أرشيف المقالات

شرح حديث: كان يستفتح الصلاة بالتكبير

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2شرح حديث: كان يستفتح الصلاة بالتكبير   عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَستَفْتِحُ الصَّلاةَ، بِالتَّكْبِيرِ، وَالْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَكَانَ إِذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ، وَلكِنْ بَيْنَ ذلِكَ، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا، وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ، وَكَانَ يَفرشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ ينْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَكَانَ يَخْتِمُ الصَّلاةَ بِالتَّسْلِيمِ"؛ رواه مسلم.   تخريج الحديث: الحديث أخرجه مسلم (498)، وانفرد به عن البخاري، وأخرجه أبو داود في "كتاب الصلاة" "باب مَنْ لم يرَ الجَهْر ببسم الله الرحمن الرحيم"، حديث (783)، وأخرجه ابن ماجه في "كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها" "باب افتتاح القراءة" حديث (812).   شرح ألفاظ الحديث: • "يَستَفْتِحُ الصَّلاةَ بِالتَّكْبِيرِ"؛ أي: يدخل فيها بقوله: الله أكبر؛ وهي تكبيرة الإحرام.   • "وَالْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ": القراءة بالنصب عطفًا على (الصلاة)، والحمد بضم الدال على الحكاية، فهي مجرورة بكسرة مقدرة منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة الحكاية، والمعنى كان يستفتح القراءة بهذا اللفظ، وما يليه من سورة الفاتحة.   • "لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ": يشخص: بضم الياء وسكون الشين وكسر الخاء؛ أي: يرفع، و(يُصَوِّب) بضم الياء وفتح الصاد وكسر الواو المشددة؛ أي: يخفضه خفضًا بليغًا؛ أي: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه عن مستوى ظهره.   • "ولكن بين ذلك" بين الرفع والخفض؛ ليكون على مستوى ظهره.   • "وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ"؛ أي: التشهد كله ((التحيات لله ....))، وقولها: "التحية" من باب إطلاق البعض على الكل.   • "وَكَانَ يَفرشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى": يفرش بضم الراء وكسرها لغتان، والضم أشهر؛ أي: يبسطها ويمدها على الأرض.   • "وَكَانَ ينْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ": بضم العين وسكون القاف، وفي رواية لمسلم: "وكان ينهى عن عَقِب الشيطان" واختلف في معناها: قيل: هي أن يفرش قدميه فيجعل ظهورها نحو الأرض، ويجلس على عقبيه، ذكر هذه الصفة ابن دقيق العيد؛ [انظر: إحكام الأحكام (2/ 292)، والإعلام لابن الملقن (3/ 48)].   وقيل: عقبة الشيطان: أن يلصق الرجل أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه وفخذيه، ويضع يديه على الأرض كما يفرش الكلب وغيره من السباع، وهذا تفسير أبي عبيدة معمر بن المثنى وغيره؛ ]شرح صحيح مسلم؛ للنووي (4/ 436)[، وقيل: أن يضع أليتيه على عقبيه بين السجدتين وهو المعروف بهيئة الإقعاء، وهو تفسير أبي عبيد والزمخشري؛ [انظر: الفائق (3/ 11)، والمفهم (5/ 22)] وهذا القول ضعيف؛ لأن الإقعاء سنة كما سيأتي في أول كتاب المساجد بعد خمسة وثلاثين حديثًا تقريبًا من حديث ابن عباس رضي الله عنه، ولعل مراد أصحاب هذا التفسير الصورة الأولى، وأضيفت العُقبة للشيطان تقبيحًا لها، أو لأنها من فعله أو أمره.   "يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ"؛ أي: يبسطهما على الأرض في السجود، وأضفيت إلى السبع تقبيحًا وتنفيرًا، والسبع كل حيوان مفترس.   من فوائد الحديث: الفائدة الأولى: الحديث دليل على وجوب افتتاح الصلاة بالتكبير، وهو لفظ: (الله أكبر)، ولا يجزئ غيرها، والحكمة من الاستفتاح بالتكبير استحضار المصلي عظمة الله تعالى، وأنه أكبر من كل شيء يخطر بباله فيخشع ويستحيي أن يشتغل بغيره.   الفائدة الثانية: الحديث دليل على أنه أول شيء يُقرأ في الصلاة الفاتحة، ولو قرأ أي شيء قبلها فلا يعتد به، وليس في الحديث ما يدل على ترك دعاء الاستفتاح؛ لأن المراد أول شيء يقرأ من القرآن فهو يستفتح القراءة بالفاتحة.   الفائدة الثالثة: الحديث دليل على أن من صفة الركوع الموافق للسنة التسوية بين الرأس والظهر حال الركوع، فلا يرفع رأسه عن مستوى ظهره، ولا ينزله عنه.   الفائدة الرابعة: الحديث دليل على مشروعية الاستقرار في القيام بعد الركوع، وفي الجلوس بين السجدتين خلافًا لمن خفَّفهما، وتقدم أن الطمأنينة فيهما مشروعة كما هو ثابت بالسنة قولًا وعملًا.   الفائدة الخامسة: الحديث دليل على مشروعية قراءة التحيَّات في كل تشهُّد.   الفائدة السادسة: الحديث دليل على مشروعية افتراش القدم اليسرى ونصب اليمنى حال الجلوس في الصلاة، سواء كان ذلك في تشهُّد كل ركعة ثانية أو الجلسة بين السجدتين، أما الجلوس في التشهُّد الأخير في الثلاثية والرباعية، فقد ورد في حديث أبي حميد الساعدي عند البخاري أنه كان يُقدِّم اليُسرى وينصب اليمنى، ويقعد على مقعدته بالأرض، وللتشهُّد الأخير أكثر من هيئة جلوس ستأتي بإذن الله بعد قرابة ثمانين حديثًا في حديث عبدالله بن الزبير رضي الله عنهم.   الفائدة السابعة: الحديث دليل على أن المصلي منهيٌّ عن الجلوس على العقبين مفترش القدمين، وكذا منهيٌّ عن نصب فخذيه وساقيه واضعًا يديه وأليتيه بالأرض؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن عقبة الشيطان.   الفائدة الثامنة: الحديث دليل على أن الشيطان جسم يجلس كما في حديث الباب، وورد في أحاديث أخرى أنه يأكل ويشرب ويمشي ويبيت ويضحك إلى غير ذلك من الصفات التي دلَّت عليها النصوص.   الفائدة التاسعة: الحديث دليل على أن النهي عن افتراش الذراعين في السجود بأن يضعهما على الأرض؛ لأن ذلك مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم في رفع المرفقين ووضع الكفين، وتشبُّهًا بالكلب في انبساط ذراعيه، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله: "وَلا يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ". وتقدم قريبًا الكلام عن هيئة السجود، وما يتعلَّق بها.   الفائدة العاشرة: الحديث دليل على أن ختم الصلاة والخروج منها يكون بقول: السلام عليكم ورحمة الله، فلا تختم الصلاة بالنية، ولا بلفظ غير التسليم؛ ولذا أخذ العلماء من هذا الحديث تعريف الصلاة بأنها: عبادة معلومة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، وهذا الحديث من أوسع الأحاديث في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لاشتماله على عدة أحكام.   مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الصلاة).



شارك الخبر

المرئيات-١