أرشيف المقالات

أماه!!

مدة قراءة المادة : 3 دقائق .
8 للأستاذ الشيخ حسن عبد العزيز الدالي عليك رضوان الله يا أصل وجودي، وبقية الإخلاص المحضر آبائي وجدودي.
يا من رأيت النور في ظلام حملها وأنا جنين، وشهد الحياة من ثديها وأنا رضيع، وأحسست دفء الحنان على صدرها وأنا صبي، ورشقت معسول الأماني من ثغرها وأنا يافع، ونقلت حب الأيمان من قلبها وأنا شاب، واقتبست نور الهدى من عقلها وأنا رجل.
الآن غاض الحنان، وذوت الأماني، وخشن المضجع واكتأب الوجود، وتكدر الإخلاص، وكذب الدليل.
نعم كل زال وأسفاه يا أماه حين لفظت أنفاسك الأخيرة في الهزيع الأخير من الليل وأنا بجوارك ملتاع القلب مسعور الحشا وقد سقتني دموعي على جبينك الناصع فمسحتها بشفتي، وكانت هي قبلة الوداع الذي لا لقاء بعده يا أماه! لقد شيعنا إلى عالم البقاء جثمانك الطاهر في عصر يوم الثامن من شهر مايو، وفي هذا الشهر يورق الشجر وتتيقظ البراعم الغافية، وتصدح الأطيار الصامتة، الأقدار واحسرتاه قد عودتني في هذا الشهر من كل عام أن أكون غرضاً لرميات قاتلة وصدمات جبارة وآلام قاسية. ففي مايو مات أبي، وفي مايو ماتت زوجتي، وفي مايو ماتت أختي، وفي مايو كذلك تموتين يا أماه! فتجدد في هذا الشيء المشئوم لواعج نفسي، ومصائب يومي وأمسي. كما يكون اليتم للصغير حين يفقد أمه وهو مبتدئ، يكون اليتم للكبير حين يفقد أمه وهو منتهي؛ لأن الطفل لا يجد من يسدد خطاه الأولى غير أمه؛ ولأن الرجل بعد تجارب السنين يجد من يسند خطاه الأخيرة مثل أمه.
وقول الناس إن العز بعد الوالد قليل، يصدق على كل شخص في كل سن وفي كل طبقة؛ لأن القوة الروحية التي تمسك الإنسان في عرك الخطوب واضطراب الأمور، إنما تنبع من معين الإيمان والحب، ولن يوجد الإيمان كاملاً شاملاً إلا في الدين، ولن يوجد الحب صادقاً خالصاً إلا عند الوالدين، فإذا غاض الحب فاض الإيمان، وإذا ذهب الوالدان بقي الله كفر دميرة القديم حسن عبد العزيز الدالي

شارك الخبر

المرئيات-١