أرشيف المقالات

التواضع في الإسلام

مدة قراءة المادة : 27 دقائق .
2التواضع في الإسلام
الحمد لله، الذي له ملك السماوات والأرض، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:   فإن التواضع من أخلاق الإسلام المباركة؛ من أجل ذلك أحببتُ أن أذكِّر نفسي وأحبَّائي طلاب العلم الكرام بمنزلة التواضع في الإسلام، فأقول وبالله تعالى التوفيق:   معنى التواضع: التواضع: هو رضا الإنسان بمنزلة دون ما يستحقه فضله ومنزلته؛ (الذريعة إلى مكارم الشريعة، للراغب الأصفهاني، صـ 213).   الفرق بين التواضع والتذلُّل: • التذلل: إظهار العجز عن مقاومة من يتذلل له. • التواضع: إظهار قدرة من يتواضع له، سواء كان ذا قدرة على المتواضع أو لا؛ (الفروق اللغوية؛ لأبي هلال العسكري، صـ249).   منزلة التواضع: التواضع خلق حميد، وجوهر لطيف، يستهوي القلوب، ويستثير الإعجاب والتقدير، وهو من أخص خصال المؤمنين المتقين، ومن كريم سجايا العاملين الصادقين، ومن شيم الصالحين المخبتين.   التواضع هدوء وسكينة ووقار واتزان، التواضع بشاشة وجه، ولطافة خلق، وحسن معاملة، بتمام التواضع وصفائه يتميز الخبيث من الطيب، والأبيض من الأسود، والصادق من الكاذب، وما تواضع أحد لله تعالى، إلا رفعه الله سبحانه.   المتواضع يبدأ من لقيه بالسلام، ويجيب دعوة من دعاه، كريم الطبع، جميل العشرة، طلق الوجه، رقيق القلب، متواضع من غير ذلة، جواد من غير إسراف؛ (فصل الخطاب في الزهد والرقائق؛ محمد نصر الدين عويضة، جـ6، صـ: 428).   التواضع وصية رب العالمين: حثَّنا الله تعالى على التواضع في كتابه العزيز، وسوف نذكر بعض هذه الآيات: (1) قال الله تعالى: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الشعراء: 215]. • قال الإمام القرطبي رحمه الله: ألن جانبك لمن آمن بك وتواضع لهم، وأصله أن الطائر إذا ضمَّ فرخه إلى نفسه بسط جناحه، ثم قبضه على الفرخ، فجعل ذلك وصفًا لتقريب الإنسان أتباعه؛ (تفسير القرطبي، جـ9، صـ57).   (2) قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا ﴾ [الإسراء: 37]. • قال الإمام القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ﴾ هذا نهي عن الخيلاء، وأمر بالتواضع؛ (تفسير القرطبي، جـ10، صـ260).   (3) قال جل شأنه: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 54].   • قال الإمام القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾؛ أي: يرأفون بالمؤمنين، ويرحمونهم، ويلينون لهم؛ (تفسير القرطبي، جـ 6، صـ220).   • قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾؛ هذه صفات المؤمنين الكمل أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليه؛ (تفسير ابن كثير، جـ 3، صـ136).   (4) قال جل شأنه: ﴿ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾ [الحج: 34]. قوله تعالى: ﴿ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ﴾.   • قال قتادة بن دعامة رحمه الله: ﴿ المخبتين ﴾: المتواضعين؛ (تفسير الطبري، جـ16، صـ 551).   قال الإمام القرطبي رحمه الله: المخبت: المتواضع الخاشع من المؤمنين؛ (تفسير القرطبي؛ جـ12، صـ 58).   (5) قال سبحانه: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83].   • قال الإمام ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى أن الدار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين، الذين لا يريدون علوًّا في الأرض؛ أي: ترفُّعًا على خلق الله وتعاظمًا عليهم وتجبُّرًا بهم، ولا فسادًا فيهم؛ (تفسير ابن كثير، جـ6، صـ258).   (6) قال الله عز وجل: ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ [النجم: 32].   * قال الإمام القرطبي رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ﴾؛ أي: لا تمدحوها ولا تثنوا عليها، فإنه أبعد من الرياء وأقرب إلى الخشوع؛ (تفسير القرطبي، جـ 17، صـ110).   (7) قال الله تعالى: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63].   • قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا ﴾؛ أي: بسكينة ووقار من غير جبرية ولا استكبار؛ (تفسير ابن كثير، جـ 6، صـ121).   نبينا صلى الله عليه وسلم يحثنا على التواضع: حثنا نبينا صلى الله عليه وسلم على التواضع في كثير من أحاديثه، وسوف نذكر بعضًا منها: (1) روى مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد))؛ (مسلم، حديث 2198).   قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: قوله: ((إن الله أوحى إلي أن تواضعوا))؛ يعني: أن يتواضع كل واحد للآخر، ولا يترفَّع عليه؛ بل يجعله مثله أو يكرمه أكثر، وكان من عادة السلف (رحمهم الله) أن الإنسان منهم يجعل من هو أصغر منه مثل ابنه، ومن هو أكبر مثل أبيه، ومن هو مثله مثل أخيه، فينظر إلى من هو أكبر منه نظرة إكرام وإجلال، وإلى من هو دونه نظرة إشفاق ورحمة، وإلى من هو مثله نظرة مساواة، فلا يبغي أحد على أحد، وهذا من الأمور التي يجب على الإنسان أن يتَّصف بها؛ أي: بالتواضع لله عز وجل، ولإخوانه من المسلمين؛ (شرح رياض الصالحين؛ لابن عثيمين، جـ3، صـ 524).   (2) روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله؛ (مسلم، حديث 69).   • قال الإمام عبدالرؤوف المناوي رحمه الله في شرحه للحديث: وما تواضع عبد من المؤمنين رقًّا وعبودية لله في الائتمار بأمره، والانتهاء عن نهيه، ومشاهدته لحقارة نفسه، ونفي العجب عنها، إلا رفعه الله في الدنيا بأن يثبت له في القلوب بتواضعه منزلة عند الناس ويجل مكانه، وكذا في الآخرة على سرير خلد لا يفنى ومنبر ملك لا يبلى، ومن تواضع لله في تحمل مؤن خلقه كفاه الله مؤنة ما يرفعه إلى هذا المقام، ومن تواضع في قبول الحق ممن دونه، قبل الله منه طاعاته، ونفعه بقليل حسناته وزاد في رفعة درجاته وحفظه بمعقبات رحمته من بين يديه ومن خلفه؛ (فيض القدير؛ عبدالرؤوف المناوي، جـ4، صـ 678).   (3) روى البخاري عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت؛ (البخاري، حديث 2568). • (الكراع): ما دون الكعب من الدابة، وهو قليل اللحم.   • قال الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله في الحديث دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم وتواضعه وجبره لقلوب الناس، وعلى قبول الهدية وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله، ولو علم أن الذي يدعوه إليه شيء قليل؛ (فتح الباري؛ لابن حجر العسقلاني، جـ9، صـ 246).   (4) روى الترمذي عن معاذ بن أنس الجهني، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من ترك اللباس تواضُعًا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها))، ومعنى قوله: حلل الإيمان: يعني ما يعطى أهل الإيمان من حلل (أي: ثياب) الجنة؛ (حديث حسن) (صحيح سنن الترمذي؛ للألباني، حديث:2017). • قوله: ((من ترك اللباس))؛ أي: لبس الثياب الحسنة المرتفعة القيمة.   • قوله: ((تواضعًا لله))؛ أي: لا ليقال إنه متواضع أو زاهد ونحوه؛ (تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي؛ للمباركفوري، جـ7، صـ 154).   • قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث: هذا يعني أن الإنسان إذا كان بين أناس متوسطي الحال لا يستطيعون اللباس الرفيع، فتواضع وصار يلبس مثلهم، لئلا تنكسر قلوبهم، ولئلا يفخر عليهم، فإنه ينال هذا الأجر العظيم أما إذا كان بين أناس قد أنعم عليهم، ويلبسون الثياب الرفيعة لكنها غير محرمة، فإن الأفضل أن يلبس مثلهم؛ لأن الله تعالى جميل يحب الجمال؛ (شرح رياض الصالحين؛ لابن عثيمين، جـ4، صـ 317).   أقوال السلف في التواضع: سوف نذكر بعضًا من أقوال سلفنا الصالح في التواضع: (1) قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: وجدنا الكرم في التقوى، والغنى في اليقين والشرف في التواضع؛ (إحياء علوم الدين؛ للغزالي، جـ3، صـ531).   (2) قالت عائشة، رضي الله عنها: إنكم لتغفلون أفضل العبادة التواضع؛ (التواضع؛ لابن أبي الدنيا، صـ107، رقم: 80).   (3) قال عبدالله بن مسعود، رضي الله عنه: من تواضع لله تخشُّعًا، رفعه الله يوم القيامة، ومن تطاول تعظُّمًا، وضعه الله يوم القيامة؛ (الزهد، لوكيع بن الجراح، صـ 467، رقم:216).   (4) قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: لا يبلغ عبد ذرى الإيمان حتى يكون التواضُع أحبَّ إليه من الشرف؛ (الزهد؛ عبدالله بن المبارك، جـ 2، صـ52).   (5) قال سلمان الفارسي رضي الله عنه لجرير بن عبدالله رضي الله عنه: يا جرير تواضع لله؛ فإنه من تواضع لله في الدنيا رفعه الله يوم القيامة؛ (الزهد؛ لوكيع بن الجراح، صـ 465، رقم:215).   (6) قال لقمان الحكيم رحمه الله لابنه: يا بني، تواضع للحق تكن أعقل الناس؛ (غذاء الألباب؛ محمد بن أحمد السفاريني، جـ2 صـ232).   (7) سئل يوسف بن أسباط رحمه الله: ما غاية التواضع؟ قال: أن لا تلقى أحدًا إلا رأيت له الفضل عليك؛ (سير أعلام النبلاء؛ للذهبي، جـ9، صـ 170).   (8) قال إبراهيم بن الأشعث رحمه الله: سألت الفضيل عن التواضع، قال: التواضع أن تخضع للحق وتنقاد له، ولو سمعته من صبي قبلته منه، ولو سمعته من أجهل الناس قبلته منه؛ (التواضع؛ لابن أبي الدنيا، صـ117، رقم: 88).   (9) قال كعب الأحبار رحمه الله: ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فشكرها لله، وتواضع بها لله، إلا أعطاه نفعها في الدنيا، ويرفع الله له بها درجةً في الآخرة، وما أنعم الله على العبد من نعمة في الدنيا فلم يشكر لله، ولم يتواضع بها لله، إلا منعه الله نفعها في الدنيا، وفتح له طبقًا من النار، يعذبه إن شاء، أو يتجاوز عنه؛ (الشكر؛ لابن أبي الدنيا، صـ64، رقم: 189).   (10) قال عبدالله بن المبارك رحمه الله: رأس التواضع أن تضع، نفسك عند من هو دونك في نعمة الدنيا حتى تعلمه أن ليس لك بدنياك عليه فضل، وأن ترفع نفسك عمن هو فوقك في نعمة الدنيا حتى تعلمه أنه ليس له بدنياه عليك فضل؛ (التواضع؛ لابن أبي الدنيا، صـ119، رقم: 89).   (11) قال قتادة بن دعامة رحمه الله: من أعطي مالًا أو جمالًا وثيابًا وعلمًا ثم لم يتواضع كان عليه وبالًا يوم القيامة؛ (التواضع؛ لابن أبي الدنيا، صـ119، رقم: 90).   (12) قال الحسن البصري رحمه الله: التواضع أن تخرج من منزلك فلا تلق مسلمًا إلا رأيت له عليك فضلًا؛ (التواضع؛ لابن أبي الدنيا، صـ152، رقم: 116).   (13) قال يحيى بن الحكم رحمه الله لعبدالملك بن مروان رحمه الله: أي الرجال أفضل؟ قال: من تواضع عن رفعة، وزهد عن قدرة، وترك النصرة عن قوة؛ (تاريخ دمشق؛ لابن عساكر، جـ37، صـ144).   (14) قال الشافعي رحمه الله: التواضع من أخلاق الكرام، والتكبُّر من شيم أخلاق اللئام؛ (شعب الإيمان؛ للبيهقي، جـ10، صـ 515 ، رقم: 7913).   • قال الشافعي رحمه الله: أرفع الناس قدرًا مَنْ لا يرى قدره، وأكبر الناس فضلًا من لا يرى فضله؛ (شعب الإيمان؛ للبيهقي، جـ10، صـ 515، رقم: 7914).   (15) قال عون بن عبدالله رحمه الله: كان يقال: من كان في صورة حسنة، وموضع لا يشينه، ووسَّع عليه في الرزق، ثم تواضع لله عز وجل، كان من خالص الله عز وجل؛ (التواضع؛ لابن أبي الدنيا، صـ 112، رقم: 84).   (16) قال يحيى بن كثير رحمه الله: رأس التواضع ثلاث: أن ترضى بالدون من شرف المجلس، وأن تبدأ من لقيته بالسلام، وأن تكره المدحة والسمعة والرياء بالبر؛ (التواضع؛ لابن أبي الدنيا، صـ154، رقم: 118).   (17) التواضع يكسب السلامة، ويورث الألفة، ويرفع الحقد، ويذهب الصد، وثمرة التواضع المحبة كما أن ثمرة القناعة الراحة؛ (روضة العقلاء؛ لابن حبان، صـ61).   التواضع في واحة الشعراء: (1) قال يوسف بن أسباط: كفى بملتمس التواضع رفعةً *** وكفى بملتمس العلو سفالا (روضة العقلاء؛ محمد بن حبان، صـ62)   (2) قال أحمد بن محمد الواسطي: كم جاهل متواضع ستر التواضع جهله ومميز في علمه هدم التكبر فضله فدع التكبر ما حييت ولا تصاحب أهله فالكبر عيب للفتى أبدًا يقبح فعله (مدح التواضع؛ لابن عساكر، جـ42، صـ18).   (3) يقول الشاعر: تواضع إذا ما نلت في الناس رفعةً فإن رفيع القوم من يتواضع ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعًا فكم تحتها قوم همُ منك أرفع وإن كنت في عز رفيع ومنعة فكم مات من قوم همُ منك أمنع (دليل الواعظ؛ شحاته محمد صقر، جـ1، صـ 148).
  (4) يقول الشاعر: تواضع تكن كالنجم لاح لناظر على صفحات الماء وهو رفيع ولا تك كالدخان يرفع نفسه إلى طبقات الجو وهو وضيع ( موارد الظمآن؛ عبدالعزيز السلمان، جـ4، صـ 192).   (5) يقول الشاعر: تواضع إذا ما كان قدرك عاليًا فإن انخفاض المرء من شيمة الفضل ولا تعجبن من عالم متواضع يخاطبه طفل فيصغي إلى الطفل ( البحور الزاخرة؛ محمد بن أحمد السفاريني، جـ2، صـ 784).   (6) يقول الشاعر: إن التواضع من خصال المتقي*** وبه التقي إلى المعالي يرتقي ( موارد الظمآن؛ عبدالعزيز السلمان، جـ4، صـ 152).   (7) يقول الشاعر: إذا شئت أن تزداد قدرًا ورفعةً *** فَلِنْ وتواضع واترك الكبـر والعجبا (موسوعة الأخلاق؛ للخراز، صـ417).   (8) قال الشاعر: وأحسن مقرونين في عين ناظر *** جلالة قدر في خمول تواضع (موارد الظمآن؛ عبد العزيز السلمان، جـ4، صـ152).   شروط التواضع: (1) الإخلاص. (2) القدرة.   أولًا: الإخلاص: يجب على المسلم أن يقصد بتواضعه مرضاة الله تعالى والتقرُّب إليه وحده. • قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [البينة: 5].   • قال سبحانه: ﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 110].   • قال الإمام ابن كثير رحمه الله: هذان ركنا العمل المتقبل، لا بد أن يكون خالصًا لله، صوابًا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ (تفسير ابن كثير، جـ9، صـ205).   روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه))؛ (مسلم حديث: 2985).   • روى الشيخان عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((الأعمال بالنية، ولكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه))؛ (البخاري، حديث: 54/ مسلم، حديث: 1907).   ثانيًا: القدرة: يجب على المسلم أن تكون لديه القدرة الكاملة على فعل أو ترك ما يريد. • روى الترمذي عن معاذ بن أنس الجهني، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من ترك اللباس تواضُعًا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها))، ومعنى قوله: حلل الإيمان: يعني ما يعطى أهل الإيمان من حلل (ثياب) الجنة؛ (حديث حسن) (صحيح سنن الترمذي؛ للألباني، حديث: 2017).   • روى أبو داود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يُخيِّره الله من الحور العين ما شاء))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود؛ للألباني، حديث:3997).   أنواع التواضع: التواضع نوعان: تواضع مع الله تعالى، وتواضع مع الناس، وسوف نتحدث عنهما بإيجاز: أولًا: التواضع مع الله تعالى: تواضع المسلم مع الله تعالى نوعان: الأول: تواضع العبد لربه عندما يأتي من الطاعات غير معجب بفعله ولا راء له، عنده حالة يوجب بها أسباب الولاية، إلا أن يكون المولى عز وجل، هو الذي يتفضل عليه بذلك، وهذا التواضع هو السبب الدافع لنفس العجب عن الطاعات.   الثاني: هو ازدراء المسلم نفسه واستحقاره إياها عند ذكره ما فعل من المعاصي حتى لا يرى أحدًا من الناس، إلا ويرى نفسه دونه في الطاعات وفوقه في الجنايات؛ (روضة العقلاء؛ محمد بن حبان، صـ60).   ثانيًا: التواضع مع الناس: التواضع مع الناس نوعان: تواضع محمود، وتواضع مذموم. • التواضع المحمود: هو ترك التطاولِ على عباد الله - تعالى - والإزراءِ بهم. • التواضع المذموم: هو تواضع المرء لذي الدنيا؛ رغبةً في دنياه.   فالعاقل يلزم مفارقة التواضع المذموم على الأحوال كلها، ولا يفارق التواضع المحمود على الجهات كلها؛ (روضة العقلاء؛ محمد بن حبان، صـ59).   أمور من التواضع: (1) اتهام النفس والاجتهاد في علاج عيوبها.   (2) مداومة استحضار المسلم للدار الآخرة أمام عينيه، واحتقار الدنيا، والحرص على الفوز بالجنة والنجاة من النار.   (3) التواضع للمسلمين والوفاء بحقوقهم، ولين الجانب لهم، واحتمال الأذى منهم والصبر عليهم.   (4) معرفة الإنسان قدر نفسه بين أهله وأصحابه إذا قورن بهم.   (5) غلبة الخوف في قلب المؤمن على الرجاء، واليقين بما سيكون عند لقاء الله تعالى يوم القيامة.   (6) الانقياد التام لما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة.   (7) ترك الشهوات المباحة، والملذات الكمالية؛ احتسابًا لله وتواضعًا له مع القدرة عليها.   (8) التواضع للوالدين ببرهما وإكرامهما وطاعتهما في غير معصية، والحنو عليهما والبشر في وجههما، والتلطف في الخطاب معهما، وتوقيرهما والإكثار من الدعاء لهما في حياتهما وبعد مماتهما.   (9) التواضع للمرضى بعيادتهم والوقوف بجانبهم.   (10) تفقد الفقراء, ومواساتهم بالمال والتواضع لهم؛ (فصل الخطاب في الزهد والرقائق؛ محمد نصر الدين عويضة، جـ7، صـ 342:341 ).   فوائد وثمرات التواضع: نستطيع أن نوجز فوائد وثمرات التواضع في الأمور التالية: (1) التواضع خلق كريم من أخلاق عباد الله تعالى المؤمنين. (2) التواضع هو الطريق إلى مرضاة الله سبحانه، وإلى جنته. (3) التواضع هو السبيل إلى القرب من الله تعالى، ثم القرب من الناس. (4) التواضع عنوان سعادة المسلم في الدنيا والآخرة. (5) الله تعالى يحب المتواضعين ويشملهم برعايته. (6) المتواضعون آمنون من عذاب الله تعالى يوم القيامة. (7) التواضع دليل على حسن الخاتمة، وعلى حسن الخلق. (8) التواضع يؤدي إلى حصول النصر والبركة في المال والعمر؛ (موسوعة نضرة النعيم، جـ4، صـ1268).
  ختامًا: أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن يجعله ذخرًا لي عنده يوم القيامة، كما أسأله سبحانه أن ينفع به طلاب العلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.




شارك الخبر

مشكاة أسفل ١