أرشيف المقالات

يهل أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة

مدة قراءة المادة : 16 دقائق .
2يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة   عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يهل أهل المدينة من ذي الحليفة، وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن".   قال عبدالله: وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ويهل أهل اليمن من يلملم".   الحج: أحد أركان الإسلام الخمسة التي بُني عليها الإسلام والأصل في وجوبه الكتاب والسنة والإجماع؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 97]، وروى الترمذي وحسنه عن ابن عمر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ما يوجب الحج؟ قال: "الزاد والراحلة"، وقال تعالى: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ ﴾ [الحج: 27]...
الآية، و(السبيل): الزاد والراحلة، وقال تعالى: ﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196].   • قال ابن تيمية: (ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية، وإن كانا فاسقين وهو ظاهر إطلاق أحمد، وهذا فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر، فإن شق عليه ولم يضرَّه، وجب، وإلا فلا، وإنما لم يُقيده أبو عبدالله لسقوط الفرائض بالضرر، وتحرم في المعصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فحينئذ ليس للأبوين منع ولدهما من الحج الواجب، لكن يستطيب أنفسهما، فإن أذنا وإلا حج، والحج واجب على الفور، والقول بوجوب العمرة على أهل مكة قول ضعيف جدًّا مخالف للسنة الثابتة، ولهذا كان أصح الطريقين عن أحمد أن أهل مكة لا عمرة عليهم رواية واحدة، وفي غيرهم روايتان، وهي طريقة أبي محمد وطريقة أبي البركات في العمرة ثلاث روايات، ثالثها تجب على غير أهل مكة، ومَن وجَب عليه الحج، فتوفِّي قبله وخلَّف مالًا، حج عنه منه في أظهر قولي العلماء، وإذا وجب الحج على المحجور عليه، لم يكن لوليه منعه منه على الوجه الشرعي، والتجارة ليست محرمة، لكن ليس للإنسان أن يفعل ما يشغله عن الحج، ومن أراد سلوك طريق يستوي فيها احتمال السلامة والهلاك، وجب عليه الكف عن سلوكها، فإن لم يكف، فيكون أعان على نفسه، فلا يكون شهيدًا، ويجوز الخفارة عند الحاجة إليها في الدفع عن المخفر، ولا يجوز مع عدمها كما يأخذه السلطان من الرعايا، قال: ويجوز للرجل الحج عن المرأة باتفاق العلماء، وكذا العكس على قول الأئمة الأربعة، وخالف فيه بعض الفقهاء، والحج على الوجه المشروع أفضل من الصدقة التي ليست واجبة، وأما إن كان له أقارب محاويج، فالصدقة عليهم أفضل، وكذلك إن كان هناك قوم مضطرون إلى نفقته، فأما إذا كان كلاهما تطوعًا، فالحج أفضل؛ لأنه عبادة بدنية مالية، وكذلك الأضحية والعقيقة أفضل من الصدقة بقيمة ذلك، لكن هذا بشرط أن يقيم الواجب في الطريق ويترك المحرمات، ويُصلي الصلوات الخمس، ويَصْدُقُ الحديثَ، ويؤدي الأمانة، ولا يتعدى على أحد)[1]؛ انتهى.   • قوله: (باب المواقيت).   • قال البخاري: باب فرض مواقيت الحج والعمرة، حدَّثنا مالك بن إسماعيل، حدثنا زهير، قال: حدثني زيد بن جبير أنه أتى عبدالله بن عمر رضي الله عنهما في منزله، وله فسطاط وسرادق، فسألتُه: من أين يجوز أن أعتمر؟ قال: فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد قرنا ولأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة[2].   • قال الحافظ: (المواقيت: جمع ميقات، ومعنى قرض: قدَّر أو، أوجب، وهو ظاهر نص المصنف، وأنه لا يجيز الإحرام بالحج والعمرة مِن قبل الميقات)[3].   • قوله: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة) إلى آخره.   • وقال البخاري: باب مهل أهل مكة للحج والعمرة. وذكر حديث ابن عباس قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، هنَّ لهن ولمن أتى عليهنَّ من غيرهنَّ ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة[4].   • قال الحافظ: (قوله: باب مهل أهل مكة للحج والعمرة، المهل بضم الميم وفتح الهاء وتشديد اللام، موضع الإهلال، وأصله رفع الصوت؛ لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الإحرام، ثم أطلق على نفس الإحرام اتساعًا)[5].   • قوله: (وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة)؛ أي: حدَّد. • قال الحافظ: (وأصل التوقيت: أن يُجعل للشيء وقتٌ يختص به، ثم اتسع فيه، فأُطلق على المكان.   • قوله: (ذو الحليفة)، هو مكان معروف، قال الحافظ: بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين، قاله ابن حزم، وقال غيره: بينهما عشر مراحل، وقال النووي: بينها وبين المدينة ستة أميال.   • قوله: (ولأهل الشام الجحفة). • قال الحافظ: وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أو ستة، قال: وسُمِّيت الجحفة؛ لأن السيل أجحف بها، قال الكلبي: كان العماليق يسكنون يثرب، فوقع بينهم وبين بني عبيل وهم إخوة عاد حرب، فأخرجوهم من يثرب، فنزلوا مهيعة، فجاء سيل فاجتحفهم؛ أي: استأصلهم، فسُميت الجحفة، ووقع في حديث عائشة عند النسائي: ولأهل الشام ومصر الجحفة، والمكان الذي يحرم منه المصريون الآن رابغ قريب من الجحفة، واختصت الجحفة بالحمى، فلا ينزلها أحد إلا حم.   • قوله: (ولأهل نجد قرن المنازل). • قال الحافظ: أما نجد فهو كل مكان مرتفع، وهو اسم لعشرة مواضع، والمراد منها هنا التي أعلاها تهامة واليمن، وأسفلها الشام والعراق، قال: والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان، قال: ووقع في عبارة القاضي حسين في سياقه لحديث ابن عباس هذا، ولأهل نجد اليمن ونجد الحجاز قرن، وهذا لا يوجد في شيء من طرق حديث ابن عباس، وإنما يوجد ذلك من مرسل عطاء، وهو المعتمد، فإن لأهل اليمن إذا قصدوا مكة طريقين؛ إحداهما طريق أهل الجبال، وهم يصلون إلى قرن أو يحاذونه، فهو ميقاتهم، كما هو ميقات أهل المشرق، والأخرى طريق أهل تهامة، فيمرون بيلملم أو يحاذونه، وهو ميقاتهم لا يشاركهم فيه إلا من أتى عليه من غيرهم.   • قوله: (ولأهل اليمن يلملم). • قال الحافظ: مكان على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلًا، ويقال لها: ألملم بالهمزة وهو الأصل والياء تسهيل لها.   • قوله: (هن لهن)؛ أي: المواقيت للجماعات المذكورة، وفي رواية: "هن لهن"؛ أي: المواقيت المذكورة لأهل البلاد المذكورة، وفي رواية "هن لأهلهن".   • قال الحافظ: أي على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة، ويدخل في ذلك من دخل بلدًا ذات ميقات، ومن لم يدخل، فالذي لا يدخل لا إشكال فيه إذا لم يكن له ميقات معين، والذي يدخل فيه خلاف؛ كالشامي إذا أراد الحج، فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها، ولا يؤخر حتى يأتي الجحفة التي هي ميقاته الأصلي، فإن أخر أساء ولزِمه دمُ عند الجمهور، قال ابن دقيق العيد: قوله ولأهل الشام الجحفة يشمل من مَرَّ مِن أهل الشام بذي الحليفة، ومن لم يمر، وقوله: "ولمن أتى عليهنَّ من غير أهلهنَّ"، يشمل الشامي إذا مر بذي الحليفة وغيره، فهنا عمومان قد تعارضا)؛ انتهى ملخصًا.   • قال الحافظ: (ويحصل الانفكاك عنه بأن قوله: هنَّ لهنَّ مفسر لقوله مثلًا: وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، وأن المراد بأهل المدينة ساكنوها، ومن سلك طريق سفرهم فمر على ميقاتهم، ويؤيده عراقي خرج من المدينة، فليس له مجاوزة ميقات المدينة غير محرم، ويترجح بهذا قول الجمهور، وينتفي التعارض)[6]؛ انتهى.   • قال في الاختيارات الفقهية: (ومن ميقاته الجحفة كأهل مصر والشام إذا مرُّوا على المدينة، فلهم تأخير الإحرام إلى الجحفة، ولا يجب عليهم الإحرام من ذي الحليفة، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك)[7].   • قوله: (ممن أراد الحج والعمرة). • قال الحافظ: (فيه دلالة على جواز دخول مكة بغير إحرام. • قوله: (ومن كان دون ذلك)؛ أي: بين الميقات ومكة. • قوله: (فمن حيث أنشأ).   • قال الحافظ: أي: فميقاته من حيث أنشأ الإحرام؛ إذ السفر من مكانه إلى مكة، قال: ويؤخذ منه أن من سافر غير قاصدٍ للنسك، فجاوز الميقات، ثم بدا له بعد ذلك النسك أنه يحرم من حيث تجدَّد له القصد، ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات لقوله: فمن حيث أنشأ.   • قوله: (حتى أهل مكة من مكة). • قال الحافظ: أي لا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للإحرام منه، بل يحرمون من مكة كالآفاقيِّ الذي بين الميقات ومكة، فإنه يحرم من مكانه ولا يحتاج إلى الرجوع إلى الميقات ليحرم منه، وهذا خاص بالحاج، وأما المعتمر فيجب عليه أن يخرج إلى أدنى الحل، قال المحب الطبري: لا أعلم أحدًا جعل مكة ميقاتًا للعمرة، فتَعيَّن حمله على القارن.   • قال الحافظ: واختلف فيمن جاوز الميقات مريدًا للنسك، فلم يحرم، فقال الجمهور: يأثم ويلزمه دم، فأما لزوم الدم، فبدليل غير هذا، وأما الإثم فلترك الواجب، وقالوا: لو رجع إلى الميقات قبل التلبس بالنسك، سقط عنه الدم.   • قال الحافظ: الأفضل في كل ميقات أن يحرم من طرفه الأبعد من مكة، فلو أحرم من طرفه الأقرب جاز)[8]؛ انتهى.   • وقال البخاري أيضًا: باب ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة. وذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يهل أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن، قال عبدالله: وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ويهل أهل اليمن مِن يلملم[9].   • قال الحافظ: (استنبط المصنف من إيراد الخبر بصيغة الخبر مع إرادة الأمر تعيَّن ذلك، وأيضًا فلم ينقل عن أحد ممن حج مع النبي صلى الله عليه وسلم أنه أحرم قبل ذي الحليفة، ولولا تعيَّن الميقات، لبادروا إليه؛ لأنه يكون أشقَّ، فيكون أكثر أجرًا. وفي رواية: أن رجلًا قام في المسجد، فقال: يا رسول الله، من أين تأمرنا أن نهل الحديث.   • قال الحافظ: حكى الأثرم عن أحمد أنه سُئل في أي سنة وقَّت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت، فقال عام حج)[10]؛ انتهى. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لَما فتح هذان المصران أتوا عمرَ، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدَّ لأهل نجد قرنًا، وهو جور عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنًا شق علينا، قال: فانظروا حذوها من طريقكم، فحدَّ لهم ذات عرق).   • قال الحافظ: (سُمي بذلك؛ لأن فيه عرقًا، وهو الجبل الصغير، وهي أرض سبخة تنبت الطرفاء بينها وبين مكة مرحلتان، والمسافة اثنان وأربعون ميلًا، وهو الحد الفاصل بين نجد وتهامة، والمصران الكوفة والبصرة، وهما سرتا العراق، والمراد بفتحهما غلبة المسلمين على مكان أرضهما، وإلا فهما من تمصير المسلمين)[11]؛ انتهى.   وقال الشافعي في "الأم": لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حد ذات عرق وإنما أجمع عليه الناس. قال ابن عبدالبر: أجمع أهل العلم على أن إحرام أهل العراق من ذات عرق إحرام من الميقات. عن ابن عباس قال: وقَّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق العقيق.   • قال الحافظ: (العقيق المذكور هنا وادٍ يتدفق ماؤه في غوري تهامة، وهو غير العقيق المذكور؛ يعني: في قوله صلى الله عليه وسلم: العقيق واد مبارك الذي يقرب البقيع بينه وبين المدينة أربعة أميال)[12].   • قال الموفق: ومَن لم يكن طريقه على ميقات، فإذا حاذى أقرب المواقيت إليه أحرَم؛ انتهى، والله أعلم.


[1] الاختيارات الفقهية: (1/ 463). [2] صحيح البخاري: (2/ 164). [3] فتح الباري: (3/ 383). [4] صحيح البخاري: (2/ 165). [5] فتح الباري: (3/ 384). [6] فتح الباري: (3/ 385، 386). [7] (1/ 466). [8] فتح الباري: (3/ 386). [9] صحيح البخاري: (2/ 165). [10] فتح الباري: (3/ 387). [11] فتح الباري: (3/ 389). [12] فتح الباري: (3/ 391).



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣