أرشيف المقالات

من أساليب الدعوة: الحكمة

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2من أساليب الدعوة الحكمة   منهج الدعوة إلى الله عز وجل يرتكز على أمور ثلاثة: الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وهذا ما أوضحه وبيَّنه القرآن الكريم، فقد قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ﴾ [النحل: 125].   يُراد بالحكمة في باب الدعوة، أن يكون الداعية فاهمًا لقصده، عارفًا بأفضل الطرق المؤدية إلى الغرض على خير وجه، وأن يكون عالِمًا بقواعد الدعوة بالنسبة إلى كل نمط وطائفة من طوائف المدعوين.   فالحكمة: هي وضع الشيء في موضعه، والحكمة تقتضي أن يكون الداعية مدركًا لما حوله، مُقدِّرًا الظروف التي يدعو فيها، مُراعيًا لحاجات الناس ومشاعرهم؛ حتى يتمكَّن من الوصول إلى قلوبهم.   فالحكمة تجعل الداعي ينظر ببصيرة المؤمن؛ فيرى حاجة الناس فيعالجها بحسب ما تقتضيه الظروف، والحكمة إذا أُسنِدَتْ إلى الله تعالى فيكون معناها: معرفة الأشياء وإيجادها على غاية الإحكام، وإذا أُسْنِدَتْ للإنسان فيكون معناها: معرفة الموجودات وفعل الخيرات، وتُطلَق الحِكْمَة على معانٍ عِدَّة؛ منها: 1- الحِكْمة بمعنى القرآن والسُّنَّة، وبيان الشَّرائع: قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 129].   قال ابن القيِّم: "الحِكْمَة في كتاب الله نوعان: مفردة، ومقترنة بالكتاب، فالمفردة فُسِّرَتْ بالنُّـبُوَّة، وفُسِّرت بعلم القرآن"، وقال ابن عباس: "هي علم القرآن ناسخه ومنسوخه، ومُحْكَمه ومُتَشَابهه، ومقدَّمه ومؤخَّره، وحلاله وحرامه، وأمثاله"، وقال الضَّحاك: "هي القرآن والفهم فيه"، وقال مجاهد: "هي القرآن، والعلم والفِقْه"، وفي رواية أخرى عنه: "هي الإصابة في القول والفعل"، وقال النَّخعي: "هي معاني الأشياء وفهمها"، وقال الحسن: "الورع في دين الله، كأنَّه فسَّرها بثمرتها ومقتضاها".   2- الحِكْمَة بمعنى النُّبُوَّة: وقد ورد ذلك لدى بعض من فسروا قوله تعالى: ﴿ وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ﴾ [ص: 20].   3- الحِكْمَة بمعنى الفِقْه: قال تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269].   4 - الحِكْمَة بمعنى الفَهْم والإصابة وحُجَّة العقل وفقًا للشَّريعة: قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ [لقمان: 12].   5- الحِكْمَة بمعنى العِظَة: قال تعالى: ﴿ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ ﴾ [القمر: 5]، والحكمة وإن تعددت معانيها، فهي لا تخرج عن معنى العلم وفعل الصواب؛ وذلك لأن كمال الإنسان في شيئين: أن يعرف الخير لذاته، والخير لأجل العمل به، فالأول يرجع إلى العلم، والثاني إلى فعل العدل والصواب.   واشتهرت الأمة العربية في جاهليتها وإسلامها بسرد الحكم والبيان لها، ومن العرب الذين عرفوا بالحكمة في الجاهلية: قس بن ساعدة، وابن رافع الدوسي، وأكثم بن صيفي.   وفي الإسلام: المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعلي بن أبي طالب، والحسن البصري، وغيرهم.   إن الدعوة حكمة أكثر من أن تكون قوة أو فصاحة أو مهارة، وفي حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أمثلة كثيرة تُبيِّن لنا مدى حكمته صلوات الله وسلامه عليه في تبليغ الدعوة؛ ورد في مسند الإمام أحمد: "عن أبي أُمامة أن فتى من قريش أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، ائذن لي في الزنا، فأقبل القوم عليه وزجَروه، فقالوا: مَه، مَه، فقال: ((اُدْنه))، فدنا منه قريبًا، فقال: ((أتحبه لأُمِّك؟))، قال: لا والله، جعَلني الله فداك، قال: ((ولا الناس يحبونه لأُمهاتهم))، قال: ((أفتحبه لابنتك؟))، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ((ولا الناس يحبونه لبناتهم؟))، قال: ((أفتحبه لأختك؟))، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ((ولا الناس يحبونه لأخوَاتهم))، قال: ((أتحبه لعمَّتك؟))، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ((ولا الناس يحبونه لعمَّاتهم))، قال: ((أتحبه لخالتك؟))، قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك، قال: ((ولا الناس يحبونه لخالاتهم))، قال: فوضع يده عليه، وقال: ((اللهمَّ اغفِر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرْجَه))، قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء"؛ رواه أحمد، والطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.
وفي هذا الموقف نجد الحوار العقلي، والرفق بالمدعو، وتأنيسه وألفته، والدعاء له، والمواقف التي تتجلَّى فيها حكمة النبي صلى الله عليه وسلم كثيرة.   ومنها كيفية تصفية القضية التي حدثت بين رجل وصاحبه، وقد أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو من جاره؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ: ((اذْهَبْ فَاصْبِرْ))، فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: ((اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ))، فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللهُ بِهِ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ"؛ رواه أبو داود.   وتدخل الحكمة في كل جوانب الدعوة؛ مثل: • الحكمة في اختيار الموضوع.
• الحكمة في خطاب المدعوين.
• الحكمة في مخاطبة العقل.
• الحكمة في صيغة الكلام.
• الحكمة في اختيار الوقت المناسب.
• الحكمة في اغتنام الفرص.
• الحكمة في تحديد الهدف.
• الحكمة في تحديد المراحل.
• الحكمة في التخطيط.
• الحكمة في الاستعداد للدعوة.
• الحكمة في إنكار المنكر بحيث لا يترتب عليه منكر أعظم.
• الحكمة في الدعوة للمعروف بالمعروف.
• الحكمة في الرفق بالمدعو وخصوصًا الجاهل.
• الحكمة في التلميح لا التصريح أحيانًا.
• الحكمة في الثناء على المدعوين، وربط الثناء بالتوجيه الدعوي.
• الحكمة في مراعاة المصالح والمفاسد؛ فدرء المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣