أرشيف المقالات

القول الصواب في محمد بن حميد الرازي

مدة قراءة المادة : 9 دقائق .
2القول الصواب في محمد بن حميد الرازي
قال البخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 69): «فيه نظر»؛ ومعناها عنده أنه واهٍ متهم متروك. وقال يعقوب بن شيبة السدوسي كما في «تاريخ بغداد» (3/ 60): «محمد بن حميد الرازي، كثير المناكير». وفيه أيضًا: «قال النسائي: ليس بثقة».   وفيه أيضًا: «عن إسحاق بن منصور الكوسج، قال: قرأ علينا ابن حميد كتاب المغازي، عن سلمة، فقُضِيَ - من القضاء - أني صرت إلى عليِّ بن مهران، فرأيته يقرأ كتاب المغازي عن سلمة، فقلت له: قرأ علينا محمد بن حميد؛ يعني: عن سلمة، قال: فتعجب عليُّ بن مهران، وقال: سمعه محمد بن حميد مِنِّي».   وفيه أيضًا: «قال إسحاق بن منصور: أشهد على محمد بن حميد، وعبيد بن إسحاق العطار، بين يدي الله أنهما كذابان». وفيه أيضًا: «قال فضلك الرازي: عندي عن ابن حميد خمسون ألف حديث، لا أحدِّث عنه بحرف». وفيه أيضًا: «قال أبو علي صالح بن محمد الأسدي الحافظ: كل شيء كان يحدثنا ابن حميد كنا نتهمه فيه.   وقال: محمد بن حميد كانت أحاديثه تزيد، وما رأيت أحدًا أجرأ على الله منه؛ كان يأخذ أحاديث الناس، فيقلب بعضها على بعض.   وقال: ما رأيت أحدًا أحذق بالكذب من رجلين: سليمان بن الشاذكوني، ومحمد بن حميد الرازي، وكان يحفظ حديثه كله، فكان حديثه كل يوم يزيد».   وفيه أيضًا: «قال أبو القاسم ابن أخي أبي زرعة، يعني: الرازي: سألت أبا زرعة عن محمد بن حميد، فأومأ بإصبعه إلى فمه، فقلت له: كان يكذب؟ فقال برأسه: نعم، قلت له: كان قد شاخ، لعله كان يعمل عليه ويدلس عليه؟ فقال: لا يا بني، كان يتعمد».   وفيه أيضًا: «قال أبو نعيم عبدالملك بن محمد بن عدي: سمعت أبا حاتم محمد بن إدريس الرازي في منزله، وعنده عبدالرحمن بن يوسف بن خراش وجماعة من مشايخ أهل الري وحفاظهم للحديث، فذكروا ابن حميد وأجمعوا على أنه ضعيف في الحديث جدًّا، وأنه يحدِّث بما لم يسمعه، وأنه يأخذ أحاديث لأهل البصرة والكوفة؛ فيحدِّث بها عن الرازيين».   وفيه أيضًا: «عن أبي العباس بن سعيد، قال: سمعت داود بن يحيى، يقول: حدَّثَنا عنه، يعني: محمد بن حميد أبو حاتم قديمًا، ثم تركه بأخرة، قال: وسمعت عبدالرحمن بن يوسف بن خراش، يقول: حدثنا ابن حميد، وكان والله يكذب».   وقال الجوزجاني في «أحوال الرجال» (ص207): «محمد بن حميد الرازي، كان رديء المذهب، غير ثقة».   وجاء في ترجمته في «الجرح والتعديل» (7/ 232، 233): «سئل يحيى بن معين عن محمد بن حميد الرازي؟ فقال ثقة، ليس به بأس، رازي كيس.   عن علي بن الحسين بن الجنيد، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: ابن حميد ثقة، وهذه الأحاديث التي يحدِّث بها ليس هو من قِبَله؛ إنما هو من قِبَل الشيوخ الذي يحدِّث به عنهم.   سمعت أبي يقول: سألني يحيى بن معين عن ابن حميد مِن قَبْل أن يظهر منه ما ظهر، فقال: أي: شيء تنقمون عليه؟ فقلت: يكون في كتابه الشيء فنقول: ليس هذا هكذا؛ إنما هو كذا وكذا، فيأخذ القلم فيغيِّره على ما نقول، قال: بئس هذه الخصلة، قَدِم علينا بغداد فأخذنا منه كتاب يعقوب القمي، ففرقنا الأوراق بيننا، ومعنا أحمد بن حنبل، فسمعناه، ولم نر إلا خيرًا.   سمعت أبي يقول: حضرت محمد بن حميد، وحضره عون بن جرير، فجعل ابن حميد يحدِّث بحديث عن جرير فيه شعر، فقال عون: ليس هذا الشعر في الحديث؛ إنما هو من كلام أبي، فتغافل ابن حميد ومَرَّ فيه.   سمعت أبي يقول: حضرت حانوت عَبْدَك خَتَن أبي عمران الصوفي، أنا وأحمد بن السندي، وعنده جزءان، فقلت: هذان الجزءان لك؟ قال: نعم، قلت: ممن سمعت؟ قال: من أبي زهير عبدالرحمن بن مغراء، فإذا مكتوب في أول الجزء: أحاديث لمحمد بن إسحاق، ثم على إثر ذلك شيوخ علي بن مجاهد، والآخر: أحاديث سلمة بن الفضل، فقلت: أحد الجزأين من حديث علي بن مجاهد، والآخر من حديث سلمة بن الفضل، فقال: لا، حدثنا به أبو زهير، فعلَّمت على أحاديث منها غرائب حسان، فلما رأيته قد لجَّ تركت الجزأين عنده، وخرجت، ثم دخلت أنا وابن السندي بعد أيام على ابن حميد، فقال: ها هنا أحاديث لم ننظر فيه، فأخرج إلى جزأين فإذا أحاديث قد كتبه، وقرأ مشاهير مما مر بي في ذينك الجزأين، وإذا قد كتب تلك الغرائب، وإذا هو يحدِّث بما كان في الجزء الذي ذكرت أنا لعبدك أنه من حديث علي بن مجاهد عن علي بن مجاهد، والذي ذكرت أنه عن سلمة بن الفضل، يحدِّث به عن سلمة، على الاستواء، فقلت لابن السندي: ترى هذه الأحاديث هي الأحاديث التي رأيت في الجزأين اللذين كانا عند عبدك، فلما خرجنا من عند ابن حميد، وقد كتبت تلك الأحاديث الغرائب التي كنت اشتهيت أن اسمعه من عبدك سمعته من ابن حميد، ومررت على عبدك، فقلت: هات ذلك الجزأين لأطالعه، فقال: مَرَّ بي ابن حميد ورأهما في حانوتي فأخذهما وذهب بهما.   عن علي بن الحسين بن الجنيد، قال: سمعت أبا زرعة يقول: كُتِب إليَّ من بغداد بنحو من خمسين حديثًا من حديث ابن حميد منكرة، فيه أحاديث رواه شبابة عن شعبة، حدَّث به عن إبراهيم بن المختار عن شعبة» اهـ.   قلت: فتبيَّن من كلام الأئمة أن محمد بن حميد متروك واهٍ، وبعضهم يكذبه. وليس كما وصفه الحافظ في «التقريب» بالضعف فقط؛ بل أمره أشد من ذلك.   وأما ما نُقل من توثيقه عن أحمد وابن معين؛ فهذا محمول على عدم معرفتهما بحاله؛ ويتبين ذلك من قول ابن أبي حاتم: «سمعت أبي يقول: سألني يحيى بن معين عن ابن حميد مِن قَبْل أن يظهر منه ما ظهر».   وقال الترمذي في «جامعه» (4/ 194)، عن البخاري: «كان حسن الرأي في محمد بن حميد الرازي، ثم ضعفه بعد». وتقدم قول داود بن يحيى: «حدَّثَنا عنه أبو حاتم قديمًا، ثم تركه بأخرة».   فدلَّ على أن أمره كان خافيًا، ثم انكشف بعد ذلك. ولذلك جاء في «سير أعلام النبلاء» (11/ 504): «قال أبو علي النيسابوري: قلت لابن خزيمة: لو حدَّث الأستاذ عن محمد بن حميد، فإن أحمد بن حنبل قد أحسن الثناء عليه! قال: إنه لم يعرفه، ولو عرفه كما عرفناه، لَمَا أثنى عليه أصلًا».   ثم إن الجرح المفسر يقدم على التعديل.   وأيضًا؛ فإن بلدية أبا حاتم الرازي وابن خراش وجماعة من مشايخ أهل الري وحفاظهم ضعفوه جدًّا - كما تقدم - بل اتهمه ابن خراش بالكذب؛ وهؤلاء أعلم به من غيرهم.   وقد وجَّه ابن عدي توثيق الإمام أحمد إلى غير الحديث؛ فقال في «الكامل» (9/ 392): «وتكثر أحاديث ابن حميد التي أنكرت عليه إن ذكرناها، على أن أحمد بن حنبل قد أثنى عليه خيرًا لصلابته في السُّنَّة».



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير