أرشيف المقالات

في الحديث المحمدي

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
8 3 - في الحديث المحمدي للأستاذ محمود أبو رية الكذب على رسول الله: شر الرذائل كلها الكذب، لا يختلف في ذلك أحد، وليس في خلال الإنسان أسوأ من خلة الافتراء، ولا في أدواء الجماعات أعضل من داء البهتان. ولئن كان الكذب بين الأفراد والجماعات مما يمكن تداركه والقضاء عليه، فإن بلاءه ولا ريب يكون عميما وضرره يكون عظيما إذا كان على مثل رسول الله (ص) فإن الكذب عليه ليس كالكذب على غيره، إذ هو رسول دين عام، وصاحب شريعة للناس كافة.
وقد أخرج البزار وأبو يعلى والدارقطني والحاكم في المدخل عن سعيد بن عمرو بن نفيل قال: قال رسول الله (إن كذبا علي ليس ككذب على أحد) وقد أتت الرسالة المحمدية بأصول في العقائد ليس لإنسان مهما بلغ من العلم أن يغير أصلا من أصولها، وجاءت بأحكام للعبادات لا يجوز لأحد أن يزيد فيها، أو ينقص منها، أو يعدل شيئا من صورها أو أزمانها؛ لأن الدين كما هو معلوم للدارسين مبني على أصلين (1) لا يعبد إلا الله (2) ولا يعبد بما أمر.
وما عدا ذلك من نظم العمران، وقواعد الاجتماع، فقد وضع له الدين أسساً عامة من العدل والرحمة وعدم الضرر والصدق والأمانة والإحسان وما إليها من الفضائل، وهذه الأسس العامة قد وضعت ليهتدي بها الناس في كل زمان، وتشرق بضيائها على كل مكان فهذا الذي جاءت به الرسالة المحمدية وبخاصة ما نطق به الرسول، لا يصح أن يشوبه ما ليس منه، ولا يخالطه ما يغايره، ومن أجل ذلك كان أشد ما يخشاه صلوات الله عليه أن يكذب أحد عليه، وقد شدد في هذا الأمر تشديداً عظيماً حتى جعل جزاءه القتل في الدنيا، وعذاب النار في الآخرة روى البخاري وغيره عن ربعي بن خراش قال: سمعت عليا يقول، قال النبي: (لا تكذبوا علي فإن من كذب علي فليلج النار) قال الحافظ أبن حجر في شرح هذا الحديث: يؤيده رواية مسلم من طريق غندر عن شعبة بلفظ (يلج النار) وفي رواية يولج.
وروى البخاري عن أنس وأبي هريرة وفيهما زيادة لفظ (متعمداً) ورويت كذلك أحاديث في غير البخاري بهذه الزيادة، ولكن من حقق النظر وأبعد النجمة في مطارح البحث يجد أن الروايات الصحيحة التي جاءت عن كبار الصحابة - ومنهم ثلاثة من الخلفاء الراشدين - تدل على أن هذا الحديث لم تكن فيه تلك الزيادة، وكل ذي لب يستبعد أن يكون النبي (ص) قد نطق بها لمنافاة ذلك للعقل والخلق اللذين كان الرسول متصفا بالكمال فيهما وأقطع دليل في هذا الأمر الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن الزبير الذي جاء فيه، قلت للزبير: إني لا أسمعك تحدث عن رسول الله كما يحدث فلان وفلان؟ قال: أما أني لم أفارقه ولكني سمعته يقول: من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار) ورواه الدارقطني بهذه الزيادة (والله ما قال متعمداً وأنتم تقولون متعمداً!) ورواية أبن قتيبة في كتابه تأويل مختلف الحديث (من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار) - وقال - أراهم يزيدون فيه متعمداً، والله ما سمعته قال متعمداً: وفي نسخة (أنهم) يزيدون. وقال الحافظ أبن حجر في شرح هذا الحديث (وفي تمسك الزبير بهذا الحديث على ما ذهب إليه في اختبار قلة التحديث دليل للأصح في أن الكذب هو الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه سواء أكان عمدا أم خطأ.

إذ الإكثار مظنة الخطأ.
.) وقال الحاكم في المدخل (إن موعد الكاذب عليه في النار) وقد شدد (ص) في ذلك وبين أن الكاذب عليه في النار؛ تعمد الكذب أم لم يتعمد، في قوله (ص) فيما رواه أبن عمر (إن الذي يكذب علي يبنى له بيت في النار) وقد زاد تشددا بقوله فيما رواه عثمان بن عفان (من قال علي ما لم أقل) فإنه إذا نقله غير متعمد للكذب استوجب هذا الوعيد من المصطفى ومن روايات هذا الحديث (من نقل عني ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار) قالوا وهذا أصعب ألفاظه وأشقها لشموله للمصحف واللحان والمحرف الكذب على النبي قبل وفاته: لقد كذب على النبي صلوات الله عليه وهو حي، فقد جاء في كتاب أصول الأحكام لأبن حزم الظاهري أنه كان حي من بني ليث على ميلين من المدينة، فجاءهم وعليه حلة! فقال إن رسول الله كساني هذه الحلة وأمرني أن أحكم في دمائكم وأموالكم بما أرى.
وكان قد خطب منهم امرأة فلم يزوجوه.
فأنطلق على تلك المرأة، فأرسلوا إلى رسول الله فقال: (كذب عدو الله) ثم أرسل رجلا فقال: (إن وجدته حيا فاضرب عنقه وإن وجدته ميتا فحرقه بالنار) وأخرج أبن سعد في الطبقات والطبراني عن المقنع التميمي قال: (أتيت للنبي بصدقة إبلنا فأمر بها فقبضت.
فقلت إن فيها ناقتين هدية لك، فأمر بعزل الهدية عن الصدقة، فمكث أياماً وخاض الناس أن رسول الله باعث خالد بن الوليد إلى رفيق مضر فمصدقهم، فقلت والله ما عند أهلنا من مال! فأتيت النبي (ص) فقلت له: إن الناس خاضوا في كذا وكذا!! فرفع النبي يديه حتى نظرت إلى بياض إبطه وقال.
(اللهم لا أحل لهم أن يكذبوا علي) قال المقنع: فلم أحدث بحديث عن النبي إلا حديثاً نطق به كتاب أو جرت به سنة يكذب عليه في حياته فكيف بعد موته؟) وفي هذا الكلام فوائد كثيرة لا نطل ببيانها الكذب على النبي بعد وفاته: وإذا كان قد كذب عليه في حياته، فإن الكذب قد كثر عليه بعد وفاته صلوات الله عليه وكبار الصحابة متوافرون.
وقد استفاض هذا الكذب بعد وفاة عمر لأنه كان - كما علمت - يخيف الناس حتى أفزعت كثرة الأحاديث على رسول الله كبار الصحابة وأمضتهم فقد روى مسلم في مقدمة صحيحة بسنده عن طاووس قال: جاء هذا إلى أبن عباس (يعنى بشر بن كعب) فجعل يحدثه فقال له أبن عباس: عد لحديث كذا وكذا، فعاد له.
فقال: ما أدري أعرفت حديثي كله وأنكرت هذا؟ أم أنكرت حديثي كله وعرفت هذا؟ فقال أبن عباس: (إنا كنا نحدث عن رسول الله إذا لم يكن يكذب عليه! فلما ركب الناس الصعبة والذلول تركت الحديث عنه) وجاء بشر العدوي إلى أبن عباس فجعل يحدث ويقول، قال رسول الله! قال رسول الله! قال.
فجعل أبن عباس لا يأذن لحديثه، ولا ينظر إليه! فقال.
يا أبن عباس، مالي أراك لا تسمع لحديثي؟ أحدثك عن رسول الله ولا تسمع؟ قال أبن عباس إنا كنا مدة إذا سمعنا رجلا يقول، قال رسول الله ابتدرته أبصارنا وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعبة والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف وأخرج مسلم عن أبن سيرين قال: لقد أتى على الناس زمان وما يسأل عن إسناد حديث، فلما وقعت الفتنة سئل عن إسناد الحديث؛ فنظر من كان من أهل السنة أخذ من حديثه، ومن كان من أهل البدع ترك حديثه نجتزئ بهذه النصوص التي تدل على أن الرسول (ص) قد كذب عليه في حياته وبعد مماته، ولم يكن ذلك من أصحاب البدع والأهواء فحسب، ولكن كان من الصالحين - كما سنبين ذلك في فصل (الوضاع الصالحون) إن شاء الله المنصورة محمود أبو رية

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٣