أرشيف المقالات

البحرية الإسلامية

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
8 تأليف الدكتور علي محمد فهمي شتا للأستاذ منصور جاب الله العنوان الكامل لهذا السفر القيم (البحرية الإسلامية في شرق البحر المتوسط من القرن السابع إلى القرن العاشر بعد الميلاد)، ومنذ عامين قدم الدكتور علي محمد فهمي شتا المفتش في وزارة المعارف هذا الكتاب إلى جامعة لندن، رسالة نال بها الدكتوراه الفلسفية في مادة التاريخ.
وفي مطالع هذا الصيف طبع الرسالة باللغة الإنجليزية، وهو الآن بسبيل إخراجه باللغة العربية لتتم به الفائدة.
وكتاب البحرية الإسلامية يتضمن سردا وافيا للتنظيمات البحرية في شرق البحر المتوسط بين القرن الأول والقرن الرابع بعد الهجرة، ولا نحسب أن كاتبا من الكتاب طرق هذا الباب من قريب أو بعيد سوى في العربية أو في غيرها من اللغات. ويؤيد هذا الزعم الذي ذهبنا إليه أن الأستاذ (وستنفلد) جزم في تقريره الذي قدمه إلى جامعة جوتنجن عام 1880بإن أحد من الباحثين لم يطرق باب النشاط البحري عند المسلمين.
وفي عام 1946أكد الأستاذ جاتو هذه الحقيقة في مقال نشرته مجلة (ريفيو أفربكان) مشيرا إلى أن انعدام المراجع لم يغوي أحدا من الباحثين على التوغل في ذلك الميدان. وكذلك ضل تاريخ البحرية الإسلامية مغلوفا في غلالات من النسيان، وبقى الباحثون عنه في تيه سر مدى، ودفن دقائقه مع المؤرخين الإسلاميين القدامى الذين غيبوا عنا من زمن بعيد. وقد وقفنا طويلا نتساءل عن سر اهتمام رجل مثل الدكتور شتى - وهو من رجال التعليم - بالمسائل البحرية، هذا الاهتمام الذي تجلى في كل سطر من سطور كتابات النفيس، وماله لم يلق هذا العبء على غيره من رجال البحر المثقفين عندنا؟ ثم عدنا نجيب بأن مرد ذلك إنما يرجع في الأكثر إلى العقل الباطن في المؤلف فهو من أسرة سكندرية عريقة، وأنه ليرى في مراحه ومغداه المنشآت في البحر كالأعلام، فينبع السؤال من قلبه: كيف نشأت؟ وكيف كانت؟ ثم كانت رسالته العلمية جوابا على خمسة فصول يبحث أولها ف دور الصناعة عند العرب والقواعد البحرية عند المسلمين معتمدا في ذلك على أوراق البردي وكتاب العرب القدامى.
وقد بدأ بتحقيق ذلك في مصر وبين أهمية مرافئ القلزم والإسكندرية ودمياط ورشيد والقواعد البحرية الأخرى ثم عرج على تاريخ أول (ترسانة) إسلامية في مصر، وهي تلك التي كانت في حصن (بابل) وحدد موقعها تحديدا يذهب كل لبس.
ثم عكف على معالجة دور الصناعة في الشام وتحدث باسم أب عن دار الصناعة في طرسوس. وتناول الفصل الثاني مراكز قيادة الأسطول الأفريقي في برقة، وتحدث عن الصناعة البحرية في تونس، وأثبت أن أقريطش (كريت) كانت مركزا بحريا مهما في فجر الإسلام إذا قورنت في جزيرة قبرص. أما الفصل الثالث فيتضمن وصف أدوات صناعة السفن ومنها أنواع الخشب المختلفة، ومناسبة كل نوع لغرض بحري، ثم أشار إلى توفر الخشب - في ذلك العهد - في كل من مصر وسوريا، وتناول بعد ذلك صناعة الحديد والسلاسل النحاسية والحبال وغيرها من الأدوات التي تستعمل في الصناعات البحرية. ودرس في الفصل الرابع مسألة تنظيم الأساطيل الغازية وهي أسطول مصر وأسطول الشرق وأسطول إفريقيا، وأدلا بمعلومات خاصة عن قوة كل أسطول وميزانيته، ثم تطرق إلى الكلام عن الضرائب والسخرة والتجنيد وطرائق جمع البحارة والمقاتلة والصناع، وبعد ذلك تفرغ إلى البحث في مسائل التموين والذخيرة والأجور إلى أن انتهى إلى مسألة الفارين من الجندية البحرية الإجبارية وكيفية عقابهم وطرق استتابتهم. أما الفصل الأخير في هذا الكتاب النادر فيتحدث عن الطابع الذي تمتاز به سفن البحر المتوسط - أو بحر الروم كما كان يسمى عند العرب - ونوازن بين السفن الإسلامية في ذلك البحر والسفن الإسلامية في بحر الزنج أو المحيط الهندي، ثم يتبع ذلك دراسة شاملة عن أنواع السفن البحرية والعاملين فيها، وأخيرا يردفها بالتعليمات الرسمية التي أصدرها الخليفة العباسي متعلقة بمهام قائد الأسطول. وبعد تمام الكتاب أضاف إلية مؤلفه العالم ثلاثة تذييلات أولها عن الغابات في مصر والأمكنة التي كانت توجد بها وطرائق العناية بها وصيانتها وثانيها عن أسماء السفن في عهد الدولة الطولونية، وآخرها عن أسماء السفن كما ذكرها المقدسي. ومن خلال هذا العرض الموجز يعرف مدا المجهود الذي بذله المؤلف الشاب في كتابه الفريد في بابه، وكثرة المراجع التي أخذ نفسه بدراستها، ويزيد الأمر غرابة أن المؤلف لم يشتغل بالشؤون البحرية ولم تكن له دراية بها، ومن ثم يكون عمله هذا فذا في نوعه طريفا في بابه، يستحق عليه الإعجاب والإكبار. منصور جاب الله

شارك الخبر

المرئيات-١