أرشيف المقالات

تفسير: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه)

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
2تفسير: (وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه)
♦ الآية: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. ♦ السورة ورقم الآية: الأنبياء (87). ♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ وَذَا النُّونِ ﴾ واذكر صاحب الحوت، وهو يونس عليه السلام ﴿ إِذْ ذَهَبَ ﴾ من بين قومه ﴿ مُغَاضِبًا ﴾ لهم قبل أمرنا له بذلك ﴿ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ أن لن نقضي عليه ما قضينا من حبسه في بطن الحوت ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴾ ظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر، وظلمة الليل ﴿ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ حيث غاضبت قومي، وخرجت من بينهم قبل الإذن. ♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": ﴿ وَذَا النُّونِ ﴾؛ أي: اذكر صاحب الحوت وهو يونس بن متى، ﴿ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا ﴾، اختلفوا في معناه. فقال الضحاك: مغاضبًا لقومه، وهو رواية العوفي وغيره عن ابن عباس، قال: كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة أسباط ونصفًا، وبقي سبطًا ونصف، فأوحى الله إلى شعياء النبي أن سرْ إلى حزقيا الملك، وقل له حتى يوجه نبيًّا قويًّا، فإني ألقي هيبة في قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بني إسرائيل، فقال له الملك فمن ترى، وكان في مملكته خمسة من الأنبياء، فقال يونس: فإنه قوي أمين، فدعا الملك بيونس، فأمره أن يخرج، فقال له يونس: هل أمرك الله بإخراجي؟ قال: لا، قال: فهل سمَّاني لك؟ قال: لا، فها هنا غيري أنبياء أقوياء، فألحوا عليه فخرج من بينهم مغاضبًا للنبي وللملك، ولقومه فأتى بحر الروم فركبه. وقال عروة بن الزبير وسعيد بن جبير وجماعة: ذهب عن قومه مغاضبًا لربه إذ كشف عن قومه العذاب بعد ما أوعدهم، وكره أن يكون بين قوم قد جربوا عليه الخلف فيما أوعدهم واستحيا منهم، ولم يعلم السبب الذي به رفع العذاب، وكان غضبه أنفةً من ظهور خلف وعده، وأنه يسمى كذابًا لا كراهيةً لحكم الله تعالى. وفي بعض الأخبار أنه كان من عادة قومه أن يقتلوا من جربوا عليه الكذب فخشي أن يقتلوه لما لم يأتهم العذاب للميعاد، فغضب، والمغاضبة ها هنا كالمفاعلة التي تكون من واحد، كالمسافرة والمعاقبة، فمعنى قوله مغاضبًا أي غضبان. وقال الحسن: إنما غضب ربه عز وجل من أجل أنه أمره بالمسير إلى قومه لينذرهم بأسه ويدعوهم إليه فسأل ربه أن ينظره ليتأهب للشخوص إليهم، فقيل له: إن الأمر أسرع من ذلك حتى سأل أن ينظر إلى أن يأخذ نعلًا يلبسها فلم ينظره.
وكان في خلقه ضيق فذهب مغاضبًا. وعن ابن عباس، قال: أتى جبريل يونس فقال: انطلق إلى أهل نينوى فأنذرهم، فقال: ألتمس دابةً قال: الأمر أعجل من ذلك فغضب فانطلق إلى السفينة. وقال وهب بن منبه: إن يونس بن متى كان عبدًا صالحًا، وكان في خلقه ضيق، فلما حمل عليه أثقال النبوة تفسخ تحتها تفسخ الربع تحت الحمل الثقيل فقذفها من يده، وخرج هاربًا منها، فلذلك أخرجه الله من أولي العزم من الرسل، وقال لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 35]، وقال: ﴿ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ ﴾ [القلم: 48]، قوله: فظن أن لن نقدر عليه؛ أي: لن نقضي عليه بالعقوبة، قاله مجاهد وقتادة والضحاك والكلبي، وهو رواية العوفي عن ابن عباس، يقال: قدر الله الشيء تقديرًا وقَدَر يَقْدُر قدْرًا بمعنًى واحد، ومنه قوله: ﴿ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ ﴾ [الواقعة: 60] في قراءة من قرأها بالتخفيف، دليل هذا التأويل قراءة عمر بن عبدالعزيز والزهري: ﴿ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ بالتشديد، وقال عطاء وكثير من العلماء: معناه: فظن أن لن نضيق عليه الحبس؛ كقوله تعالى: ﴿ اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ﴾ [الرعد: 26]؛ أي: يضيق. وقال ابن زيد: هو استفهام، معناه: أفظن أنه يُعجزُ ربَّه، فلا يقدر عليه، وقرأ يعقوب يُقدر بضم الياء على المجهول خفيف. وعن الحسن قال: بلغني أن يونس لما أصاب الذنب انطلق مغاضبًا لربِّه واستزله الشيطان حتى ظن أن لن نقدر عليه، وكان له سلف وعبادة فأبى الله أن يدعه للشيطان، فقذفه في بطن الحوت، فمكث فيه أربعين من بين يوم وليلة. وقال عطاء: سبعة أيام، وقيل: ثلاثة أيام.
وقيل: إن الحوت ذهب به مسيرة ستة آلاف سنة.
وقيل: بلغ به تخوم الأرض السابعة فتاب إلى ربه تعالى في بطن الحوت، وراجع نفسه فقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، حين عصيتك وما صنعت من شيء، فلن أعبد غيرك، فأخرجه الله من بطن الحوت برحمته، والتأويلات المتقدمة أولى بحال الأنبياء أنه ذهب مغاضبًا لقومه أو للملك، ﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾، يعني ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت. وروي عن أبي هريرة مرفوعًا: ((أوحى الله إلى الحوت أن خذه ولا تخدش له لحمًا، ولا تكسر له عظمًا، فأخذه ثم هوى به إلى مسكنه في البحر، فلما انتهى به إلى أسفل البحر سمع يونس حسًّا، فقال في نفسه: ما هذا؟ فأوحى الله إليه: أن هذا تسبيح دواب البحر، قال: فسبح وهو في بطن الحوت، فسمعت الملائكة تسبيحه، فقالوا: يا ربنا نسمع صوتًا ضعيفًا بأرض غريبة))، وفي رواية: ((صوتًا معروفًا من مكان مجهول))، فقال: ذاك عبدي يونس عصاني، فحبسته في بطن الحوت، فقالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال: نعم، فشفعوا له، عند ذلك فأمر الحوت فقذفه في الساحل، كما قال الله تعالى: ﴿ فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴾ [الصافات: 145]. تفسير القرآن الكريم



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣