أرشيف المقالات

شوقية لم تنشر في الديوان. . .

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
8 للأستاذ عبد القادر رشيد الناصري يسرني أن أقدم لقراء الرسالة الغراء في كافة أقطار العروبة هذه الجريدة العصماء لخالد الذكر المرحوم أحمد شوقي بك أمير شعراء الضاد بمناسبة قضايا مصر الأخيرة المتعلقة ببريطانيا، والتي نسج ردتها الشاعر في ذكرى 13 نوفمبر سنة 1918 بـ (جهاد مصر الوطني) وقد عثرت عليها وأنا أنقب في اوراق قديمة لي كنت أحتفظ بها ضمن مجموعة من المجلات العربية.
وكانت هذه الرائعة منطوية بين دفتي مجلة (الزهراء) التي كان يصدرها في القاهرة آنذاك الأستاذ محب الدين الخطيب، ويرجع تاريخ العدد من المجلة نفسها إلى سنة 1926 أو 1345هـ وقد راجعتالشوقيات بأجزائها الاربعة فلم أعثر عليها فعجبت كيف غفل أميرنا عن درجها في الجزء الاول والثاني من شوقياته وقد طبعها في حياته.
وإذا كان المرحوم قد سها عنها فكيف غربت عن بال أنجاله عندما أعدوا الجزء الرابع من شوقياته للطبع؟ هذا سؤال أود أن أوجهه إلى الأستاذ علي شوقي وزير مصر المفوض في فرنسا حالياً لعل هناك سبباً أجهله أنا. أما من ناحية القصيدة فهي له بلا ريب لأنها لا تختلف عن شعره من ناحية إشراق الديباجة ومتانة السبك وفخامة المعنى، وسلاسة الطبع.
.
وخصوصاً استشهاده بوقائع من التاريخ الاسلامي وإشارته إلى حالات خاصة به.
وسيطلع عليها القراء ضمن القصيدة.

هذا إلى إنني أود أن أنبه الكرام من قراء الرسالة الزاهرة إلى أن بعض الادباء وأنصاف المتأدبين من العراقيين ينحرفون في كثير من الأحيان وراء عواطفهم وعصبيتهم الإقليمية، فيدعون بأفضلية شعر المرحوم معروف الرصافي على شوقي، متأثرين بما يلقهم الجهلة من أساتذة الأدب العربي في مدارس العراق الرسمية.
وأنا لا اعرف كيف يسوغ لهؤلاء الاساتذة الذين يفخرون بأنهم من حملة الشهادات العالية أن يقارنوا الرصافي بشوقي، وفي أي الحدود والموازين، وما هو وجه التفاضل بينهما، فإلى هؤلاء جميعاً أقول أن شوقي قمة شامخة من قمم الشعر العربي الأصيل، لا يرقى إليها حتى أبو الطيب المتنبي.
اما الرصافي كما قال المعري عندما قرأ عليه شعر أبن هانئ الأندلسي (رحى تطحن قروناً) إذن أن أكثر شعره رحمه اله خطاب يعتمد على فخامة اللفظ وإيقاع الجرس حتى لترى كثير من شعره الخلو من المعنى، وخصوصاً في قصائده التي كان يلقيها في الحفلات التي يدعى إليها، لأنه كان يعتمد على التأثير على السامعين بالألفاظ لا بالمعاني، وبعبارة أخرى خلو شعره من الفن الصادق الذي يتسم به شعر شوقي.
وقد يقول قائل إنني بهذه الكلمة أتجنى على المرحوم الرصافي وأنا عراقي، ولكنني أقول إن هذا هو الحقيقة، لأنني لا زلت من أشد المعجبين حماسة بوطنيته وإبائه، وقد نوهت عن ذلك في سلسلة مقالات نشرتها في مجلة الحديث الحلبية قبل سنتين، كما قلت في رثائه من قصيدة طويلة: فدعوا القريض لأهله فعميده ...
معروف غادر عرشه محزونا الشاعر الحر الذي بيراعه ...
راع (الملوك) وورع (الطاغينا) فأنا الآن إذن لا أتحامل ولكني أقرر الواقع، وهاهي قصيدة شوقي الخالدة، وبرغم أنها نظمت سنة 1918 فهليستطيع أن ينظم شاعر مهماً دان له البيان مثلها؟! خطونا في الجهاد خطى فساحاً ...
وهادنا ولم نلق السلاحا رضينا في هوى الوطن المفدى ...
دم الشهداء والمال المطاحا ولما سلت البيض المواضي ...
تقلدنا لها الحق الصراحا فحطمنا الشكيم سوى بقايا ...
إذا عضت أريناها الجماحا وقمنا في شراع الحق نلقي ...
وندفع عن جوانبه الرياحا نعالج شدة ونروض أخرى ...
ونسعى السعى مشروعا مباحا ونستولي على القسمات إلا ...
كمين الغيب والقدر المتاحا ومن يصبر يجد طول التمني ...
على الأيام فقد صار اقتراحا وأيام كأجواف الليالي ...
فقدن النجم والقمر اللياحا قضيناها حيال الحرب نخشى ...
بقاء الرق أو نرجو السراحا تركن الناس بالوادي قعوداً ...
من الاعياء كالإبل الرزاحى جنود السلم لا ظفر جزاهم ...
بما صبروا ولا موت أراحا فلا تلقى سوى حي كميت ...
ومنزوف وان لم يسق راحا ترى أسرى وما شهدوا قتالاً ...
ولا اعتقلوا الأسنة والصفاحا وجرى السوط لا جرحى المواضي ...
بما عمل الجواسيس اجتراحا صباحك كان إقبالا وسعداً ...
فيا يوم الرسالة عم صباحا وما نألوا نهارك ذكريات ...
ولا برهان غرتك التماحا تكاد حلاك في صفحات مصر ...
بها التاريخ يفتتح افتتاحا جلالك عن سني الأضحى تجلى تجلى ...
ونورك عن هلال الفطر لاحا هما حق وأنت ملئت حقاً ...
ومثلت الضحية والسماحا بعثنا فيك (هاروناً) وموسى ...
إلى فرعون فابتدرا الكفاحا وكان أعز من روما سيوفاً ...
وأطغى من قياصرها رماحا يكاد من الفتوح وما سقته ...
يخال وراء هيكله (فتاحا) ورد المرسلون فقيل خابوا ...
فيا لك خيبة عادت نجاحا أثارت وادياً من غابتيه ...
ولا مت فرقة وأست جراحا وشدت من قوى قوم مراض ...
عزائمهم فردتها صحاحا كأن، بلال نودى: قم فأذن ...
فرج شعاب مكة والبطاحا كأن الناس في دين جديد ...
على جنباته استبقوا الصلاحا وقد هانت حياتهم عليهم ...
وكانوا بالحياة هم الشحاحا فتسمع في مآتمهم غناء ...
وتسمع في ولائمهم نواحا حواريين أوفدنا ثقاة ...
إذا ترك البلاغ لهم فصاحا فكانوا الحق منقبضا حييا ...
تحدى السيف من صلتنا وقاحا لهم منا براءة أهل بدر ...
فلا إثماً تعد ولا جناحا نرى الشحناء بينهم عتاباً ...
ونحسب جدهم فيها مزاحا جعلنا الخلد منزلهم، وزنا ...
على الخلد الثناء والامتداحا يميناً بالتي يسعى إليها ...
غدوا بالندامة او رواحا وتعبق في أنوف الحج ركناً ...
وتحت جباههم رحباً وساحا وبالدستور وهو لنا حيات ...
نرى فيه السلامة والفلاحا أخذناه على المهج الغوالي ...
ولم نأخذه نيلاً مستماحا بنينا فيه من دمع رواقاً ...
ومن دم كل نابتة جناحا لما ملأ الشباب كروح سعد ...
ولا جعل الحياة لهم طماحا سلوا عنه القضية هل حماها ...
وكان حمى القضية مستباحا وهل نظم الكهول الصيد صفاً ...
وألف من تجاربهم رداحا هل الشيخ الفتى لو استراحت ...
من الدأب الكواكب ما استراحا وليس بذائق النوم اغتباقاً ...
إذا دار الرقاد ولا اصطباحا فيلك ضيغما سر الليالي ...
وناضل دون غايته ولاحى ولا حطمت لك الأيام ناباً ...
ولا غضت لك الدنيا صباحا وبعد فهذه عصماء شوقي سقتها لتكون شاهداً على عبقريته ولتضم إلى مجموعة شوقياته، وخصوصاً إلى عشاق شعره الذين لا يحتفظون بنسخة منها. وفي الختام أود أن أنبه أساتذة الأدب العربي في العراق وفي مدارسها التي تشرف عليها وزارة المعارف إلى أن لا يهرفوا مرة أخرى أمام طلابهم بأن الرصافي أشعر من شوقي، خوف أن يأتي زمن نكون فيه معرة المثقفين العرب.
اللهم أهد لقد بلغت. بغداد - أمانة العاصمة عبد القادر رشيد الناصري

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن