أرشيف المقالات

فصول ملخصة في الفلسفة الألمانية

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
8 15 - تطور الحركة الفلسفية في ألمانيا فريدريك نيتشة للأستاذ خليل هنداوي يؤمن نيتشة بأن حياة الإنسان هي نضال دائم لكل وهم ولكل خطأ.
وينتظر إلى الوجود بعيني متشائم؛ فتبدو الطبيعة له صورة تبعث الخوف، والتاريخ وحشياً خالياً من المعاني؛ ينفر ممن يؤمن بأن كل شيء هو للأحسن! ولا يعتقد بأن في وسع الحياة أن تهب لنا لحظة فرح حقيقي.
وإذا كانت هذه وهي الحقيقة فواجب الإنسان السامي أن يحارب بدون هدنة ولا هوادة كل ما هو سيئ، وأن يهدم كل القيم الخاطئة والتعاليم الفاسدة وألا يرحم أي مظهر من مظاهر الضعف والرياء والجبن في هذه الحضارة.
(إنني أحلم برجال كاملين، مطلقي الإرادة، لا يدارون ولا يراءون.
يدعون أنفسهم الهدامين.
يخضعون كل شيء لنقدهم ويضحون بأنفسهم في سبيل الحقيقة.
ألا ينبغي لكل سيئ ولكل كاذب أن يظهر تحت وضح النهار؟ نحن لا نريد أن نبني قبل الساعة الموقوتة، ونحن لا ندري إذا كان بإمكاننا أن نبني، أو إذا كان الأحسن لنا ألا نبني أبداً.
هنالك متشائمون كسالى خاضعون مستسلمون؛ إننا لا نكون من هؤلاء.
إن المثل الأعلى الذي نتبعه ونترسمه هو الإنسان الذي قال عنه شوبنهاور، من يعتقد بأن السعادة الحقيقية هي غير ممكنة، ومن يبغض ويمقت الوجود المادي الذي تتكامل فيه الإنسانية المنحطة، ومن يسحق كل ما ينبغي سحقه ولا يشعر بألم يحز في نفسه، أو ينتشر حوله؛ ويمشي بإرادة جبارة لا يلويه عن عزمه شيء، وكل إرادته أن يكون مع الحق والصدق في كل شأن من شؤونه) يصل شوبنهاور بإنسانه إلى سلب الحياة منه والفناء المطلق، أما نيتشة فإنه يقدس (كاليوناني الديونوزوسي) هذه الإرادة التي تريد الحياة الخالدة وتعمل على تخليدها بأية الوسائل.
فهو متشائم، لكن تشاؤمه لا يدفعه إلى الاستسلام، ولكن إلى البطولة المناضلة.
فهو يرى الزهد علامة من علامات الانحطاط والذل.
لأن التشاؤم - عنده - فكرة مستحيل تحقيقها، لا يقبل بها واقع ولا يثبتها منطق، ولن يكون الفناء غاية الوجود، وهكذا راح نيتشة يمجد الحياة وآلاءها بدلاً من أن يبشر بالفناء وبغض الحياة كمعلمه؛ يقدس ما يقوي في الإنسان إرادته؛ ويضاعف عزيمته للوصول إلى الهدف الأسمى ونيتشه في هذا شأنه شأن اليونان في مآسيهم، يفخر بذاته، ويطول بسموه، ويعجب بالحضارة اليونانية لأنها أنشأت جماعة من الرجال السامين، وهل غاية الحياة إلا مثل هذا التوليد؟ والإنسانية عنده تركض وتتألم وتتمخض لتلد هذا العدد الضئيل من هؤلاء الرجال السامين.
(وإنما على الإنسانية أن تعمل لتحمل إلى الأرض رجال عبقرية، هذه غايتها، ليس لها من بعدها غاية! وإن علينا أن نوحي إليها أن تعجل بتوليد الفيلسوف والفنان فينا وفي غيرنا.
وأن نسعى إلى إكمال معنى الطبيعة؛ وأن على الإنسان أن يحس بنفسه أنه صنع غير كامل من صنع يدها.
ولكننا نوقظ فيه - برغم نقصه - هذه العبقرية الفنية حتى يساعد الطبيعة على إكمال ما جاء ناقصاً منها، وبهذا يكمل الإنسان الفنان صنع الطبيعة.
وبهذا تغدو معرفة الإنسان نفسه وشعوره بصغرها هي أساس نهضته.
(إلا أنني أرى فوقي شيءً يتألق؛ هو أسمى مني، فيه من معنى الإنسان أكثر مما فيَّ! فساعدني على الوصول إلى مثل هذا المثل؛ كما أنني سأعمل على مساعدة من يفكر مثلي ويتألم مثلي.

كل ذلك لنمهد الطريق أمام ذلك الإنسان المقبل، الشاعر بكماله ومعرفته الواسعة، ومحبته العميقة التي لا تحد، وقدرته المولدة وتأمله البعيد: هذا الإنسان الذي سيحيا في الأرض حاكما، بيده مقياس كل شيء) فلا يجب والحالة هذه أن نترك للمصادفات عمل هذا الإنسان، وإنما ينبغي للناس أن يجهدوا ويعملوا بالانتخاب على خلق هذه الذرية - ذرية الأبطال - على أن هذا المذهب قد يترك جحفلاً من العبيد الذين شأنهم أن ينفذوا إرادة الأبطال.
والعبودية - عند نيتشة - لازمة لتحقيق مثل هؤلاء الأبطال.
إذ ليست غاية العلم والبراعة أن تخفف من نصب هؤلاء المتعبين.
فعمال اليوم ليسوا بأكثر سعادة من عبيد الأمس.
هؤلاء كانوا يخضعون لشرفاء ذوي غطرسة وخيلاء.
وأولئك دائبون على خلق نخبة سامية من رجال العبقرية، فالبطل ليس دأبه بأن يحقد على المظلومين والمتخلفين فحسب، بل مما ينبغي له أن يقتل عامل الشفقة في صدره إذا هب لأنه عامل خطر.
إذا ظفر عمل على قتل البراعة في سبيل السعادة المادية للإنسانية.
وهو - هنالك - لابد مصطدم بالشريعة الغالبة التي تسيطر على الوجود.
وكل من ود أن يحيا، أو حكم عليه بأن يحيا في وجود مشحون بالألم والفناء أفينبغي له أن تشتمل نفسه على هذه المضادة المؤلمة التي تعبر عن كنه الحياة، وسر كل تطور واستحالة.

(كل لحظة تفترس الثانية.
وكل ولادة هي موت كائنات لا عداد لها.
الولادة والحياة والموت كنه ذو جوهر واحد.
وهكذا نستطيع أن نشبه البراعة المنتصرة بالبطل الظافر الذي يسيل دمه من جراحه، ولكنه يجر خلفه قطيعاً من المغلوبين والعبيد المقيدين بعجلته) ينبغي لنا إذا أردنا الحقيقة أن نضرب بكل وهم باعث على التفاؤل عرض الحائط.
فالرجل الغربي الذي يظن ببساطة نفسه أن العلم يبعث على السعادة، ويرى أن سعادة الجميع هي غاية الحضارة القصوى؛ هذا الرجل يجرب أن ينكر تعس (العبيد) هذا التعس اللازم للمجتمع البشري.
وهو يموّه عليهم بقداسة العمل، زاعماً أن الآكل بعرق جبينه هو أشرف الناس.
فياله من مذهب حقير أصبح لا يخدع أحداً! ولماذا لا نعترف بأن العبودية هي حقار وصغار، ولكنا نستطيع أن نخفف وقعها ونجعلها أقل شقاء، ونحتم على أصحابها القبول بها.

فما ظل المجتمع الإنساني على هذا الوضع فان فيه الأقوياء الذين يرفعون عظمتهم على طائفة من المستضعفين في الأرض! كان المدفع يدوي في جوف أوربا، ونيتشه معتزل في أحد وديان (الألب) يعالج درس الروح اليونانية وفنهم وحياتهم.
ولما استقر السلام أعلن أن عصر الأحزاب قد شارف النهاية.
وأن روحاَ حرة يجب أن تنهض وتعرف كيف تتعالى فوق هذه الحدود! (إن الشرق والغرب مفصولان بشحطة يرسمها قلم لأعيننا، هذه الشحطة هي التي تثير خوفنا.
تقول النفس الفتية (أنا اجرب بأن أكون حرة) وحق لها أن تثور، لأنها ترى أن شعبين قد يهرقان دماؤهما لأن بحراً يفصل بينهما، أو لأن ديانتين مختلفتين عندهما لم تكونا قبل ألفى عام) وهكذا نرى نيتشة بكل ما أوتي من تفكير وقوة يريد أن يزعزع تقاليد عصره، ويشعر بنفسه بأنه لم يخلق لحاضره وإنما خلق للأجيال القادمة (يتبع) خليل هنداوي

شارك الخبر

مشكاة أسفل ١