أرشيف المقالات

إلى النائمين في العالم الإسلامي

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
8 للأستاذ سيد قطب نحن في مصر مشغولون لا نفيق، ليس لدينا وقت للتفكير فيما يدبره لنا اليهود بمعاونة العالم الصليبي.
نحن مشغولون بالانقلابات الوزارية، مشغولون كذلك بالانتخابات: هل تكون بالقائمة أم بالوزن أم بالكيل؟ مشغولون بحكاية الاستثناءات، هل ترد لأصحابها أم لا ترد؟ ومن منهم ترد إليه استثناءاته ويزاد، ومن منهم يؤخذ منه ما معه.
. وهي أمور - كما - من الأهمية بحيث لا تترك وقتاً ولا جهداً للتفكير في أي شيء آخر وفي هذا الوقت تقترب إسرائيل يوما بعد يوم من حدود سينا المصرية، المصرية اسماً وان كانت مصر لا تعرف عنها شيئاً، لأن السياسة اليهودية الإنجليزية عزلتها عن مصر طوال فترة الاحتلال، ولم يكن هذا العزل شيئاً عارضاً ولا أمراً غير مقصود، إنما كان وفقاً لسياسة بعيدة الغور، تتفق مع أطماع اليهودية العالمية إن شبه جزيرة سينا يشتمل على أقدس مقدسات اليهود.
فمن جانب الطور الأيمن نودي موسى، وعليه تلقى الألواح، وبه صخرة العهد.
وسينا هي أرض التية.
.
لذلك كله ترف حول سينا أطماع اليهود التاريخية، ويربى أبنائهم على عقيدة أن جزيرة سينا هي قلب مملكتهم الموعودة، وما فلسطين ألا جزءاً صغيراً من تلك المملكة التي تضم سينا وفلسطين وشرق الأردن وقسماً من سورية والعراق حتى الرافدين وعلى هذا الأساس هم يعملون منذ أجيال، وفي سنة 1906 وفدت على مصر لجنة إنجليزية يهودية قضت في سينا خمس سنوات كاملة، تفحص عن كل شيء فيها، وتنقب عن المياه الجوفية والأراضي الصالحة للزارعة، والمعادن والطبيعة الجيولوجية بصفة عامة، والمناخ والطرق والأهمية الاستراتيجية، وعادت ومعها تقرير شامل يثبت أن سينا صالحه لإسكان مليون نفس وأعاشتهم وقد عني الإنجليز بعزل سينا عن كل نفوذ للحكومة المصرية، وكان محافظ سيناء (جارفس) الإنجليزي هو حارس شبه الجزيرة أن تمتد إليها عين مصرية، وأفهموا المصريين أن هذه الصحراء لا أمل فيها ولا ضرورة للاهتمام بها، لأن المياه الجوفية فيها لا تصلح لخلق حياة مستقرة، وكان هذا كله لحساب اليهود الذين يسيرون دفة بريط ومن المعروف أن جيش إسرائيل عندما تجاوز الحدود المصرية سنة 1948، كان أول عمل لرجاله عندما وطئت أقدامهم رمال الصحراء بعد رفح أن ترجلوا جميعا، وقبلوا تراب الأرض، وأقاموا الصلاة، ثم تابعوا خطواتهم في الأرض المقدسة. أما اليوم فهم يقيمون على الحدود استحكامات قوية، ويسكنون في أرضها الفتيان الفدائيين بزوجاتهم وأولادهم، يقطعونهم الأرض، ويبنون لهم مساكنهم تحتها - لا فوقها - ويمدونهم بالمال ليستصلحوها وأمامهم ألوف الأميال المربعة في الشقة المصرية خلاء فإذا أرادوا هم أن يزحفوا فسيزحفون من استحكاماتهم على الحدود وورائهم العمار.
وإذا أردنا نحن - حتى أن ندافع - وقف جيوشنا وورائها هذه الألوف من الأميال القاحلة الجرداء الخاوية من السكان. لماذا؟ لأننا نحن مشغولون.
مشغولون بالانقلابات الوزارية، مشغولون بالانتخابات هل تكون بالقائمة أم بغير القائمة مشغولون بالاستثناءات ومن ترد إليهم استثناءاتهم ومن لاترد؛ مشغولون بهذه الأمور الكبار التي لا يجوز أن يلهينا عنها خطر اليهود أو غير اليهود، وما تكون سينا وهي صحراء جرداء إلى جانب كراسي الوزارة الفخمة ومقاعدها الوثيرة، وقاعاتها المكيفة الهواء! وفجأة - وفي هذه الظروف - تطلع علينا نغمه لا يدري مبعثها إلا الله، والراسخون في العلم من اليهود والصليبيين.
نغمة تحديد النسل.
.
لماذا؟ لأن مصر تضيق بسكانها، ولأن موارد الرزق لا تنمو بنسبة نمو السكان، ولأن الأرض الزراعية محدودة جميل! نحن معكم في أنه حين تعجز موارد البلد عن إعالة سكانه يجب أن يقف نمو هؤلاء السكان.
ولكن حين تكون في موارد هذا البلد بقية فيجب أن يستمر سكانهم في التزايد، لأن نمو السكان في هذه الحالة ضمانه من ضمانات البقاء أمام تكتل الأعداء.
وضمان من ضمانات القوة في المجال الدولي.
لأن الأمم التي تريد أن يكون لها وزن في الكتل الدولية تحاول كلها زيادة سكانها.
وأمامنا ألمانيا وإيطاليا وروسيا واليابان.
بل أمامنا إسرائيل الصغيرة وهي تحاول مضاعفة سكانها على الرغم من كل ما يشاع من الأزمة الاقتصادية الممسكة فيها بالخناق! فهل استنفذت مصر وسائلها لزيادة مرافقها أن في مصر من الموارد والمرافق ما يكفي لأعاشت ضعف سكانها كما يقول بعض الخبراء، وأمامنا مثل واحد في سينا، فهي كافية لأعاشت مليون من الناس، لو وجدت من يعمرها ويرد إليها الحياة فلماذا يتجه التفكير أول ما يتجه إلى وقف نمو السكان؟ ومرة أخرى نكرر، أننا لا نعارض - بل نحتم - وقف نمو السكان حين يثبت أن مرافق البلاد غير قابلة للنماء.
أما حين يثبت أنها قابله لأن تتضاعف، فإنه يكون من الحمق، أو الاتجاه المريب، أن يثور مثل هذه النغمة.
لأن معناها وقف نمو البلاد لا من ناحية تعدادها فحسب، ولكن من ناحية مرافقها فضغط السكان قد ينبه الغافلين إلى محاولة الاستغلال الكامل لمرافق البلاد على أن حكاية تحديد النسل أو زيادته لا تخضع لحسن الحظ لهذه الأفكار السطحية التي لا تحاول التعمق في دراسة الأمور أن الحرص على زيادة النسل في الريف ضرورة اقتصاد وضرورة اجتماعية.
ولا عبر بالمدن لأنها على هامش حياة الوطن! إن الذي لا أولاد له في الريف يعيش في مستوى اقتصادي اقل من مستوى أبي الأولاد.
كما أنه أقل هيبة وحصانة على الاعتداء! وهذه العوامل الاقتصادية والاجتماعية من القوة بحيث لا تستمع لنصائح السطحين وان يتغير حكم هذه العوامل ويخف ضغطها إلا حين ينتشر التعليم، ويصبح هناك مورد آخر للرزق على العمل في الأرض وقوة أخرى للحماية غير قوة العضلات! وعندئذ فقط يستطيع الشعب كذلك أن يستعيض من قوة العدد قوة العقل، ليقف في وجوه أعدائه المحيطين به أن الفطرة تتصرف في هذا أحكم مما يتصرف السطحيون الذين يحسبون أنفسهم (مثقفين!) فإذا عز على حضراتهم أن يدرسوا الأمور دراسة حقيقية، فلا أقل من أن يدعوا الفطرة تعمل بحكمتها عن حكمتهم الذهبية، المستمدة من الدسائس اليهودية والصليبية! وبعد فنعود إلى استصراخ النائمين في العالم الإسلامي ليصحوا على مطامع الصهيونيين في سيناء.
فإن مصر مشغولة الآن، مشغولة بالانقلابات الوزارية.
مشغولة بالانتخابات وهل تكون بالقائمة أو بالوزن والكيل.
مشغولة بالاستثناءات وغير الاستثناءات.
وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.
والأهم يقدم.
ولا حول ولا قوة إلا بالله سيد قطب

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣