أرشيف المقالات

شرح البيقونية: الحديث العزيز

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2شرح البيقونية: الحديث العزيز   عزيزُ مَرويْ اثنينِ أو ثلاثهْ *** مشهورُ مَروي فوق ما ثلاثهْ   لغة: هو صفة مشبهة من (عَزَّ يَعِزُّ) بالكسر؛ أي: قَلَّ ونَدَرَ، أو من (عَزَّ يَعَزُّ) بالفتح؛ أي: قوِي واشتد، وسُمي بذلك إما لقلة وجوده وندرته، وإما لقوته بمجيئه من طريقِ آخر[1].   واصطلاحًا: ما انفرد بروايته راويان في جميع طبقات السند، ولا يقل العدد عن ذلك [2]، وقال الحافظ ابن حجر: هو ألا يرويه أقل من اثنين عن اثنين[3]، وقال الشيخ ابن عثيمين: ما رواه اثنان عن اثنين إلى أن يصل إلى منتهى السند[4].   مثاله: ما رواه الشيخان من حديث أنس والبخاري من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين)[5].   فرواه عن أنس: قتادة وعبدالعزيز، ورواه عن قتادة شعبة وسعيد، ورواه عن عبدالعزيز إسماعيل بن عُلية وعبدالوارث، ورواه عن كل جماعة[6].   والمؤلف هنا لم يشترط أن يكون مرفوعًا، فيشمل العزيز المرفوع والموقوف والمقطوع؛ لأنه قال: (مروي اثنين)، ولم يقل: (مروي اثنين مرفوعًا)، ولهذا فإنه لا يشترط في العزيز أن يكون مرفوعًا، فدلَّ هذا على أن العزيز هو ما رواه اثنان عن اثنين إلى منتهى السند، سواء أكان مرفوعًا؛ أي: مضافًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو كان موقوفًا على الصحابي، أو مقطوعًا إلى التابعين.   وقوله: (أو ثلاثة)، فإن (أو للتنويع)، ومن حيث الصيغة يَحتمل أن تكون للخلاف، لكنه لما قال فيما بعد: (مشهور مروي فوق ما ثلاثة)، عرَفنا أن (أو) هنا لتنويع الحال، لا لتنويع المقال، يعني أن العزيز هو ما رواه اثنان عن اثنين إلى آخره، أو ما رواه ثلاثة عن ثلاثة إلى آخره، فما رواه ثلاثة عن ثلاثة إلى منتهى السند يعتبر في رأي المؤلف عزيزًا، ولكن المشهور هو ما رواه ثلاثة فأكثر، وعلى هذا فيكون قول المؤلف (أو ثلاثة) مرجوحًا[7].   لذلك استُدرك عليه، فقال المستدرك: عزيز مروي اثنين يا بحاثه *** مشهور مروي عن الثلاثه   والصواب أن العزيز هو ما رواه اثنان فقط من أول السند إلى آخره. أما لو رواه اثنان عن واحد عن اثنين عن اثنين إلى منتهاه، فإنه لا يسمى عزيزًا؛ لأنه اختل شرطٌ ولو في طبقة من الطبقات اختل المشروط[8].   قال الحافظ ابن حجر: وليس شرطًا للصحيح خلافًا لمن زعمه، وهو أبو علي الجبائي من المعتزلة، وإليه يومئ كلام الحاكم أبي عبدالله في علوم الحديث؛ حيث قال: الصحيح أن يرويه الصحابي الزائل عنه اسم الجهالة، بأن يكون له راويان، يتداوله أهل الحديث إلى وقتنا كالشهادة على الشهادة[9].   قال الشيخ ابن عثيمين: العزيز ليس شرطًا في الصحيح، وقال بعض العلماء: بل إنه شرط للصحيح، قالوا: لأن الشهادة لا تُقبل إلا من اثنين، ولا شك أن الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أعظم مشهود به، ولهذا فإن مَن كذب على النبي صلى الله عليه وسلم متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار، لذلك ذهب بعض العلماء إلى أنه يشترط لكون الحديث صحيحًا أن يكون عزيزًا.   ولكن قد سبق لنا في كلام المؤلف أن هذا ليس بشرط وهو في قوله: .........
ما اتصل *** إسناده ولم يشذ أو يعل   ولم يذكر اشتراط أن يكون عزيزًا، وعلى هذا فيكون ليس شرطًا في الصحة. ويجاب عن قول من قال بأن الشهادة لا تقبل إلا باثنين - أن هذا خبرٌ وليس بشهادة، والخبر يكفي فيه الواحد، بدليل أن المؤذن يؤذن ويُفطر الناس على أذانه مع أنه واحد؛ لأن هذا خبر ديني يكفي فيه الواحد، ويدل لهذا أن العلماء اتفقوا على قبول حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)[10]، وهذا الحديث في ثلاث طبقات لم يروَ إلا عن واحد عن واحد، فدل ذلك على أنه ليس من شرط الصحيح أن يكون مروي باثنين فأكثر[11].   حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يَروِه عن عمر إلا علقمة بن وقاص الليثي، ولم يروه عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولا عن التيمي إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم تواتر عن يحيى الأنصاري.


[1] تيسير مصطلح الحديث ص (26). [2] التدريب (2 /181). [3] نزهة النظر - مع النكت (ص 62). [4] شرح البيقونية؛ لابن عثيمين ص (73). [5] رواه البخاري ومسلم. [6] انظر: نزهة النظر - مع النكت (ص 66). [7] شرح البيقونية؛ لابن عثيمين ص (73-74). [8] شرح البيقونية لابن عثيمين ص (74). [9] نزهة النظر - مع النكت (ص 62). [10] متفق عليه. [11] "شرح البيقونية"؛ لابن عثيمين ص (75-76).



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣