أرشيف المقالات

أي قوة لأعظم من القنبلة الذرية!

مدة قراءة المادة : 10 دقائق .
8 للكاتب الأمريكي هاري امرسون فوزدك (صوت هادئ قوي يخرج واضحاً من بين ضجيج الآلات وعجيجها ليفهم عبيد الآلة أن في الحياة ما هو خير وأقوى من الآلات، وشعاع من نور يتخلل سحب الدخان الكثيفة الفارة من الآلات ليهدي الناس إلى الرشد ويضئ لهم آفاقا من الجمال، ذلك الصوت هو صوت الشرق، صوت الروح، يردد صداه ويبين قوته الكاتب الأمريكي (0هاري إمرسون فوزدك) الذي يعرفه العالم أجمع والأستاذ والمؤلف الذي قدرته الجامعات في أمريكيا وأوربا ومنحته كثير منها درجات فحرية، والذي ترجم كثير من كتبه إلى جل لغات العالم.
وهو كاتب نفساني مبرز، طرق العلاج النفساني واهتدى بكتابته النفسية الملايين من قرائه.
ولعل فيما كتبه عقب الحرب الأخيرة وننقله اليوم، عبرة لهؤلاء الذين انسلخوا من شرقيتهم ففقدوا روحانيتهم، وراحوا يمجدون مادية الغرب ويدعون إلى عبودية من نوع جديد.)
المترجم كتب هنري آدمز صاحب كتاب (تربية هنري آدمز) في سنة 1900 خطابا من باريس يقول فيه أنه كان يذهب عقب كل ظهر إلى (معرض العالم) حيث يصلي للدينامو، وأنه قد ترك كل شيء الإ عبادته.
ولقد كان الدينامو أسمى شيء في العالم الحديث، وكتب كذلك (لماذا لا يكون الدينامو جديراً بالتقديس) وإن ذلك أصبح تقريباً دين الملايين الحقيقي، لأن الإنسان في ثلاثة أجيال قد أخترع بأذهان نفاذة منهمكة وأنتج المعدات العلمية المدهشة في عالمنا الحديث، وقريباً في المدرسة التي تعلمت فيها، جامعة كولجات، حيث كانت تخصص دراسات لرجال الطيران كان شاب قد تأخر عشر دقائق عن ميعاد التسجيل، فكان رده على تأنيب الضابط (إني آسف يا سيدي أن أكون متأخراً ولكني كنت بالأمس في أفريقيا). إن اختراعات العلم الباهرة لتذهل، والدينامو - كما في حالة هنري آدمز - مضافاً إليه القنبلة الذرية وعماتها وبنات عماتها قد خلقت الآلهة الجديدة للعالم الغربي. وليس هناك في عصرنا من شيء بالغ الأهمية كتنبيه عقل الإنسان والضمير إلى إفلاس هذه العقيدة الجديدة. وفي سنة 1924 كتب ونستون تشرشل متنبئاً بأن العنصر البشري إذا لم يستفد من الفضيلة مقدراً إياها حق قدرها ولم يحظ بقيادة أرشد.

فإنه بذلك قد وضع في يديه للمرة الأولى الآلات التي بها يستطيع أن يستأصل شأفة نفسه. وفي هذا العمل الانتحاري الآخذة فيه المدنية الآن، ليست علة النكبة تدمير العلم المبتدع - وإن بدا هذا التنميق البلاغي مثيراً للدهش - ولكنه خسران روحي وخلقي مبين. وهناك أشياء لا بد أن يرفع من قدرها إذا أرادت المدنية أن تبقى؛ القيم الخلقية أعني إحياء تقدير القوانين الخلقية السرمدية وإيجاد ثقافة روحية موحدة مؤسسة على فلسفة الحياة والإيمان المتصل بها ويدعم كل ذلك المبادئ الأخلاقية لأن ذلك سوف يضفي على الحياة معنى وغرضاً. وكان الجيل الذي درجت فيه - معتقداً في الآلية والتقدم الحتمي - موسوماً بطابع التفاؤل العريض الذي لم يسبق له مثيل في التاريخ، فقد كما نرى أنفسنا راقين فوق معراج سماوي أردنا أم لم نرد حتى (يصبح الإنسان، ليس ملكا فقط بل رئيس ملائكة) كما كتب صمويل بتلر. ولكنا اليوم يواجه إحدى الأزمات الجد عصبية في التاريخ مع أن الإنسان لا يبدى أية دلائل على أنه سوف يكون رئيس ملائكة، وبين كل ذلك هذه الحقيقة: إن حل مشكلتنا لا يكمن في سيطرتنا على الناحية المادية كمونه في سيطرتنا على الناحية الروحية. وحينئذ فلن نضع الروحية أولا، رغم أنه من الواجب أن تكون أولا إذا أردنا أن نحيا، بل علينا أن نعمل ما ندعوه تكون أولا (بالتربية على نطاق واسع) دون الإشارة إليها؛ وأن ندفع بمثل هذه المبادئ الأخلاقية والاعتقادات الدينية كما ندفع شهوة في حياتنا الخاصة مع أن القوانين الخلقية السرمدية والحقائق الكلية لم تنطبق على الحاجة الماسة للعالم أجمع. إن عيوناً كثيرة مازالت مركزة على سيطرة الإنسان على المادة، وجميع الآلات النافعة التي سوف يكون لها أثر نتيجة لمواجهتنا مشاكل ما بعد الحرب المرعبة، مع أن ذلك لا يعني ضرب أوربا لنيويورك بقنابل تسير كأنها البشر، وما شابه ذلك من المروعات التي لا حد لها، ما لم تسد الإنسان المبادئ الأخلاقية والحقائق الدينية التي يخلص لها. وينبغي أن تكون النازية معلمنا ومبصرنا في هذه النقطة، فلم يكن على الأرض من أمة أكثر كفاءة علمية من ألمانيا، ولكن لننظر إلى مآلها تحت قيادة هتلر الجنوبية، فإن النازيين قد أسلموا جميع المبادئ الأخلاقية وجعلوا (الجنس السيد) إلههم وأنكروا كل فلسفة ترفع من الكرامة الجوهرية للشخصية الإنسانية، واعتقدوا فيما يتعلق بالأخلاق المسيحية (أنها لا تصلح إلا للجبناء والضعفاء). وفي قصة الإنجيل القديمة عن الطوفان، ذكر أول ما ذكر عن نوح، أنه سكر بعد أن غاص الطوفان، ومازالت الطبيعة الإنسانية ذاتها باقية، فإن نوحا ربما كان رائعاً حين الفيضان؛ وحين اللحظة الحرجة كان يصنع كل شيء في عراك مع الحياة والموت؛ ولكن حينما انتهى التوتر استرخى وأنزل كل شيء وجثا على ركبتيه ثم سكر. ولقد فعلنا نفس الأمر عقب الحرب الأخيرة - فهناك طرق كثيرة للسكر علاوة على استعمال الكحول - فإن الملايين تفعل ذلك ثانية الآن، ولقد أصبح الإغراء بعد الكفاح بالاتضاع خلقيا عند الكثيرين على وشك ألا يقاوم: وإن الحقيقة عقب كل حرب لتحقق قول الفرد أدلر العالم النفساني: (أن نحارب من أجل مبادئنا أسهل من أن نعيش لرفعتها) ولقد قال النبي العبري ميخا، كما في ترجمة الدكتور موفات له، إلى قومه (عليكم ألا تعبدوا بعد الآن الأشياء التي تصنعونها)، وإننا ليعوزنا ذلك أشد العوز بدرجة لم يحلم بها ميخا.
ولقد نجمت كارثتنا عن خسران خلقي وروحي؛ ولن يأتي خلاصنا إلا عن إعادة تدعيم المبادئ الخلقية والروحية والمعتقدات. وإن علينا أن نأخذ تلكم الحقيقة باهتمام مع مراعاة تربيتنا وديننا، ولقد انحدرت من بين جيلين من رجال التعليم وقضيت جل حياتي على صلة بالدارس والجامعات.
وإني لأعطف من كل قلبي على المشاكل التي يواجهها المدرسون وأوافق على أنه ليس من العدل لومهم، لأن الناس ينقصهم فلسفة روحية موحدة ووجهة نظر واضحة تجاه المبادئ الأخلاقية الحتمية.
وان مدارس تتأمل بكل بساطة الآراء السائدة عن ثقافتنا ككل واحد، وقد أصبحت أكثر فنية ومهنية فتخصصوا في كل شيء تحتاج الاختراعات العلمية. إن شبابنا يستطيعون أن يلموا سريعاً بميراث الحقائق الأخلاقية العظيم وعن المعتقدات الفلسفية والدينية التي تجعل ممكنا أيا كان الصالح في ثقافتنا الغربية، وكما أجمل أحد خريجي الجامعة (النتيجة بقوله لقد أعطونا كلاما، ولكن دون محور) وإذا أدرنا أن نحفظ الديمقراطية فعلينا أن لا نستمر في تعليم الناس كل شيء عدا المعتقدات العظيمة والمبادئ الأخلاقية التي جعلت الديمقراطية ممكنة الوجود في المكان الأول.
ولقد نبعت الديمقراطية من نهرين التقيا في ثقافتنا الغربية - اليهودية والمسيحية وميراث اليونان - فجعلا الديمقراطية ممكنة لأنها كشفاً عن سلسلة عظمى من أصل الخلق الحميد وعن قدسية الشخص الإنسانية، ومكانة الحرية الروحية وأسس القانون الأخلاقي طبيعة الله.
وهذا هو المستوى الذهبي الذي بدونه لن تكون هناك ديمقراطية البتة، ونحن آخذون في تربيتنا في الانحراف عن المستوى الذهبي كأن بيننا وبينه ثأرا. ولهذا السبب نواجه مستقبلا قائما العالم أقتصر على فن الصناعة ولكنه صفر من الإيمان والثقافة الروحية الموحدة، ومن وحدة الروح المؤسسة على معرفة وصدق في الفهم العام للحياة ومبادئ أخلاقية في السلوك فيها. والحقيقة الواقعية أننا قد ملكنا في أيدينا علما حديث وأنه هنا ليدعم وينمي ويضع تحت سيطرتنا أكبر قدر ممكن القوة، وسيطرته على القوى الذرية - والكونية تزيد يومياً قدرتنا على رفع أو إبادة العنصر البشري، وتنتشر بسرعة في جميع الأجناس والأمم، وما لم تستطع أن تساير الخلقية الإيجابية والأخلاق الدينية السامية كل هذه القوة الجامحة وتولد وحدة روحية وإخلاصا عاما نحو المقاصد الخلقية التي تؤدي إلى العدل والصلاحية أولا فإن علمنا سوف يستعمل لهلاكنا. إن أي فحص جدي لهذا الموضوع سوف يريك بوضوح حياتنا الشخصية وأوطاننا.
وإنه من السهل أن نسلم أبناءنا وبناتنا معدات العالم وليس بهذه البساطة نستطيع أن نسلمهم ثقافة روحية غنية وميراث المعتقدات والمبادئ الأخلاقية العظيم الذي بدونه لا يكون شيء خيراً ولا شيء ينقد. وفي غالبية أعمالنا لا نعمل صالحا، فإن مدارسنا وكنائسنا وبيوتنا وعمل الإنسان كله في الحياة العامة يثبت أنه غير ملائم للعمل أو بالأحرى معادلة، وإن نوع العالم الذي سوف يعيش فيه أحفادنا سوف يعتمد على ميزة روحية تسير كل القوى التي يديرها؛ قوى ضخمة حتى إننا الآن لا نقدر على تصورها، وإن هؤلاء الذين يعلمون ما يجري داخل بعض معاملنا ليسوا فخورين بهذا العمل ولكنهم مجدون، فهم يقولون أن القوى الجديدة التي سوف تكون في متناول الإنسان مروعة.
وإنما الشخصية التي علينا أن نعتبرها أول ما نعتبر الآن - هي الشخصية التي تحفظها والمبادئ التي تسيرها والأغراض التي تكسبها بهاء وتعين لها غرضاً. ترجمة عبد الجليل السيد حسن

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣