أرشيف المقالات

بل هم قوم خصمون

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾
لا ريب أن المراء والجِدال اللذَين تتَّسِم بهما بعضُ الحوارات التي نعيش تداعياتها السلبية في حياتنا اليومية الراهنة، المكتظَّة بالكثير من الإشكاليَّات المعاصرة في كل المجالات؛ إنما يعكسان سلوكيَّات مقرفة، تهدم العِشْرة، وتُورِث الضغينة، وتُعمِّق الخصومة، وتُوغِر الأحقاد في النفوس، وذلك لأن المراء يُقَسِّي القلوب، ويُورِث الضغائن، كما هو معروف.   ولا جرم أن كثرة المجادلة والمماحكة بافتعال معارك كلامية، وإثارة سجالات تُشعِل فتيل العداوة في المجتمع، وتؤدي إلى الضلال، هو ما حذَّرنا منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه، إلَّا أوتوا الجدل فيما بينهم)).   وهكذا يكون الجدل العقيم بين الناس مورثًا للبغضاء، وسبيلًا لزرع الشحناء التي تكون مدعاةً لبُغْض الله تعالى للمخاصم، وسخطه عليه؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم))، وقد عاب الله تعالى الجدل، وذمَّ الخصومة بقوله: ((مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلا جَدَلا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)).   وعلى العكس من ذلك، فإن سماحة الكلام، وأسلوب الحوار الليِّن مع الجُلساء، تُبْقي على التقدير قائمًا، وتُرسِّخ الوقار بين المتحاورين، وتُوفِّر خلفيةً رصينةً لحُسْن الاستماع، وتطرح بيئة مناسبة لحُسْن الإقناع، وتحقيق النتيجة المتوخَّاة، وذلك من خلال طلاقة الوجه، وطيب الكلام، والحرص على قول الكلمة الطيبة التي تأسر القلوب، تمشِّيًا مع قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الإسراء: 53].   ومن أجل ذلك نُلاحظ أن الله سبحانه وتعالى يدعو رسوله صلى الله عليه وسلم إلى اعتماد الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة، والموعظة الحسنة، كمنهجٍ عامٍّ، وبما يضمن أن يكون الجدل وسيلةً سليمة للوصول إلى الحقيقة على قاعدة ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].   كما يُلاحظ أيضًا أن القرآن الكريم يحثُّ المؤمنين على أن يكون جِدالهم لأهل الكتاب بالتي هي أحسن، ويحثُّ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في نفس الوقت على مودَّتِهم، واستمالة قلوبهم، بما أنهم يؤمنون بما أنزل إليهم، وما أنزل إلى أنبيائهم، وأنهم جميعًا يعبدون إلهًا واحدًا، وكما جاء في قوله تعالى: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 46] في إشارة واضحة إلى ضرورة اعتماد الكلمة الحسنة منهجًا للخطاب والمجادلة، في أي حوار مع الآخرين.   ولأن الجِدال الفارغ سلوكٌ مذمومٌ، سواء كان بقَصْد إفحام الآخر، وإظهار تعجيزه، والمس بمكانته من خلال القدح في كلامه، وتسفيه معرفته، أو بقصد ظهور المجادل المتنطِّع أمام الآخرين بمظهر صاحبِ الحجَّة والبيان؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذَّرنا منه، بقوله: ((ما ضلَّ قومٌ بعد هُدى كانوا عليه، إلَّا أُوتوا الجدل))، وهو ما ينبغي أن يعتمده المسلم دليلَ عملٍ دائمٍ في حياته اليومية، ولا سيَّما عند حواره مع الآخرين، وفي أي شأنٍ كان.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣