أرشيف المقالات

البريد الأدبي

مدة قراءة المادة : 6 دقائق .
8 إذن لقد استيقظ الشرق دفعني لكتابة هذه الكلمة القصيرة ما نقلته إلينا محطات الإذاعة ووكالات الأنباء حول تأميم صناعة البترول في إيران.

فلقد جمعني مجلس ضم خمسة أشخاص يمثل كل منهم جنسية ما.
كان ذلك قبل الميعاد المحدد لإحدى المحاضرات في أحد المعاهد.

خمسة أشخاص.
سيدة أمريكية تبلغ من العمر الستين عاما وفتاة بولونية وسيدة فرنسية وشاب إيراني وآخر إنجليزي. بدأ الحديث حول إضراب عمال (المترو والأتوبيس) في باريس وما الوسيلة التي حضر بها كل منا إلى المعهد؛ فمن قائل في إحدى سيارات الجيش التي خصصتها الحكومة لتنقلات السكان، ومن قائل أتيت راكبا قطار رقم 11 - على حسب تعبير الفرنسيين - وهو يعني بذلك قدميه، وكيف أنه قطع المسافة في ساعة ونصف نظرا لبعد مسكنه.
ثم انتقل الحديث إلى نظام العمل والتأمين الاجتماعي والصناعات المؤممة فتحدث كل من الحاضرين عن ذلك في بلده.
ولما جاء دور الشاب الإيراني وذكر موافقة البرلمان الإيراني على مشروع تأميم صناعة البترول بإيران قالت له السيدة الفرنسية أليس للروس دخل في ذلك؟ فقال إن الحزب الشيوعي ضعيف في إيران وإنما حركة التأميم هي حركة تمثل رغبة الشعب الإيراني.

فقالت السيدة الفرنسية ومصر تريد تأميم شركة قناة السويس؟ ولقد استمعت عن رغبة العراق في تأميم شركة البترول العراقية الإنجليزية.

عند ذلك قالت السيدة الأمريكية (إذن لقد استيقظ الشرق) وهنا تنهد الشاب الإنجليزي - بحرقة أثارت انتباهنا جميعا والتفاتنا إليه - وقال: (مسكينة إنجلترا.

كل هذا ضدنا.
) فقلت له أرجو أن تسمح لي أن أقول لقد اشتغلت إنجلترا هذه الثروات وربحت منها كثيرا منذ زمن طويل.
وأعتقد أن الوقت قد جاء ليستفيد أصحاب الثروة من ثروتهم. ويأخذ أصحاب الحق حقهم.
.
فتنهد الإنجليزي مرة أخرى وصمت.

وهنا أحسست إحساسا عميقا بأن سيطرة بريطانيا وجبروتها قد أخذ ينكمش ليتلاشى.
وعادت السيدة الفرنسية إلى الكلام قائلة لقد حملنا إلى الشرق أشياء كثيرة، أقول ذلك كأوربية لا كفرنسية فحسب؛ حملنا الثقافة ومبادئ الحرية وغير ذلك كثير.
وهنا ثار الشاب الإيراني واحمر وجهه وقال لم تحملوا إلينا شيئا.

فأسرعت قائلا لأتمم كلام زميلي الإيراني. الحرية!! كلمة ناديتم بها ولكن للأسف لم نحسها نحن معشر الشرقيين إلا عبودية منكم لنا فكانت دعوتكم منطقا معكوسا.

ولم يسمح لي (الجرس الكهربائي) أن أتم كلامي إيذانا ببدء المحاضرة وهبا قالت السيدة الفرنسية ونحن نتأهب للقيام لقد كانت الحضارة القديمة في مصر وفارس وهي اليوم في أوربا وربما عادت إلى الشرق مرة أخرى فتلك دورة الزمن! وعندئذ وجدتني أرتل قوله تعالى: وتلك الأيام نداولها بين الناس.
(باريس) سالم عزام أعذب الشعر أكذبه! أورد الأستاذ الأديب عبد القادر رشيد الناصري في مقاله الطريف (الدخان في الشعر) هذه الكلمة الموروثة (أعذب الشعر أكذبه) مستدلا بها على كذب المرحوم الشاعر معروف الرصافي حين يذم الخمر، وهو الذي كان لا تفارق الكأس شفتيه وكان كما قال أستاذنا الكبير الزيات: همه من الحياة شرب العرق ولعب الورق واستباحة الجمال)! وإيراد تلك الكلمة الموروثة على هذا الوجه في ذلك المقام تحريف لها عن معناها الأدبي الرفيع! ولقد أعجبني تحليل أستاذ العربية المرحوم مصطفى صادق الرافعي لها؛ إذ جاء في كتابه القيم وحي القلم جـ3 ما نصه: (ولعلماء الأدب العربي كلمة ما أراهم فهموها على حقها، ولا نفذوا إلى سرها! قالوا: أعذب الشعر أكذبه؛ يعنون أن قوام الشعر المبالغة والخيال، ولا ينفذون إلى ما وراء ذلك؛ وما وراء إلا الحقيقة رائعة بصدقها وجلالها! وفلسفة ذلك أن الطبيعة كلها على الحواس الإنسانية؛ وأن أبصارنا وأسماعنا وحواسنا هي عمل شعري في الحقيقة، إذ تنقل الشيء على غير ما هو في نفسه، ليكون شيئا في نفوسنا؛ فيؤثر فيها أثره جمالا وقبحا وما بينهما! وما هي خمرة الشعر مثلا؟ هي رضاب الحبيبة؛ ولكن العاشق لو رأى هذا الرضاب تحت المجهر لرأى.

لرأى مستنقعا صغيرا.

ولو كان هذا المجهر أضعاف الأضعاف مما يجهر به لرأيت ذلك الرضاب يعج عجيبا بالهوام والحشرات التي لا تخفى بنفسها، ولكن أخفاها التدبير الإلهي بأن جعل رتبتها في الوجود وراء النظر الإنساني رحمة من الله بالناس! فأعذب الشعر ما عمل في تجميل الطبيعة، كما تعمل الحواس الحية بسر الحياة، ولهذا المعنى كان الشعراء النوابغ في كل مجتمع هم الحواس لهذا المجتمع)! وللأستاذ الناصري أخلص الشكر، وأطيب التحيات. محمود محمد بكر هلال المدرس بمدرسة سوهاج الأميرية القديمة للبنين إلى الأستاذ كمال بسيوني مقالك أيها الأديب عدوان على الشعر وإجحاف بالشعراء، فقد جعلت من سمة الذوق الحي، والفطرة المهذبة، لغة بدائية، النطق بها جمود، والاحتفاء بها تأخر.
مع أن العقل المنطبق لا يقول بأسبقية الشعر وهو.
مقيد بالوزن، منغم بالقافية على النثر وهو مطلق حر لا يعقله إسار.
ولا شك أن الإنسان إذا أراد له الله أن يعلو على الحيوان باللسان كانت ألفاظه كالحب قبل أن ينتظمه العقد، وظل كذلك حتى ارتقى وتهذبت أحاسيسه، ورقت نفسه فزين قوله بالشعر.

وبدهي أن هناك فرقا واسع الأبعاد بين البدائي وهو يحس بجسمه وأعصابه، والمتحضر وهو يشعر بقلبه وأعماقه.
ولقد صدق شوقي حين قال.
(أنتم الناس أيها الشعراء). القاهرة بركات

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣