أرشيف المقالات

الأحرف السبعة وما ينبغي اعتقاده فيها

مدة قراءة المادة : 12 دقائق .
2الأحرف السبعة وما ينبغي اعتقاده فيها   الأحرف السبعة ثابتة بالأحاديث الصحيحة التى بلغت حد التواتر، كما حكى ذلك كثيرٌ من أهل العلم، وأصبح من المعلوم عند عامة المسلمين وعلمائهم أن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف، كما دل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((أقرأني جبريل على حرف، فراجعته، فلم أزل أستزيده حتى انتهى إلى سبعة أحرف))[1].   وكذا الحديث الذي رواه الحكم عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن أُبي عنه صلى الله عليه وسلم: "أن جبرائيل أتاه بِأَضاةِ[2] بني غِفار، فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد، فقال صلى الله عليه وسلم: ((أسأل الله المعافاة والرحمة، إن ذلك ليشق على أُمَّتي، ولا يستطيعونه))، ثم أتاه الثانية فقال: ((إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرفين))، فقال له مثل ما قال في الأولى، حتى انتهى إلى سبعة أحرف، قال: ((فمَنْ قرأ بحرف منها، فقد أصاب))"، وجاء عن عمر بن الخطاب أنه قال: "سمعت هشام بن الحكيم يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها عليه، وكان صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فكدت أن أعجل عليه، ثم أمهلته حتى انصرف، ثم لببته[3] بردائه، فجئت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأ))، فقرأ القراءة التي سمِعته يقرأ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هكذا أنزلت))، ثم قال لي: ((اقرأ))، فقرأت، فقال: ((هكذا أنزلت، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسَّر منه)) [4]".   فهذه الأدلة وغيرها تدل على أن القرآن الكريم نزل على أكثر من حرف؛ ولذلك قالوا لها: الأحرف السبعة، وأن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يقرؤون القرآن في عهده صلى الله عليه وسلم على أوجه مختلفة في بعض الآيات، وهذا يجعلنا نقف هنا مع عدد من المسائل.   المسألة الأولى: ما سبب ورود القرآن على سبعة أحرف؟ قد أجاب الإمام ابن الجزري عن هذا في النشر بقوله: "فأما سبب وروده على سبعة أحرف فللتخفيف على هذه الأُمَّة وإرادة اليُسْر بها، والتهوين عليها؛ شرفًا لها وتوسعة ورحمة وخصوصية لفضلها، وإجابة لقصد نبيِّها أفضل الخلق وحبيب الحق؛ حيث أتاه جبريل، فقال له: (إن الله يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف، فقال: ((أسأل الله مُعافاته ومعونته، وإن أُمَّتي لا تطيق ذلك)) ولم يزل يُردِّد المسألة حتى بلغ سبعة أحرف، وفي الصحيح أيضًا: ((إن ربِّي أرسل إليَّ أن اقرأ القرآن على حرف، فردَدْتُ إليه أن هوِّن على أُمَّتي، ولم يزل يردد حتى بلغ سبعة أحرف))، وكما ثبت صحيحًا: أن القرآن نزل من سبعة أبواب على سبعة أحرف، وأن الكتاب قبله كان ينزل من باب واحد على حرف واحد، وذلك أن الأنبياء عليهم السلام كانوا يُبعثون إلى قومهم الخاصين بهم، والنبي صلى الله عليه وسلم بُعث إلى جميع الخلق أحمرها وأسودها عربيها وعجميها، وكانت العرب الذين نزل القرآن بلغتهم لغاتهم مختلفة وألسنتهم شتى، ويعسر على أحدهم الانتقال من لغته إلى غيرها، أو من حرف إلى آخر؛ بل قد يكون بعضهم لا يقدر على ذلك، ولا بالتعليم والعلاج لا سيَّما الشيخ والمرأة، ومن لم يقرأ كتابًا كما أشار إليه صلى الله عليه وسلم، فلو كُلِّفوا العدول عن لغتهم، والانتقال عن ألسنتهم؛ لكان من التكليف بما لا يُستطاع، وما عسى أن يتكلَّف المتكلِّف، وتأبى الطباع".   المسألة الثانية: ما معنى الأحرف السبعة؟ لم يرد نصٌّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من الصحابة نُصَّ فيه على معنى هذه الأحرف السبعة؛ ولذلك اختلف العلماء في المراد منها، وذكروا أقوالًا كثيرة، أوصلها بن حِبَّان البستي إلى خمسة وثلاثين [5]، وأوصلها الإمام السيوطي إلى أربعين، وأشهر هذه الأقوال ثلاثة، أكتفي بذكرها وهي: 1- أن المراد التوسعة على القارئ، ولم يقصد الحصر؛ وذلك لأن العدد سبعة يستعمل كثيرًا في اللغة العربية، والمراد منه التكثير.   2- أن المراد بالأحرف السبعة هى سبع لغات في القرآن على لغات العرب كلها، يمنها ونزارها؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهل شيئًا منها، وكان قد أوتي جوامع الكلم، وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه؛ ولكن هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن[6]، واختلف العلماء في تعينها، فقال أبو عبيد: لغة قريش، ولغة هذيل، ولغة ثقيف، ولغة هوازن، ولغة كِنانة، ولغة تميم، ولغة اليمن[7]، فيكون المعنى أن فيه آيات بلغة قريش، وفيه آيات بلغة تميم، وكذا بلغة اليمن، ولغة ثقيف، ولغة هوازن، ولغة كِنانة، وقال أبو عبيدة (كما في النشر): "خمس لغات في أكناف هوازن: سعد وثقيف، وكنانة وهذيل، وقريش، ولغتان على جميع ألسنة العرب"، وردَّ هذا القول ابن عبدالبر وكذا الإمام ابن الجزري، فقال: "هذه الأقوال مدخولة؛ فإن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم اختلفا في قراءة سورة الفرقان كما ثبت في الصحيح، وكلاهما قرشيان من لغة واحدة وقبيلة واحدة"[8].   3- أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة بالألفاظ المختلفة؛ نحو: أقبل، وتعال، وهلم، واستعجل، فهذه أحرف كلها تدل على معنى واحد هو طلب الحضور، قيل: وعلى هذا أكثر أهل العلم[9].   المسألة الثالثة: هل قرأ النبي صلى الله عليه وسلم القرآن بهذه الأحرف السبعة على جبريل؟ وهل قرأ الصحابة بها على النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل صرح النبي صلى الله عليه وسلم لكل قبيلة بأن تقرأ بما يوافق لهجتها بدون أخذ منه صلى الله عليه وسلم؟ الإجابة عن هذه الأسئلة تأتي في قول الإمام القرطبي: "قال ابن عطية: أباح الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم هذه الحروف السبعة، وعارضه بها جبريل عليه السلام في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز وجودة الرصف، ولم تقع الإباحة في قوله صلى الله عليه وسلم: ((فَاقْرَؤُوا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ)) بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه، ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن، وكان معرضًا أن يبدل هذا، وهذا حتى يكون غير الذي نزل من عند الله؛ وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ ليُوسِّع بها على أُمَّته، فأقرأ مرة لأُبي بما عارضه به جبريل، ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضًا، وعلى هذا تجيء قراءة عمر بن الخطاب لسورة "الفرقان"، وقراءة هشام بن حكيم لها، وإلا فكيف يستقيم أن يقول صلى الله عليه وسلم في كل قراءة منهما وقد اختلفا: ((هكذا أقرأني جبريل))، هل ذلك إلا أنه أقرأه مرة بهذه، ومرة بهذه، وعلى هذا يحمل قول أنس حين قرأ: "إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأصوب قيلًا"، فقيل له: إنما نقرأ: ﴿ وَأَقْوَمُ قِيلًا ﴾ [المزمل: 6]، فقال أنس: "وأصوب قيلًا"، "وَأَقْوَمُ قِيلًا" وأهيأ، واحد؛ فإنما معنى هذا أنها مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فلو كان هذا لأحد من الناس أن يضعه لبطل معنى قوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]"[10].   ما ينبغي اعتقاده في الأحرف السبعة إن هذه الأحرف نزل بها القرآن من عند الله تعالى كما دلت على ذلك أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الأحرف ليس فيها تضادٌّ ولا تنافٍ للمعنى، ولا إحالة ولا فساد؛ قال الإمام أبو عمرو: "وجملة ما نعتقده من هذا الباب وغيره: من إنزال القرآن، وكتابته، وجمعه وتأليفه، وقراءته، ووجوهه، ونذهب إليه ونختاره، أن القرآن مُنزَّل على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ، وحقٌّ وصوابٌ، وأن الله تعالى قد خيَّر القُرَّاء في جميعها، وصوَّبهم إذا قرؤوا بشيء منها، وأن هذه الأحرف السبعة المختلف معانيها تارة، وألفاظها تارة مع اتِّفاق المعنى، ليس فيها تضادٌّ ولا تَنافٍ للمعنى، ولا إحالة ولا فساد، وأنَّا لا ندري حقيقة، أي هذه السبعة الأحرف كان آخر العرض أو آخر العرض كان ببعضها دون جميعها وأن جميع هذه السبعة أحرف قد كانت ظهرت واستفاضت عن النبي صلى الله عليه وسلم وضبطتها الأمة على اختلافها عنه وتلقَّتْها منه، ولم يكن شيء منها مشكوكًا فيه، ولا مرتابًا به"[11].


[1] انظر: البرهان؛ للزركشي، ص 148. [2] الأَضاةُ: الغَدير، الأَضاةُ: الماء المُسْتَنْقِعُ من سيل أَو غيره، والجمع: أَضَواتٌ وأَضًا مقصور مثل قَناةٍ وقَنًا، وإضاءٌ بالكسر والمد وإضُونَ كما يقال سَنَةٌ وسِنُونَ؛ (لسان العرب، مادة أضا). [3] أي: جمعت ثيابه عند صدره ونحره. [4] صحيح البخاري ومسلم. [5] تفسير الإمام القرطبي. [6] تفسير الإمام القرطبي بتصرُّف يسير. [7] النشر في القراءات العشر 1 /30، ط دار الصحابة. [8] البرهان، ص 153، ط دار الحديث، والنشر في القراءات العشر، ج1، ص31، ط دار الصحابة. [9] انظر: البرهان؛ للزركشي، ص 154، وكذا تفسير الإمام القرطبي، وكذا مجلة الوعي الإسلامي الكويتية، العدد الخامس والخمسون، رجب 1389هـ، سبتمبر 1969م، ومقال للدكتور على محمد حسن تحت عنوان: (لغة القرآن)، وشرح النظم الحبير؛ للشيخ الشريم (صوت). [10] انظر: الجامع للأحكام القرآن؛ للإمام القرطبي، ط دار الفكر العربي، بيروت، ص 83. [11] انظر: كتاب الأحرف السبعة؛ للإمام أبي عمرو الداني، ص 149، ط مكتبة أولاد الشيخ.



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢