أرشيف المقالات

بلاغة القسم في حديث نبوي

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
2بلاغة القسم في حديث نبوي   سأخص القسم بالدراسة لورود الحديث بها في الأربعين النووية، فإذا كان التعريف عن شيء فرعًا عن تصوره، فمن الجدير بالبحث تعريف القسم، "فالقسم بفتحتين اسم مصدر، تقول: أقسم يقسم قسمًا، والأصل إِقْسَامًا، وهو اليمين، والمصدر الميمي منه المَقسَم مثل المخرج، والجمع أقسام، وأصله من القسامة وهي الأيمان[1]. وأما في الاصطلاح، فهي عبارة عن "جملة اسمية أو فعلية يؤكد بها جملة موجبة أو منفية"[2].   فإن القسم بمجموع صِيَغه تكمن فيه رشاقة بلاغية، مشحونة بمتانة فنية، ولا تبرز فحوى بلاغة القسم إلا بكثرة التحليل، وقوة التدبر في الدراسة، فبهذا يُتذوق القسم، ويتوصل إلى مدلوله البلاغي الإيحائي، وإن كان في الأصل يفيد التوكيد والتحقيق؛ قال سيبويه: "اعلم أن القسم توكيد لكلامك"[3]، ولا يؤتى به إلا تغريسًا للفكرة، وإثباتًا للخبر، وردًّا على المجاحد، وقد يفيد القسم الإرشاد والتوجيه؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (فوالله الذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخلها)[4].
تبرز شفافية القسم وجماله الفني في هذا الحديث الذي بين يديك في اختياره واو القسم مع اسم الجلالة في قوله صلى الله عليه وسلم: "فوالله"، فهذه الصيغة لها تأثير في ذهن المخاطب، وفي خلجات نفسه، وتحرك المشاعر والأحاسيس، وتُزيل الشك، وتثبت الحقائق، ثم جاء بجملة تؤكد قسمه وهي قوله: "الذي لا إله غيره"، فهذه الصيغة تعظم الأمر، وتحرِّض العقل، ولم يستعمل هذه الصيغة إلا لما كان القول معجبًا ومرهبًا، تفزع لأجله قلوب الصحابة؛ لأنه كلام رهيب أن يعمل الإنسان بعمل صالح، حتى ما يكون بينه وبين الجنة، إلا ذراع فيعمل بعمل أهل النار، فيدخلها.   ومن هنا كان الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح، يخافون على أنفسهم النفاق، ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة، فيخرجه إلى النفاق الأكبر كما تقدم أن دسائس السوء الخفية توجب سوء الخاتمة"[5].   فمن الجدير بالإشارة في هذه المحاولة المتواضعة أن أسلوب القسم أكثر تداولًا على الألسنة من غيره من الأساليب الإنشائية غير الطلبية، لحاجة الناس إلى تغريس أفكارهم، وتوكيد أخبارهم، وتتركز فيه اللطائف الجمة، كثيرة الفوائد، غزيرة المضامين، لذلك اهتم به المفسرون أكثر، ولكن لم يحصل على عدد كثير من هذه الأساليب إلا حديثًا واحدًا، وقد سبق تحليله، وهو الذي ورد في كتاب الأربعين النووية بهذه الصيغة.


[1] ابن منظور، مادة قسم، (12) 478. [2] أبو حيان الأندلسي، ارتشاف الضرب من لسان العرب، مكتبة الخانجي القاهرة، ج 4، ص 1763. [3] سيبويه، المصدر السابق، ج3، ص104. [4] سيبويه، المصدر السابق، ج3، ص104. [5] ابن رجب المصدر السابق، ص86.



شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير