أرشيف المقالات

سيفا العروبة يلتقيان

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
8 في الأسبوع الماضي، وفي حاضرة النيل، التقى سيفا العروبة نجيب وأديب، فالتقى طريق بطريق، واجتمع شقيق بشقيق، واتصلت نهضة بنهضة! ولعمري ما افترقت القاهرة عن دمشق منذ جمعتها العروبة، ولا بعد النيل عن بردي منذ قربها الإسلام، ولا انقطع المصري عن السوري منذ وصلها الجوار.
فالشعبان بحكم الطبيعة والواقع شعب واحد، مزجتها المجاورة والمصاهرة، وخلطتها المتاجرة والمهاجرة، حتى اتحدت النية والوجهة والغاية والأمل، فزالت الحدود، وارتفعت الحواجز، واتصلت الأسباب، ووشجت القرابة؛ فلم يتدابر إلا حاكم وحاكم، ولم يتناكر إلا دخيل ودخيل.
ثم أجرتهما الأقدار في عنان واحد، فكابدا من فسوق الرؤساء وفجور الزعماء ما أقنطهما من صلاح الأمر واستقامة الحال؛ فرضيا بالدون واستسلما للهون، وكاد العدو المشترك الذي يترصد الغفلة ويتسقط العثرة، يظن أن ملك العرب إلى انهيار، وأن ملك اليهود إلى استقرار، لولا أن الله الذي وعد المؤمنين العاملين أن يستخلفهم في الأرض، وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمنا، قد ادخر لكل متاهة هاديا، ولكل مفسدة مصلحا، فجعل ولاية الأمر في هذا الوقت الذي انهار فيه البناء، واستشرت الأدواء، وتحللت العقد، لأصحاب السيف، وهم قوم مختارون صناعتهم الدفاع، ووسيلتهم القوة، وطبيعتهم النظام، وخلقهم الطاعة، ومبدأهم التضحية.
عاهدوا الوطن وضمنوا له من أنفسهم الوفاء، أن يستعدوا ليأمن، ويجاهدوا ليستقل، ويموتوا ليحيا.
فإذا انصرفت الشعوب اليوم عن رجالة السياسة إلى رجال القيادة، فإنما ينصرفون عن الكلام إلى العمل، وعن الضعف إلى القوة، وعن الانحلال إلى التماسك، وعن الغش إلى النصيحة، وعن الفوضى إلى النظام، وعن المطامع الخسيسة إلى المطالب الرفيعة، وعن قوم يعبدون الفسولة ليكونوا بها آلهة، إلى قوم يمجدون البطولة ليكونوا لها ضحايا.
وإن في السياسة الجدية العملية التي ينفذها العسكريون هنا وهناك من غير وعود تعطى، ولا عهود تؤخذ، لسخرية أليمة من تلك الخطب الطوال الثقال التي كان يلقيها رئيس الحكومة باسم رئيس الدولة في افتتاح البرلمان، فيجعجع بها جعجعة الرحا التي تطحن القرون: تسمع ما يصدعك، ثم لا ترى ما يفيدك! وإن في اجتماع القائدين العظيمين في قيادة الجيش التي لا تقبل الرياء، وتفاوضهما بلغ الجيش التي لا تعرف السجع، لقضاء على ذبذبة السياسة العربية التي عالجت بها الأمور حتى الأمس، وعلى ثرثرة الجامعة العربية التي تعيش عليها حتى اليوم! احمد حسن الزيات

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣