أرشيف المقالات

لبيك اللهم لبيك

مدة قراءة المادة : 17 دقائق .
2لبَّيك اللهمَّ لبَّيك
عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما، سَمِعْتُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ مُلَبِّدًا يَقُولُ: ((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ لا شَرِيكَ لَكَ))، لاَ يَزِيدُ عَلَى هَـؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ.

زاد مسلم: وَإِنَّ عَبْدَاللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَانَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذي الْحُلَيْفَةِ، أَهَلَّ بِهَـؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ.
وَكَانَ عَبْدُاللهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُهِلُّ بِإِهْلالِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ هؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ، وَيَقُولُ: "لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ".

وفي رواية أخرى لمسلم أن ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كان يزيد هذه الكلمات أيضًا، وورد نحو الحديث المتفق عليه عند البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عنهما، قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ، قَالَ فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ((وَيْلَكُمْ قَدْ، قَدْ))، فَيَقُولُونَ: إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ، تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ، يَقُولُونَ: هذَا وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ؛ رواه مسلم.
التخريج: الحديث أخرجه مسلم (1184)، وأخرجه البخاري في " كتاب: الحج"، "باب: التلبية"، حديث (1549)، وأخرجه أبو داود في" كتاب: المناسك" "باب: كيف التلبية"، حديث (1812)، وأخرجه النسائي في " كتاب: مناسك الحج" "باب: كيف التلبية"، حديث (2748).   وأما حديث عائشة رضي الله عنها، فأخرجه البخاري دون مسلم في " كتاب: الحج" "باب: التلبية"، حديث (1550).   شرح ألفاظ الحديث: ((يُهِلُّ مُلَبِّدًا)): تقدم أن الإهلال: هو رفع الصوت بالتلبية عند الدخول في الإحرام؛ إذ إن أصل الإهلال في اللغة: رفع الصوت، ومنه استهلَّ المولود؛ أي: صاح، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 173]؛ أي: رفع الصوت عند ذبحه بغير ذكر الله تعالى، وسُمِّي الهلال هلالًا لرفعهم الصوت عند رؤيته؛ [انظر: شرح النووي لمسلم، حديث (1184)].   ((مُلَبِّدًا)): التلبيد: هو أن يجعل المحرِمُ في رأسه صمغًا أو غيره مما يضم الشعر، ويلصق بعضه ببعض؛ ليتلبَّد شعره؛ أي: يلتصق بعضه ببعض، فلا يتخلَّله الغبارُ، ولا يصيبه الشعثُ، ولا القمل؛ وإنما يفعله من يطول مكثُه في الإحرام؛ [انظر: شرح النووي، المصدر السابق، وانظر: عون المعبود، كتاب: المناسك، أول باب التلبيد].   ((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ))؛ أي: إجابة لك بعد إجابة، وإقامة بعد إقامة؛ لأن لفظ ((لَبَّيْكَ)) مثنى على الصحيح، وهو قول سيبويه، وأكثر النحويين، لا يُراد به حقيقة الاثنين؛ وإنما هو مثنى للتكثير والمبالغة (إجابة لك بعد إجابة، وإقامة بعد إقامة)، وهو مثنى منصوب، والناصب له فعل محذوف، والتقدير: (أجيبك إجابةً بعد إجابة)، وقيل: في معنى (لبيك) أقوال أخرى كلها متقاربة؛ [انظر: المفهم؛ للقرطبي، كتاب: الحج، "باب: الإحرام والتلبية"، حديث (1053)، وانظر: الفتح، كتاب: الحج، "باب التلبية"، حديث (1549، 1550)].   فإن قيل هذه إجابة من المحرِم حاجًّا كان أو معتمرًا، فأين النداء لهذا المجيب؟ فالجواب: أن المحرِمَ يجيب داعيًا ومناديًا ناداه بأمر من الله تعالى؛ قال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام: ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 27]؛ ولذا على المحرِمِ حينما يلبِّي أن يستحضر وهو يقول: (لبيك) دعاءَ الله تعالى له، وإجابته إيَّاه.   ((لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ)): تكرار التلبية؛ لتأكيد إجابته لربِّه، وإقامته على طاعته. ((لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ))؛ أي: فيما قلته من التلبية.   ((إنَّ الْحَمْدَ...)): بكسر الهمزة وفتحها وجهان صحيحان، الكسر على أنها جملة مستأنفة، ويكون المعنى: الحمد لله على كل حال، والفتح على التعليل؛ أي: لبيك لأن الحمد والنعمة لك، والكسر أفضل؛ لأنه أعمُّ، وبه تكون الإجابة مطلقة غير مُعلَّلة، وأن الحمد والنعمة لله على كل حال، فمن فتح خصَّ، ومن كسر عمَّ.   و(الْحَمْدَ): هو الوصف بالكمال والتعظيم؛ لأنه لو كان من دون تعظيم، لصار مدحًا، وهو أقل من الحمد، فقد يمدح إنسانٌ مَنْ لا يحبُّه.   (النِّعْمَةَ)؛ أي: سائر الفضل والإحسان، والنعم الظاهرة والباطنة. (لَكَ): اللام للاختصاص، فالله وحده هو المحمود المنعم.   ((يَرْكَعُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ)): اختلف في هاتين الركعتين؛ هل هما للإحرام أم أنهما صلاة الصبح أو الظهر، وسيأتي إن شاء الله.   ((لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ)): يقال في (سَعْدَيْكَ) ما قيل في (لَبَّيْكَ)، فهو مثنى لا يُراد به حقيقة الاثنين؛ وإنما للمبالغة والتكثير، والمعنى: مساعدة منك لطاعتك بعد مساعدة.   ((وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ))؛ أي: كل الخير بيد الله تعالى، ومن فضله، فلا يطلبه إلَّا منه جل وعلا.   ((وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ)): الرَّغباء: بفتح الراء والمد، ويجوز بضم الراء والقصر تقول: (الرُّغبى)؛ مثل: (العلياء والعُليى) و(النَّعْماء والنُّعْمى)، والمعنى: الطلب والمسألة إليك، أسألك وأطلب منك. و(الْعَمَلُ)؛ أي: وأعمل مُطيعًا لك، لا نعمل إلَّا لله وحده.   من فوائد الحديث: الفائدة الأولى: استدل بحديث الباب من قال بمشروعية تلبيد الرأس، ودلَّتْ أحاديث أخرى على هذا الفعل من النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث حفصة رضي الله عنها المتفق عليه: ((إني لبَّدْت رأسي وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر)).   وتقدَّم معنى التلبيد، ومن لبَّد رأسه؛ سواء بصمغ أو عسل أو حناء أو غيره ممَّا جاز له أن يمسح عليه في الوضوء لمشقة نزعه، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ظلَّ رأسُه مُلبَّدًا حتى نحر هديه.   الفائدة الثانية: الحديث دليل على استحباب رفع الصوت بالتلبية، وهذا يُؤخذ من قوله: ((يُهِلُّ))، وفي الكلام على التلبية مما يتعلق في حديث الباب المباحث التالية: أولًا: السنة في التلبية أن يُرفع فيها الصوت: وهذا يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم: ((يُهِلُّ))، وتقدَّم أن الإهلال هو رفع الصوت بالتلبية عند الدخول في الإحرام، ورفع الصوت بالتلبية سنة باتفاق الأئمة؛ [انظر: الإفصاح؛ لابن هبيرة (1/ 268)].   وقد جاءت الأحاديثُ الدالَّة على سُنيَّتِه غير حديث الباب، منها حديث السائب رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال))؛ رواه الخمسة وصحَّحه الترمذي.   وجمهور العلماء على أن الأمر في الحديث للاستحباب والصارف عن الوجوب المشقَّة التي تلحق الملبِّي برفع الصوت خلافًا للظاهرية الذين قالوا بالوجوب؛ قال ابن حزم رحمه الله: "ويرفع الرجل والمرأة صوتهما بها ولا بدَّ، وهو فرض ولو مرة"؛ [انظر: المحلى 7/ 93].   والاستحباب إنما هو للرجل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أن آمر أصحابي))، وأما المرأة فإنه يُسَنُّ لها خفض صوتها بالتلبية؛ خشية الفتنة، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المرأة إذا نابها شيء في الصلاة أن تصفق، فقال: ((التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء))؛ متفق عليه.   هذا هو مذهب الجمهور؛ بل حكى على ذلك ابن المنذر وابن عبدالبر رحمهما الله؛ [انظر: التمهيد 17 / 242].   وخالف في ذلك ابن حزم؛ فقال بوجوب رفع الصوت ولو مرة واحدة كما تقدَّم، مستدلًّا بما رواه ابن أبي شيبة، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه قال: خرج معاوية رضي الله عنه ليلة النفر، فسمع صوت تلبية، فقال: من هذا؟ قالوا: عائشة رضي الله عنها اعتمرت من التنعيم، فذُكر ذلك لعائشة رضي الله عنها، فقالت: "لو سألني لأخبرته"، قال بدر الدين العيني عن سند هذا الحديث: "سند كالشمس"؛ [انظر: عمدة القاري 7/ 444].   ونوقش: بأن هذا الحديث محمولٌ على ما إذا أمنت الفتنة؛ كأن تكون طاعنة في السن، أو لم يكن معها في السيارة إلا محارمها، أما مع الفتنة، فلا ترفع صوتها.   ويُستحَبُّ للرجل أن يُبالغ في رفع الصوت؛ ففي صحيح البخاري، قال أنس رضي الله عنه: "سمِعتهم يصرخون بها صراخًا"، وعند مسلم قال أبو سعيد رضي الله عنه: "كنا نصرخ بذلك صراخًا"، وفي مصنف ابن أبي شيبة وصحَّحَه ابن حجر، قال بكر بن عبدالله المزني رحمه الله: " كنت مع ابن عمر فلبَّى حتى أسمع ما بين الجبلين".   ثانيًا: صفة التلبية: دلَّ حديث الباب وكذلك حديث جابر رضي الله عنه عند مسلم وسيأتي - إن شاء الله - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُلبِّي بهؤلاء الكلمات: ((لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ لا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ، وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ))، وتقدَّم في ألفاظ الحديث معنى هذه الكلمات، وهي كلمات عظيمة سمَّاها جابر رضي الله عنه (التوحيد)، كما سيأتي في حديثه الذي انفرد به مسلم.   ثالثًا: هل له أن يزيد على هذه التلبية؟ جاء في حديث الباب أن عمر بن الخطاب، وكذلك ابنه عبدالله رضي الله عنهما كانا يزيدان: "لبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، لَبَّيْكَ وَالرَّغْبَاءُ إِلَيْكَ وَالْعَمَلُ"؛ رواه مسلم.   وعند أحمد والنسائي، وصحَّحَه الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان من تلبية رسول الله: ((لبيك إله الحق))، وعند ابن أبي شيبة عن عمر رضي الله عنه أنه كان يزيد: "لبَّيْك مرغوبًا ومرهوبًا، إليك ذا النعماء والفضل الحسن"، وذكر ابن عبدالبر أيضًا كان يقول في تلبيته: "لبَّيْك حقًّا حقًّا تعبُّدًا ورقًّا"، والأفضل أن يلتزم تلبية النبي صلى الله عليه وسلم، وإن زاد ما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم، فلا بأس ليحضر قلبه.   رابعًا: متى يبدأ التلبية؟ وهذه المسألة مبنية على الخلاف في تلبية النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع متى بدأها؟ أولًا: لا خلاف بين الفقهاء في أن التلبية جائزة من حين الإحرام، وسيأتي أن الأفضل في الإحرام أن يكون بعد صلاةٍ، فلا خلاف بينهم أنه يجوز الابتداء بالتلبية بعدها؛ يعني: من عند المسجد؛ [حكى الإجماع ابنُ عبدالبر في الاستذكار (4/ 45)، وابن جماعة الكناني في هداية السالك (2/ 496)].   ثانيًا: والخلاف بينهم في وقت الأفضلية على ثلاثة أقوال: القول الأول: أن الأفضل الابتداء بالتلبية بعد الركوب على الراحلة.   واستدلوا بحديث جابر رضي الله عنه عند البخاري، وفيه: "أن إهلال رسول الله من ذي الحُلَيفة حين استوت به راحلته"، وبحديث ابن عمر رضي الله عنه في الباب وفيه: "ثُمَّ إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ النَّاقَةُ قَائِمَةً عِنْدَ مَسْجِدِ ذي الْحُلَيْفَةِ، أَهَلَّ بِهَـؤُلاءِ الْكَلِمَاتِ".   والقول الثاني: أن الأفضل الابتداء من حين البدء بالسير ماشيًا أو راكبًا: واستدلوا بحديث جابر رضي الله عنه عند مسلم: "أمرنا رسول الله أن نحرم إذا توجهنا إلى منى".   والقول الثالث: أن الأفضل ابتداء التلبية من عند المسجد بعدما يُصلِّي يُلبِّي، وهذا القول هو الأظهر، والله أعلم.
ويدل على ذلك: ما رواه سعيد بن جبير رحمه الله، قال: قلت لعبدالله بن عباس رضي الله عنهما: "يا أبا العباس، عجبًا لاختلاف أصحاب رسول الله في إهلال رسول الله حين أوجب، فقال: إني لأعلم الناس بذلك، إنما كانت من رسول الله حجة واحدة، فمن هناك اختلفوا: خرج رسول الله حاجًّا، فلما صلَّى في مسجده بذي الحُليفة ركعتين أوجب في مجلسه، فأهلَّ بالحج، فسمِع منه أقوام، فحفظوا عنه، ثم ركب، فلما استقلَّت به ناقته أهلَّ، وأدرك ذلك أقوام...
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما علا شرف البيداء أهلَّ، "وأيم الله، لقد أوجب في مصلاه، وحين استقلت به ناقته، وأهلَّ حين علا شرف البيداء"؛ رواه أحمد، وأبو داود، وصحَّحه الحاكم.   وبهذا يُعلَم أن استدلال أصحاب القول الأول والثاني يُحمل على أنهم لم يسمعوا تلبية النبي صلى الله عليه وسلم، إلا في المواضع التى ذكروها.
الفائدة الثالثة: حديث عمر رضي الله عنه، قال: سمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بوادي العقيق يقول: ((أتاني الليلة آتٍ من ربي عز وجل، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقل: عُمْرة في حجَّة)).
الفائدة الرابعة: حديث الباب فيه دلالة على سُنيَّة صلاة ركعتين قبيل الإحرام تُسمَّى سنة الإحرام، وبه قال جمهور العلماء، واستدلُّوا أيضًا بحديث عمر السابق: ((صل في هذا الوادي المبارك، وقل: عمرة في حجة)).
والقول الثاني: أنه ليس للإحرام سُنَّة مستقلة؛ ولكن إن وافق المحرم فرضًا، استحب له أن يكون إحرامه بعدها أو نفلًا؛ كسنة الضحى، أو الوتر، أو سنة الوضوء إن كان معتادًا عليها، وإن لم يوافق ذلك، فلا يصلي، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وأنه ليس للإحرام صلاة تخصُّه؛ [انظر: مجموع الفتاوى (26/ 208)، وزاد المعاد (2/ 107)].   وهو اختيار الشيخ ابن باز وشيخنا ابن عثيمين رحمهما الله وعلماء المسلمين.   وناقشوا أدلة القول الأول: بأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أنها كانت صلاة الظهر لدلالة حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند مسلم على ذلك؛ [انظر: مسلم، حديث (11243)].   ولو قيل بأننا نُخصِّص ميقات ذي الحليفة بصلاة ركعتين إن لم توافق صلاة فرض أو نفل، لكان وجيهًا ليس لذات الإحرام؛ وإنما لبركة المكان التي دلَّ عليها حديث عمر رضي الله عنه السابق؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أتاني الليلة آتٍ من ربي عز وجل، فقال: صلِّ في هذا الوادي المبارك، وقُلْ: عمرة في حجة))؛ رواه البخاري؛ [انظر: رسالة "المسائل المشكلة في الحج"؛ للدكتور إبراهيم الصبيحي ص (11)].   مستلة من إبهاج المسلم بشرح صحيح مسلم (كتاب الحج)



شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣