أرشيف المقالات

شهر رمضان بين مقصد التعبد والالتزام بالتعاليم الإسلامية

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
2شهر رمضان بين مقصد التعبُّد والالتزام بالتعاليم الإسلامية   يعيش المجتمع الإسلامي في العالم مناسبات عديدة يربط بينها قواسم الدين المشترك، فالمسلمون مثلًا يعتادون أن يكون حضورُهم كبيرًا في الأعياد أكثر من غيرها، فهم يحرصون أشدَّ الحرص على وَضْع بصماتهم المتنوِّعة حفاظًا على أصالتهم ودينهم.   ورغم ما ذكرت فهم يختلفون في طريقة استقبالهم للمناسبة الدينية والعيش فيها نتيجة اختلاف البلدان والأعراف، فكُلٌّ يسير على منوال بيئته وتفكيره مع استحضار التطوُّرات في كل المجالات خصوصًا الجانب التكنولوجي والإعلامي؛ لكن ألا يحقُّ لنا كمسلمين أن نقف وَقْفةَ تأمُّل ومراجعة للتأكُّد من مطابقة طريقة حياتنا في هذه المناسبات مع جوهر الشريعة الإسلامية التي نتبنَّاها دينًا وسلوكًا ومعاملة؛ لكي نتعبَّد الخالق بإخلاص دون التباس؟   انطلاقًا من هذه الاسئلة أودُّ أن أُشارككم بعض التصوُّرات التي تختلج داخل مفكرتي ونحن على مشارف شهر رمضان المبارك، وسأورد من خلال هذا المقال سلوكيَّات يجب تصحيحها وإمعان النظر في طريقة ممارستها من قبل الصائمين.   فالمقصد الأسمى من الصيام هو التقرُّب لله بمزيد من التوبة والتقوى طلبًا لمغفرة الذنوب والمعاصي، وهذا ما تُبيِّنه الآية الكريمة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]، فإنه كلما قلَّ الأكل ضعفت الشهوة، وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي[1]؛ كما قال الإمام القرطبي في تفسيره للآية، كما أن جزاءه عظيم؛ لذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربِّه: ((يقول الله تبارك وتعالى كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به...))[2].   وانظروا ماذا قال الإمام القرطبي في شرحه للحديث: "وإنما خصَّ الصوم بأنه له، وإن كانت العبادات كلها له لأمرين بأن الصوم بهما سائر العبادات، أحدهما أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها ما لا يمنع منه سائر العبادات الثاني أن الصوم سِرٌّ بين العبد وبين ربِّه لا يظهر إلا له، فلذلك صار مختصًّا به، وما سواه من العبادات ظاهر، ربما فعله تصنُّعًا ورياء، فلهذا صار أخص بالصوم من غيره[3].   وما أريد لفت انتباهكم إليه هو الكلمات الأخيرة من الفقرة أن التركيز على الصوم دون غيره لانتفاء التصنُّع والرياء فيه؛ لكن في عصرنا أليس التصنُّع أظهر وأوضح من غيره في بعض المجالات؟ هذا ما سنعرض له خلال النقاط الآتية: ♦ الجواب عن السؤال قد يكون بالإيجاب فلنأخذ على سبيل المثال فريضة الصلاة التي هي ركن في المرتبة الثانية، التي لا يقلُّ عنها أهمية الصيام، فهناك الكثير من الشباب ذكورًا وإناثًا من المكلفين لا يبالون بالصلاة، ربما صِنْف يصلي على فترات متقطِّعة، وصِنْف لا يصلي بتاتًا ومع ذلك يهب لها في شهر الصوم، ويحافظ على التراويح والصَّدَقة إيمانًا منه أو اعتقادًا بأن فرضية الصيام مرهونة بالصلاة متغافلًا أن الفرضية التي تكتسيها الصلاة مستقلة عن أن يحدها زمان أو مكان عكس الصيام.   ♦ وهناك البعض يقضون معظم يومهم في النوم حتى لا يشعروا بطول اليوم أو الجوع، ويسهرون في اللغو والمحرمات حتى يتناولوا وجبة السحور، فإذا ما انقضى رمضان عادَتْ حليمة إلى عادتها القديمة، كما أن من الفتيات مَنْ قد تتحجَّب وتلتزم بمجرد دخول هذا الشهر لتنسلخ منه بعده كما هو الشأن في الصلاة.   ♦ يقبل المجتمع المسلم في رمضان أكثر من أي شهر آخر على إعداد أنواع المأكولات والمشروبات في وجبة الإفطار، موازاة مع الحلقات الفكاهية والأفلام التي تُقدِّمها بعض القنوات حصريًّا في رمضان، ولا أنسى هنا أن أذكر بأن هناك من العائلات مَنْ ينتظر آذان المغرب؛ لإشباع شهوة البطن، وتغفل عن أداء صلاة المغرب في وقتها.   ومن هنا يمكن القول إن البعض ابتعد عن تحقيق غايات العبادات، ومنها الصيام الذي يعتبره الشرع جُنَّةً وحمايةً للنفس من الأمراض الحسيَّة والمعنوية، وفرصةً للتوبة والزيادة من الأجر والثواب فضلًا عن وظائفه الاجتماعية والتربوية.   فالصيام ليس فقط أن تمنع بطنك وفرجك من شهوتيهما؛ بل ينبغي أن تصوم جميعُ الجوارح كغضِّ البصر وتعويد السَّمْع على الإنصات للقرآن الكريم والتردُّد للمساجد ومجالس العلم وقراءة القرآن أو الكتب المفيدة.


[1] تفسير القرطبي 274 /275. [2] مسند البزار، ص 178. [3] تفسير القرطبي 274 /275.



شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن