أرشيف المقالات

الشعوب الإسلامية تزحف. . .

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
8 للأستاذ سيد قطب أشد ما أفلح فيه الاستعمار في بلاد العالم الإسلامي، هو خلق تلك الطائفة من (الببغاوات) التي تردد أسطورة فصل الدولة عن الدين، وإبعاد الدين عن الوطنية! لقد أمن الاستعمار واطمأن منذ أن أطلق هذه الأسطورة في أوساط المسلمين، وتركها تمزق وحدتهم، وتفرق كتلتهم، وتفقدهم الراية التي يفيئون إليها، فيحسون بتذاوب العنصريات وانمحاء الفوارق، والاندماج بعضهم في بعض، قوة واحدة تقف متكتلة في وجه الاستعمار ولكن إفلاح الاستعمار في هذه الدسيسة لم يكن ليستمر طويلا؛ فلقد انبعثت روح الإسلام من جديد في كل مكان، تتفاوت قوة وضعفا حسب العوامل المحلية المختلفة في كل قطر من أقطار المسلمين.
ومتى ما انبعثت روح الإسلام الحقيقية، فلابد أن تصاحبها الدعوة إلى التكتل الإسلامي، فهذا التكتل جزء أصيل من العقيدة الإسلامية، ودفعة طبيعية من دفعات الإسلام، ولا محيص إن عاجلا أو أجلا من أن تزحف الدعوات المتواكبة المتجاوبة، ليلتقي بعضها ببعض في صورة من الصور؛ ولا مفر من أن تنتهي إلى غايتها الطبيعية، فتبرز الكتلة الإسلامية، برغم المعوقات والصعاب، وبرغم الببغاوات التي خلقها الاستعمار في كل قطر، لتهتف بأسطورة الدولة والدين، والسياسة والدين، والوطنية والدين وما يقلق بال الاستعمار دعوة على ظهر الأرض كما تقلقه مثل هذه الدعوة.
وما تقض مضجعه صيحة كهذه الصيحة.
فالاستعمار لا يعيش اليوم إلا في الوطن الإسلامي.
لقد تقلص ظله في كل مكان، فلم يبقى إلا في عالم الإسلام.
والدعوة إلى التكتل الإسلامي معناها الدعوة إلى طرد الاستعمار من الركن الباقي له في هذه الأرض.
والهاتف باسم الإسلام معناه الصراخ في وجه الاستعمار والطغيان.
ومعناه التحديد المطلق للاستعمار والطغيان ودون هذا ويحرك الاستعمار أبواقه وببغاواته، ودون هذا ويبذر الاستعمار دسائسه ومؤامراته.
ودون هذا وتنطلق صيحات الخطر في كل مكان، من خلط الدين بالسياسة، وخلط الوطنية بالدين! نشرت جريدة المصري منذ أسبوعين تعقيبا لجريدة بومباي كرونكل الهندية جاء فيه: (بومباي في 14 - لمراسل المصري - عقبت جريدة (بومباي كرونكل) على الدعوة التي تأتي من باكستان بضم جميع الدول الإسلامية في الشرقين الأدنى والأوسط بما فيها أفغانستان وباكستان في نوع من الاتحاد الإسلامي العام، فقالت: إن هذه الحركة فشلت لأن الدول التي يهمها الأمر تشعر بإحساس عميق ورغبة أكيدة في الاحتفاظ بذاتها، مفضلة ذلك على الموافقة على السير في طريق ثانوي تابعة لغيرها ومضت الجريدة تقول: وإن هذه الدول جميعا تحس بالخطر من خلط الوطنية بالدين، ولهذا السبب تتضح لنا الحقيقة البارزة في سياسات الشرق الأوسط من أن دولة رفضت فرادى وجماعات أن تسمح رياستها الكائنة في القاهرة بأن تصطبغ بصبغة دينية، وأصرت على تسميتها بجامعة الدول العربية، كما أنها كانت حكيمة برفضها فكرة الجامعة الإسلامية لأن نتائجها في غاية الخطورة حقا، فكل تكتل على أساس ديني كفيل بإثارة الحزازات الداخلية لاختلاف المشاعر الوطنية والعنصرية، وتنوع المصالح والآمال، أما في الخارج فسوف تخلق رد فعل مفعما بالشك والعداء مع بقية أنحاء العالم، قد يفضي إلى نتائج ضارة بالجامعة الإسلامية ذاتها وقد أثنت الجريدة على سياسة تركيا العلمانية قائلة: إنها ذات قيمة كبرى لأنها تقدم دليلا لا ينقض على حكمة زعماء الهند الذين جعلوا بلادهم دولة علمانية، ومن جهة أخرى نرى أن تمسك تركيا بمثلها العليا العلمانية التي ارتضتها لنفسها، يعد ذا فائدة كبرى لدول الشرق الأوسط) وما كان تعليق جريدة بومباي كرونكل ولن يكون إلا نموذجا من نماذج حركة التخويف التي يزاولها كل صاحب مصلحة في استعمار بضعة من الوطن الإسلامي والهند تزاول لونا من الاعتداء على كشمير، فتلتقي مصلحتها مع مصلحة الاستعمار في عزل باكستان عن العالم الإسلامي، وفي تخويف العالم الإسلامي من نتائج الدعوة الباكستانية إلى التكتل الإسلامي إن أسطورة أن الدين شئ والوطنية أو السياسة شيء آخر، هي أسطورة نشأت في عوالم أخرى غير العالم الإسلامي.
وإلا فالإسلام لا يعرف هذه التفرقة المصطنعة.
الإسلام يعرف أنه عقيدة في الضمير وشريعة للحياة.
شريعة للحياة بكل جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدولية.
ليس هناك شئ يقال له الدين وشئ آخر يقال له السياسة، وشيء ثالث يقال له الحكم، وشيء رابع يقال له الاقتصاد، وشيء خامس يقال له الاجتماع إن هذه التفرقة مضحكة في نظر الإسلام، ومضحكة في نظر المسلمين الذين يعرفون أبسط قواعد الدين إما أن يكون الإنسان مسلما أو غير مسلم.
فإما أن يكون مسلما فشريعة الإسلام هي التي تتحكم حياته إذا تفرد في عباداته ومعاملاته، وتحكم حياة الجماعة التي يعيش فيها من ناحية الحكم وناحية الاقتصاد وناحية الاجتماع، وتحكم حياة الدولة التي تخضع لها من ناحية علاقاتها الدولية، وصلاتها بالعالم الخارجي كله.
.
وإما أن يكون غير مسلم فيدع لأي قانون آخر غير الشريعة الإسلامية أن تصرف حياته في كل هذه النواحي.
.
وليس هناك حل وسط، فالإسلام لا يعرف أنصاف الحلول ولجريدة بومباي كرونكل أن تتحدث عن الخطر من خلط الوطنية بالدين؛ فالدين يكون خطرا حقا على الحياة حينما يكون كالهندوكية التي تستبقي الملايين من البشر في مرتبة أقل من مرتبة الحيوان في صورة منبوذين، أو حينما يكون كاليهودية التي يعتقد أتباعها أنهم شعب الله المختار، وأن كل من عداهم من البشر لا حرمة له ولا حق في رعاية، وقالوا: (ليس علينا في الأميين سبيل) فلهم أن يسرقوا مال البشرية كلها، ولهم أن ينكلوا بالبشرية كلها، وضميرهم الديني مستريح! فأما حين يكون الدين هو الإسلام، فلا شيء من الخطر بل هو الخير للبشرية جميعا، خير العدالة الاجتماعية التي يكفلها هذا الدين كما لم يكفلها نظام آخر من النظم التي تعرفها البشرية وخير التضامن العالمي، والسلام الدولي، كما لم يكفله قانون دولي ولا منظمة جماعية لقد سبق الإسلام هيئة الأمم المتحدة أربعة عشر قرنا في إيجاد معاهدات دولية لسلام يجتمع إليها أصحاب الديانات جميعا في عهده، بل تضم إليها بعض المشركين! ولقد سبق الإسلام الشيوعية بأربعة عشر قرنا في دعوته إلى الوطن الواحد الذي يقوم على نظام اجتماعي معين، وعلى فكرة إنسانية معينة، تذوب فيها القوميات والجنسيات جميعا ولكن الاستعمار يفزع ويرجف من هذا التكتل الإسلامي، كذلك تخشاه الكتلة الشيوعية بدورها، لأنه يقف في وجهها سدا فأما تركيا التي ضربتها جريدة بومباي كرونكل مثلا، فما أقدمت دولة على حماقة مؤذية كالتي أقدمت عليها تركيا.
.
لقد كانت في أضعف أيام الخلافة الوهمية الاسمية يحسب لها حساب.
فأما اليوم فقد انتهت إلى أن تصبح ذيلا صغيرا حقيرا للكتلة الغربية، ترتجف فرقا وفزعا من الكتلة الشرقية، فلا هي كسبت الكرامة، ولا هي كسبت السلامة! إن عجلة الزمن تسير، ولابد أن تطحن تلك العقبات التي يقيمها الاستعمار أو تقيمها الشيوعية في وجه الكتلة الإسلامية.
وستذوب الأفكار المضادة، والشخصيات المضادة، والحكومات المضادة.
وسيلتقي المسلمون يوما تحت راية الإسلام، لا مصري ولا سوري ولا لبناني ولا عراقي ولا حجازي ولا نجدي ولا أردني ولا يمني ولا مراكشي ولا جزائري، ولا طرابلسي ولا إيراني، ولا تركي، ولا أفغانستاني ولا باكستاني ولا أندنوسي.
.
ولكن المسلمون، ومسلمون فقط.
.
إن الشعوب الإسلامية تزحف، ولن تقف عقبة واحدة في الطريق، يوم يلتقي زحف هذه الشعوب سيد قطب

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير