أرشيف المقالات

أهمية الدعاء وأثره في تقوية الإيمان

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
2أهمية الدعاء وأثره في تقوية الإيمان   الدعاء عبادةٌ عظيمةٌ، يتجلَّى فيها الافتقار، والخضوع، والحاجة إلى الله جل وعلا، وقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلـم قولـه: ((الدعاء هو العبادة))[1].
والله جل وعلا، لا يردُّ مَنْ دعاه، ولا يخيِّب رجاء مَنْ توجَّه إليه، فهو الكريم ليس لكرمه حدٌّ، وهو المعطي ليس يحصي عطاءه عد، وهو الرحيم بعباده أكثر من رحمة آبائهم وأمهاتهم، وهو اللطيف بعباده؛ كما قال جل وعلا: ﴿ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ ﴾ [الشورى: 19]، ودعا عباده إلى دعائه، ووعدهم بإجابة دعائهم، وقد تأكَّد ذلك في قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، فالأهم أن ندعو الله تعالى، ونصدق في دعائه، فالإجابة مضمونة؛ لأنه سبحانه وعد بهـا، ومن أصدق من الله تعالى وَعْدًا ووفاءً؟!
ومن الأدعية المناسبة لتقوية الإيمان ما يلي: 1- الدعاء بالثبات، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكثِر منه؛ كما جاء عن أنس رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: ((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك))، فقلت: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: ((نعم؛ إن القلـوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء))[2].
2- أيضًا من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم حبِّب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر، والفسوق، والعصيان، واجعلنا من الراشدين، اللهم توفنا مسلمين، وأحينا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين))[3].
3- عن أبي عبيدة، عن عبدالله: "أنه كان في المسجد يدعو، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يدعو، فقال: ((سل تعطه))، وهو يقول: اللهم إني أسألك إيمانًا لا يرتد، ونعيمًا لا ينفد، ومرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في أعلى غرف الجنة؛ جنة الخلد"[4].
4- كان أبو الدرداء يقول: اللهم إني أسألك إيمانًا دائمًا، وعلمًا نافعًا، وهَدْيًا قيمًا[5].   5- أيضًا من الدعاء المرغب فيه: الدعاء بأن يجدد الله إيمانك، فقد روى الحاكم في مستدركه، عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلـم أنه قال: ((إن الإيمان يخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب؛ فاسألوا الله أن يُجدِّد الإيمان في قلوبكم))[6].
وأختم بمقولة عمر رضي الله عنه المشهورة حيث يقـول: أنا لا أحمل هَمَّ الإجابة؛ إنما أحمل هَمَّ الدُّعاء، فإذا ألهمت الـدعاء كانت الإجابة معه[7].   ويقول ابن القيم رحمه الله: فمن ألهم الدعاء، فقد أريد به الإجابة، فإن الله سبحانه يقول: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، ويقول تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60]، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من لم يسأل الله يغضب عليه))[8]، وهذا يدل على أن رضاه في سؤاله وطاعته، وإذا رضي الرب تبارك وتعـالى، فكل خير في رضاه، كما أن كل بلاء ومصيبة في غضبه[9].
وحول هذا المعنى يقول الشاعر: الله يغضب أن تركت سؤاله *** وبنيُّ آدم حين يُسأل يغضبُ
ولعل غضب الله تعالى على مَنْ ترك دعاءه، بسبب أن الله جل جلاله هو الخالق، المنعم، المتفضل، الكريم، فلا يليق بالعبد الفقير إلى الله عز وجل أن يذهب إلى غيره، فلو أن ابنًا قام والده بتربيته، وتقديم كل ما يحتاج إليه، ثم إذا احتاج هذا الابن شيئًا ذهب إلى عمِّه، أو خاله، أو أي شخص آخر، فبدون شكٍّ ترى والده، غضب عليه أشدَّ الغضب، ولله تعالى المثل الأعلى.

فيجب على الإنسان أن يعرف لربِّه جل وعلا قدره، ويتوجَّه إليه في كل حاجاته، ورغباته؛ لأن البشر مهما أعطوا: من الحلم، والصبر، والرحمة، فلن يتحمَّلوا كثرة السؤال، وتكرار الطلب، ويؤكد هذا المعنى زهير ابن أبي سلمى في مُعلَّقته فيقول: سألنا فأعطيتم وعدنا فعدتم *** ومن أكثر التسآل يومًا سيحرم
ويقول أيضًا ابن القيم رحمه الله في الفوائد: وعلى قدر نية العبد، وهِمَّته، ومُراده، ورغبته في ذلك، يكون توفيقه سبحانه وإعانته؛ فالمعونة من الله تعالى تنزل على العباد، على قدر هممهم، وثباتهم، ورغبتهم، ورهبتهم، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك؛ فالله سبحانه أحكم الحاكمـين، وأعلم العـالمين، يضـع التوفيق في مواضعه اللائقة به، والخذلان في مواضعه اللائقة به؛ هو العليم الحكيم، وما أُتي مَـنْ أُتي إلَّا من قبل إضاعة الشكر، وإهمال الافتقار والدعـاء، ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله تعالى وعونه إلا بقيامة بالشكر، وصدق الافتقار، والدعاء[10].   وختامًا: يجب على المسلم أن يحرص على المداومة على الدعاء، وفي كل الأحوال، وله أن يتخيَّر من الدعاء ما يشاء؛ ولكن الأفضل، والأكمل، الاعتماد على الأدعية الواردة في القرآن الكريم، والسنة المطهَّرة مع اختيار الأوقات الفاضلة للدعاء، وأعظمها أثناء السجود، وفي الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة.


[1] أبو داود، سنن أبي داود، حديث رقم 1479. [2] الترمذي، سنن الترمذي، حديث رقم، 2140. [3] ابن حنبل، المسند، حديث رقم: 3607. [4] ابن حنبل، المسند، حديث رقم: 14945. [5] ابن أبي شيبة؛ المصنف، حديث رقم: 31001. [6] الحاكم؛ المستدرك، حديث رقم: 5. [7] ابن أبي العز؛ شرح العقيدة الطحاوية، ص458. [8] الترمذي؛ سنن الترمذي، حديث رقم: 3373. [9] ابن القيم؛ الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص 9. [10] ابن القيم؛ الفوائد، ص 97.



شارك الخبر

ساهم - قرآن ١