أرشيف المقالات

تفسير آية دعاء من بلغ الأربعين

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2تفسير آية دعاء من بلغ الأربعين
قال الله تعالى: ﴿ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ ﴾ [الأحقاف: 15، 16].   التفسير: أي: حتى إذا بلغ الولد شدة قوته وكمال عقله في سن ثلاث وثلاثين، وبلغ سن أربعين سنة، وكمل حينها عقله وقوته، وتكاملت حجة الله عليه.
قال الذي بلغ سن الأربعين وهداه الله لتوحيده والعمل بطاعته: رب ألهمني ووفقني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى أبي وأمي من قبلي من نِعَمِ الدين والدنيا.
ووفقني - يا رب - أن أعمل في بقية عمري عملاً خالصاً موافقاً لسنة نبيك يرضيك عني وتقبله مني.
وأصلح لمنفعتي نسلي بأن تهديهم للإيمان والعمل الصالح، وتصلح أحوالهم.
إني تبت إليك من ذنوبي السابقة، ورجعت إلى طاعتك.
وإني من المستسلمين لك بالتوحيد، المنقادين لحكمك، الخاضعين لك بالطاعة في أمرك ونهيك.
هؤلاء الذين يبرون والديهم ويدعون الله بهذا الدعاء هم الذين نتقبل عنهم أحسن الذي عملوا في الدنيا من الأعمال الصالحة، ونستجيب دعاءهم، ونثيبهم في الآخرة ونصفح لهم عن سيئات أعمالهم فنغفرها لهم ولا نعاقبهم عليها.
كائنين في جملة أهل الجنة.
وعد الله المؤمنين أن يتقبل حسناتهم ويتجاوز عن سيئاتهم ويدخلهم الجنة وعد الحق الذي كانوا في الدنيا يعدهم الله به على ألسنة رسله، والله لا يخلف وعده.   يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (21/ 139- 143)، ((معاني القرآن)) للزجاج (4/ 442)، ((تفسير ابن أبي زمنين)) (4/ 226)، ((الوسيط)) للواحدي (4/ 108)، ((تفسير ابن عطية)) (5/ 98)، ((تفسير القرطبي)) (16/ 194- 196)، ((شفاء العليل)) لابن القيم (ص: 57)، ((تفسير ابن كثير)) (7/ 280، 281)، ((روح المعاني)) للألوسي (13/ 176)، ((فتح القدير)) للشوكاني (5/ 22، 23)، ((تفسير السعدي)) (ص: 781)، ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (26/ 33 - 35).   حديث وأثر يتعلقان بمعنى الآية: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)).
رواه مسلم (1631).   وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (﴿ أَشُدَّهُ ﴾: ثلاث وثلاثون سنة، واستواؤه أربعون سنة، والعذر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون).
رواه ابن جرير في تفسيره (21/ 139).   فوائد من أقوال بعض العلماء في الآية: قال الوزير ابن هبيرة: (هذا من تمام بر الوالدين، كأن هذا الولد خاف أن يكون والداه قصرا في شكر الرب عز وجل، فسأل الله أن يلهمه الشكر على ما أنعم به عليه وعليهما؛ ليقوم بما وجب عليهما من الشكر إن كانا قصَّرا) ((تفسير ابن رجب)) (2/ 59).   قال ابن كثير: (هذا فيه إرشاد لمن بلغ الأربعين أن يجدد التوبة والإنابة إلى الله، عز وجل، ويعزم عليها) ((تفسير ابن كثير)) (7/ 281).   قال الشوكاني: (في هذه الآية دليل على أنه ينبغي لمن بلغ عمره أربعين سنة أن يستكثر من هذه الدعوات) ((فتح القدير)) للشوكاني (5/ 22).   قال ابن عاشور: (أي: أن يحسن إلى والديه في وقت بلوغه الأشد.
فالمعنى: ووصينا الإنسان حسنا بوالديه حتى في زمن بلوغه الأشد، أي: أن لا يفتر عن الإحسان إليهما بكل وجه حتى بالدعاء لهما.
وإنما خص زمان بلوغه الأشد لأنه زمن يكثر فيه الكلف بالسعي للرزق، إذ يكون له فيه زوجة وأبناء، وتكثر تكاليف المرأة، فيكون لها فيه زوج وبيت وأبناء، فيكونان مظنة أن تشغلهما التكاليف عن تعهد والديهما، والإحسان إليهما، فنُبِّها بأن لا يفترا عن الإحسان إلى الوالدين..
والأشد: حالة اشتداد القوى العقلية والجسدية..
وليس الأشد اسماً لعدد من سني العمر، وإنما سنو العمر مظنة للأشد، ووقته ما بعد الثلاثين سنة، وتمامه عند الأربعين سنة؛ ولذلك عطف على ﴿ بَلَغَ أَشُدَّهُ ﴾ قوله: ﴿ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ﴾ أي: بلغ الأشد، ووصل إلى أكمله)
((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (26/ 32، 33).
وينظر: ((أحكام القرآن)) للجصاص (3/ 263).   فائدة: في الآية أن على المسلم أن يعتز بكونه من المسلمين، ولا ينتسب لاسم غيره، ولا يتعصب لشيء سواه، ولا يدعو الناس إلى بدع محدثة، وآراء مخترعة، لم يعرفها المسلمون الأولون، بل هو متَّبِعٌ لا مُبتدِعٌ، فهو من جملة المسلمين الذين استسلموا لله بالتوحيد، وانقادوا له بالطاعة، وتبرؤوا من الشرك وأهله.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١