أرشيف المقالات

هكذا تكلم سلمان العودة!

مدة قراءة المادة : 11 دقائق .
1 التجارب عقل ثان، والاستماع لأهل الخبرة، والقراء لهم، متعة عقلية وروحية، وعندما يرسل الخبير نفسه على سجيتها، ويمضي قلمه عارضاً ما يعتقده الصواب؛ دون أن يلتفت لخاطر شخص أو مجتمع أو إلف، فهذا من خير ما ينفع الأفراد والمجتمعات، ليس من فحوى الكلام فقط؛ بل من طريقة إيراده بصراحة مهذبة، وتلقائية غير متكلفة.وترتفع قيمة المادة حين يكون واضعها ممن عاش مع النصوص وفقهها، ووعى الشريعة ومقاصدها، وخبر المجتمع وخصائصه، وغاص في النفس ونوازعها، وعاصر من الحياة حلوها ومرها وما بين بين، حتى استوت لديه الحوادث، فصار لا يفرح بخير فرح البطر، ولا يجزع من شر جزع الهلع، وما من بشر بعد النبي الأكرم عليه الصلاة والسلام إلا يؤخذ من قوله ويرد.

ومن هذه البابه كتاب لطيف عنوانه: زنزانة: عادة مدى الحياة، تأليف: الشيخ د.
سلمان العودة، صدر عن دار الفرسان عام(1436=2015م)، وعدد صفحاته(381) صفحة من القطع المتوسط، ويتكون من سبعة أجزاء تحتها سبعون مقالة، وعلى الغلاف صورة قفل تشد الحبال من وثاقه، وتحكم إغلاقه؛ بيد أن له مفتاحاً يغلب الحبال بحركة واحدة.

ابتدأ الشيخ بدون مقدمات، كاسراً المعتاد في التآليف، وذكر أنه في مسيرة حياته حقق نجاحات ولم يسلم من إخفاق، وكان للعادات الجميلة وضدها حضور في الحالين، ولذا رغب أن يشاركه القراء في تجربته، والتمس منهم تغذيته بالإضافة والنقد، دون حرمانه من الثناء بحق؛ فالثناء الصحيح مطرب ومنعش.

والكتاب عبارة عن تأملات ذاتية أو مقتبسة، صب فيها الشيخ تجاربه وأفكاره، وحواراته وقراءاته، بل وحتى ذكريات طفولته وأيام قريته، فضلاً عما تخللها من مواقف تربوية من قريب أو معلم أو شيخ، في أسلوب عصري عذب منساب، كأنما صاغه أديب جلس دهراً إلى عالم وفقيه وداعية، وتلقى عن أساتيذ الاجتماع والنفس، وخبراء التربية والإعلام؛ ولا يكاد أحد أن يسلم من السياسة وشؤونها.

وإذا كان لكل فيلسوف قيمة يمجدها، فقد كان الإيمان أعظم قيمة تظهر ولا تختفي في زنزانة العودة، وتحت جناحها قيم أخرى جميلة من المجاهدة، والإيجابية، والتفاؤل، والتفكر، والصبر، والسعي للأحسن، وحب الخير للآخرين، ومعالجة النفس كي تتخلص من أكدارها، وتنجو من عقابيل أخلاقها النكدة، التي يتضرر منها الإنسان قبل غيره، كما في الحسد، وتسقّط العثرات، والبلايا كثيرة.

وموقف الشيخ من المرأة وسط بين طرفين؛ يمليه عليه دينه وشيمه، فضلاً عن موقعه الأسري ابنًا وأخاً؛ فزوجا ثم أباً لأربع كريمات.
وأما حديثه عن الشباب، فحديث العارف العاذر؛ الصادق في النصح والتوجيه بتؤدة ولين.
وللإعلام الاجتماعي موقع بارز في الزنزانة؛ وكأن الشيخ يقول: إن فرض الإعلام التقليدي حصاره الشديد، ففي الإعلام الجديد فتوح وفرص، وأبواب يلج منها كل أحد، فلا حجة لقاعد.

وأهم فكرة في الكتاب أننا نصنع العادة لتعود فتصنعنا، وتغييرها أمر بمقدور من يعزم ويعمل، ويصبر ويجاهد نفسه.
وهذه بعض المقتطفات من بوح الشيخ وتباريحه دون تغيير يذكر، وعسى أن تكون حافزة لقراءة الكتاب كله، فالزنزانة كما يقول د.
العودة كلمة اتسعت لها الحياة وضاقت عنها المعاجم، ومما جاء فيها:

o مهما بلغت من العمر، فلا تنكص عن تعلم الجديد ولغات العصر.
o مرور أيام دون قراءة يعني الموت.
o كثير من عادتنا كالثوب، كما نلبسه يمكننا خلعه وتغييره وتبديل مقاساته.
o الاعتراف فريضة تقود إلى التصحيح.
o محاكاة الأقوى والأغنى والأجمل قانون فعال في صنع العادة، ولذا فصناعة القدوة مكون أساسي للعادة.
o من الغفلة أن يظن مجتمع بأن عاداته فطرة إنسانية، وثقافته نواميس طبيعية.
o انتبه! فوجهك طافح بالتعبير، والناس يرونه ويفهمونه وإن لم تشعر به أنت.
o ترتفع الفعالية الشخصية كلما تقلصت مساحة الأسرار والخفاء.
o الوعي بالذات أساس لفهم النفس ثم التحسين والإصلاح، وهو متطلب سابق على فهم الآخرين.
o الإنسان مجموعة هائلة من العادات الإرادية وغير الإرادية، وجدير به أن يتعلم كيف يبني عادة ويهدم أخرى.
o صراع الأجيال مظهر ناتج عن تأثير العادات في النفوس.
o يجب أن يصبح تغيير العادة عادة لديك.
o هناك عادات تحكمنا، وأخرى نحكمها، وزيادة العادات الحاكمة تقلل الاستقلالية، وتنازع الحرية.
o اعط اللحظة حقها من العناية والتركيز.
o حافظ على روعة الأشياء ولذة الدهشة بتطوير عادات الفكر والاستمتاع.
o العادة الآسرة المدمرة طاغية يمسخ جمال الحياة، ويعبث بإنسانيتك ومصالحك.
o قلل توقعاتك من الآخرين، وتسامح مع من حولك.
o الوعي بالأذكار والورد اليومي يعظم تأثيرها، ويجعل الذاكر منشرحاً مستحضراً عظمة الله ونعمائه.
o التقاط اللمحة الإيجابية في كل شيء حتى المكروه عادة نفسية رائعة.
o لا تندب حظك، ولا تهجو خصمك، فقد يكون أداة تسوقك لقدر جميل.
o لا تدخل الحياة من بوابة المشكلات فهي ضيقة ضنكة، واستخدم باب التفاؤل وحسن الظن مع العمل.
o اقتلاع الحشائش الضارة يحمي الحديقة، وهكذا اقتلاع العادات الضارة.
o الوسواس ارتباك نفسي ناجم عن شدة التركيز على أمور عادية.
o العادة طبيعة ثانية، ومن استسلم لها قادته راغماً إلى حيث لا يريد.
o في كل موقف ابحث عن الخيارات المتاحة، ولا تكن حدياً أو محصوراً.
o تقبل الناس كما هم خاصة الأقارب.
o لا تكن معارضاً دائماً، وعبر عن رأيك بطريقة مرنة.
o بعض عاداتنا الرمضانية الراسخة لا تتوافق مع سموه وتألقه.
o حديث النفس الهامس حوار ومراجعة ذاتية يمكن الإفادة منه. 
o في الإعلام الاجتماعي يتعلم المشارك المسؤولية من الحرية لا من الرقابة.
o فقدان الاستقلالية والسير مع الجموع من عيوب الشبكات الاجتماعية.
o التلصص على أسرار الناس وتتبع أخبار الأسر، عادة قبيحة رافقت ظهور الشبكات الاجتماعية.
o تعلمت من التغريد: توحيد الفكرة، وتشذيب العبارة، وتوضيح الكلام لسد الثغرات على القناصة! 
o القراءة هي المتعة التي تدوم وتكبر عندما تضمر باقي المتع.
o تتداخل عملية القراءة مع البناء والهدم والتركيب والترتيب والتحليل.
o القراءة تعزز اللغة، وتزيد المعرفة، وتهذب الأخلاق، وترتقي بأسلوب الحديث والكتابة.
o الكتب المعارة التي لم تعد وشم حزين لا يُنسى! فيامن أحزن الشيخ ردَّ إليه كتابه!
o أفضل طبعة للكتاب وأثمنها هي نسختك التي تمتلكها من زمن، وقرأتها، وكتبت على حواشيها.
o بقدر احترامك لنفسك تتخذ قرارك ألا تضعها في مواضع الحرج.
o متى نتسامى عن الجاهزية للصراع والمنازلة إلا بحق خالص وبحكمة بالغة؟
o لا نستطيع تغيير اتجاه الريح، لكننا نستطيع ضبط الأشرعة.
o لا تزال مجتمعاتنا عاجزة عن تقديم بديلها المعبر عن ثقافتها والموافق لفطرتها مع وجود المال والوسائل، بيد أن الإرادة والإدارة قد غابتا عن المشهد.
o السعادة تعني الطرح أكثر من الجمع؛ مثل طرح نقائص النفس ليدخلها الضياء.
o تقليل الخطأ ومحاصرته مقصد شرعي، فاتبع السيئة الحسنة تمحها.
o الغربة ذل مالم يكن الغريب أديباً ومنجزاً وناجحاً.
o إذا لم يكن لديك مشروع عمر مفيد فستكون الحياة عبئاً عليك.
o من إراحة النفس: نسيان إساءات الآخرين لك، ونسيان إحسانك لهم.
o تكرار الماضي، والخوف من المستقبل، والانشغال عن الحاضر تجعل الواحد يخسر الزمن بأبعاده.
o الطمأنينة جائزة النفوس المتصالحة مع ضمائرها.
o إدراك النقص من الكمال.
o أخطر العادات هي عادات العقل، فطور مهاراتك العقلية وراجعها وأصلحها.
o الصبر والمثابرة والجلد صفات مشتركة عند أغلب الناجحين.
o التساؤل مهارة عقلية قبل أن تكون لسانية.
o الدهشة لحظة حياتية نادرة؛ فلا تحرم نفسك لذتها.
o إذا رأيت إفراطاً في الاهتمام بجزئية فثق أن خلفها مسائل مضيعة مع أنها أهم منها وآكد.
o بعض الكلمات لكمات، وبعض الروايات توهين لجانب التكليف.
o احتفظ بهدوئك أمام الانتقادات، فهي تبنيك ولا تهدمك.
o رياضة النفس والتدريب العملي يصنعان جميل العوائد.
o لا تجعل نفسك مؤدباً للآخرين أثناء قيادة السيارة، ويكفيك أن تؤدب نفسك.
o الهوية منصة استقلال وانطلاق وتفاعل لا سبب انكماش أو علة تراجع وضمور.

وأخيراً، يختم المؤلف كتابه متمنياً أن يكون ضوءاً معيناً على الانعتاق من الزنزانة التي يحبس فيها المرء نفسه.
والحقيقة أن هذا المؤَلف يسد ثغرة في المكتبة العربية، وجدير بالترجمة إلى لغات الحضارات الأخرى، وحري بنا أن نحتفي به؛ لأنه يغني عن رفوف من الكتب الأجنبية، المنبثقة من ثقافات مختلفة، والمبتلاة بسوء الترجمة والصياغة؛ حتى أخرجت المشترك الإنساني في حلة غير لائقة أحياناً.


شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢