إذا انتهيت من قراءة القرآن؛ لكن: ﴿ قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ﴾ فيما بعثه به من الرسالة، وبما أخبر به من أمور الغيب وغيرها، ولا بأس أن الإنسان إذا رأى شيئًا شهد له القرآن أن يقول: صدق الله، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام حين حمل ابني بنته (الحسن والحسين) فقال: ((صدق الله﴿ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [التغابن: 15])).
  من قال إن الإفراد أفضل من التمتع؛ لأن التمتع يلزمه هدي وهو مال ضائع قال الشيخ رحمه الله: من العجائب: أننا سمعنا بعض الناس قالوا: إن الإفراد أفضلُ من التمتع، قالوا ذلك لا بناءً على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مفردًا كما احتج به العلماء السابقون، مع أنه عليه الصلاة والسلام حجَّ قارنًا؛ لكن بناءً أن التمتُّع يلزم منه الهدي، والهديُ الآن مال ضائع، قالوا: فلما كان مالًا ضائعًا، فلماذا نأخذ النُّسك الذي نتسبب به في إضاعة أموالنا؟! فعللوا بهذا التعليل، وهو تعليل غير صحيح؛ لأن الذي يضيع الهدي هم الناس، ولو أنهم مشوا فيه على المشروع ما ضاع.

ما ذكره العلامة ابن القيم عن عذاب القبر في كتابه "الروح" قال الشيخ رحمه الله: عذاب القبر ثابت بالقرآن، والسنة، والحسِّ، أدلة الحسِّ: أنه قد يكشفُ لبعض الناس عن عذاب القبر، واسأل الذين يكونُون ليلًا عند المقابر تسمع عنهم ما يُعجِّبُ، فأحيانًا يسمعون صياحًا عظيمًا، وإفظاعًا، وأهوالًا، مما يدُلُّ على ثبوت عذاب القبر، وارجع إلى كتاب "الروح" لابن القيم تجد العجبَ العُجاب.
من سمى ابنه (نكتل) قال الشيخ رحمه الله: بعض الناس إذا أراد الآن أن يُسمي ابنه، فتح القرآن فأول ما ينظر من كلمه سمى ابنه، حتى أنه وجد شخص سمى ابنه (نكتل)؛ قال: لأنه أول ما فتح سورة يوسف وجد قوله تعالى: ﴿ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ ﴾ [يوسف: 63]، فقال: (نكتل) اسم لأخيهم، فسمى ابنه (نكتل)، شيء عجيب! يعنى الناس في الأزمنة الأخيرة ليس عندهم ضوابط إطلاقًا، أيُّ كلمة تواجهه في القرآن سمى ابنه أو ابنته بهذا الاسم.
ذهاب الساعات الكثيرة من عمر الإنسان بلا فائدة قال الشيخ رحمه الله: أعزُّ مال الإنسان عمره، والعجب أن العمر هو أرخص ما يهتم به الإنسان! فتجده يبخل بالدرهم والدينار؛ ولكنه لا يبخل بالساعات الكثيرة التي تذهب من عمره بلا فائدة، مع أن العمر أغلى، كما قال الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [المؤمنون: 99، 100]، ولم يقل لعلي أتَّجر فيما تركتُ حتى أربح، بل قال: ﴿ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ حتى لا يضيع عليَّ بلا فائدة، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، فإضاعة الوقت من باب أولى.
من يقول إن الغشَّ في اللغة الإنجليزية في الاختبار لا بأس به قال الشيخ رحمه الله: سمعتُ من بعض الناس أن الغشَّ في اللغة الإنجليزية في الاختبار لا بأس به، ويُعللون ذلك بأنها لغة الكُفَّار، لكن قولهم هذا وهم باطل، فالغشُّ في الاختبار سواء في اللغة الإنجليزية، أو في اللغة العربية، أو في الفقه، أو في التوحيد، أو في التفسير، أو في أيِّ مادة مُحرَّم؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من غشنا فليس منَّا))، والعجب أن هذا القائل يقول: الغشُّ في اللغة الإنجليزية لا بأس به، فيحكم عليه بأنه غش ثم يقول: لا بأس به، والغشُّ فيه بأس، فقد تبرَّأ النبي صلى الله عليه وسلم من فاعله.

أسئلة عجيبة وغريبة سئل الشيخ: هل يجوز للمرأة المسلمة أن تقضي ما قد يفوتها من شهر رمضان مقدمًا؛ أي: قبل حلول شهر رمضان المبارك، مقارنة بجواز تقديم زكاة الفطر عدة سنوات؛ خوفًا من الفقر؟ فأجاب الشيخ رحمه الله: هذا السؤال غريب جدًّا، فلا أحد يفرض أن يصوم الإنسان رمضان قبل حلول رمضان، كما أنه لا أحد يفرض أن يُصلى صلاة الظهر قبل زوال الشمس، وإذا قدر أن أحدًا صام رمضان قبل حلول رمضان، فإن هذا الصيام لا ينفعه، ولا يثيبه الله عليه؛ لأنه بدعة، بل هو للإثم أقرب منه إلى السلامة، وأما قياسه على زكاة الفطر فإن زكاة الفطر لا يجوز تقديمها، ولو خاف القحط؛ بل لا تؤدى زكاة الفطر لشهر من شهور رمضان إلا قبل العيد بيوم أو يومين فقط، وما كنت أظنُّ أن أحدًا يسأل هذا السؤال.

وسئل الشيخ: هناك من يعتقد أن الرجل لا يجوز له أن يصلي قبل أن يبلغ أشده - أي: أربعين سنة - لأنه معرض للنظر إلى الفاتنات، ومعرض للذهاب إلى بيوت لا ينبغي أن يذهب إليها، وعند ذلك لا يجتمع الخبيث والطيب، لا تجتمع الصلاة بهذه العادات وبهذا الفسق؟ فأجاب رحمه الله: هذا غريب، والمهم على كل حال: متى بلغ الإنسان وجبت عليه الصلاة المفروضة، والبلوغ يحصل بواحد من الأمور الثلاثة: إما أن بأن يتم له خمس عشرة سنة، أو تنبت عانته، أو ينزل المني باحتلام أو في اليقظة، وتزيد المرأة أمرًا رابعًا، وهو: الحيض، فمتى حصلت إحدى هذه العلامات في الإنسان صار بالغًا مُكلفًا، تجب عليه جميع الأعمال التي تجب على الكبار.
وسئل الشيخ: إنني أحبُّ قراءة السورة القرآنية، وأحب الصلاة، وأحب الرجل الذي يصلي، وأستمع إلى السور القرآنية دائمًا، وأنا لا أصلي، علمًا أن السبب الذي يجعلني لم أُصلِّ هو أنني في مدرسة مختلطة، فما هو الواجب عليَّ عمله؟ فأجاب رحمه الله: هذا السؤال غريب، وهو شاهد من الواقع على فساد المدارس المختلطة، وأنها شرٌّ وفتنة، ودليل من الواقع على أنه يجب على هؤلاء الذين جعلوا مدارسهم مختلطة أن يميزوا مدارس النساء عن مدارس الرجال، حتى يسلموا من هذه الفتنة العظيمة التي أوجبت لمثل هذا الشاب أن يضلَّ هذا الضلال في دينه، فلا يصلي.
وبهذه القصة الغريبة يتبين الخطر الكامن في المدارس التي يختلط فيها الرجال والنساء، ويتبين حكمة الشرع في وجوب الفصل بين الرجال والنساء في الدراسة، وكذلك في العمل.
وسئل الشيخ: ما السبب في وجود عقيدة صحيحة وعقيدة باطلة؟ فأجاب رحمه الله: هذا سؤال عجيب! يعني إذًا قل: ما السبب في وجود مؤمنين وكافرين؟ ما السبب في وجود فاسقين وطائعين؟ ونقول: السبب في ذلك أن هذه حكمة الله عز وجل، كما قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ ﴾ [التغابن: 2]، وقال تعالى: ﴿ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ﴾ [هود: 118]؛ أي: على دين واحد وعقيدة واحدة، ولكن ﴿ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ [هود: 118، 119]، ولولا هذا الاختلاف لكان خلق الجنة والنار عبثًا؛ لأن النار تحتاج إلى أهل، والجنة تحتاج إلى أهل، فلا بد من الاختلاف.

كتب الشيخ التي تم الرجوع إليها: • تفسير سورة المائدة.
• تفسير سورة الصافات. • تفسير سورة ص.
• التعليق على صحيح البخاري. • التعليق على صحيح مسلم. • شرح عمدة الأحكام.
• شرح اقتضاء الصراط المستقيم. • دروس وفتاوى من الحرمين الشريفين.
• فتاوى نور على الدرب.



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن